هل في سورية فساد أو إنّ الفساد في سورية ؟ ، وما الأسباب التي تحدّ من مكافحته ؟!.

الجزء الثّانيّ


كنت في الجزء الأوّل قد أشرتُ لدراستي حول وضع معاييرَ محدّدة لمكافحة الفساد وآليّاته النّاجعة وإنشاء وزارة أو منظومة جديدة تُعنى بمكافحة الفساد ، لتضمَّ الهيئة المركزيّة للرّقابة والتّفتيش والجهاز المركزيّ للرّقابة الماليّة ، وضرورة عدم تبعية تلك المنظومة لرئاسة الوزراء ، كما تمّت الإشارة لدراستي لتطوير وزارتي التّربية والإعلام بما تضمنتاه من إشارات عن الفساد ومكافحته واستعدادي لتقديم تلك المعايير والآليّات النّاجعة في المكافحة لمقام السّيّد الرّئيس الدّكتور بشّار الأسد واطّلاعه شخصيّاً على الدّراسة المتعلّقة بتلك المنظومة كون الفساد يعدّ أحد معوّقات الإصلاح الإداريّ في سورية .

ولعلّ من الملاحظ الآن أنّنا بتنا نسمع عن حالات فساد وحجز أموالهم عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ لأعداد من المسؤولين ، بغضّ النّظر عن الأسماء ، لأنّهم كثيرون ومنهم بمرتبة وزير كالغربيّ الذي تمّ حجز أمواله حاليّاً أو مؤخّراً أو ما حدث في مديرية الجمارك أو ما يحدث حاليّاً في وزارة النّفط وتوقيف عدد من العاملين ، وقبل ذلك ما تمّ من إجراءات مع الدّكتور الوز وبعض العاملين في وزارة التّربية وقبلهم سابقاً مفيد عبد الكريم وغيرهم ممّا يصعب حصره ، وهنا يتبادر لنا  السّؤال الآتي : 
لماذا لا تتمّ المكاشفة صراحةً وعلناً لهم بعد صدور قرارات قضائيّة بحقّ بعض الفاسدين ليتمّ الاكتفاء بالإشارة لحجز الأموال ؟! ، وربّما يُكرّمون بمناصب أخرى تفتح لهم آفاقاً أوسع من الفساد وهذا ما رأيناه لدى عدد منهم ، ولماذا تنعدم المحاسبة إلّا في الكلام عموماً فقط ؟! ، وهل كانوا فاسدين قبل تسلّمهم المناصب أو بعدها ؟!، وما علاقة شروط التّرشيح للإدارة بكلّ ذلك ؟! ، وأين هم من التّربية العقائديّة التي تمّت تربيتهم عليها ؟ ، وهل لتلك التّربية علاقة بفسادهم ؟، وهل ينسجم ذلك التّرشيح والتّعيين السّياسيّ مع المادة السّابعة وغيرها من القانون الأساسيّ للعاملين في الدّولة لعام 2004م ، أو يتنافى معها ؟!، ولماذا كان التّكليف في العمل سياسيّاً عبر ترشيح من فروع حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ إذا كان يتناقض والقوانين السّوريّة وقرارات حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ التي تشير إلى الكفاءة والشّهادة العلميّة والنّزاهة في التّكليف ، ولا تشير إلى أيّ انتماء حزبيّ محصور لجهة حزبيّة معيّنة للحزب الحاكم أو سواه ، حتّى يتمّ ذلك التّكليف في العمل السّياسيّ في أيّة وزارة كانت ؟! ، وهل كان ذلك التّكليف انتمائياً أو مؤسّساتياً ؟! ولماذا لا تتمّ مساءلة المرشِّحين للفاسدين بعد ثبوت فساد من قاموا بترشيحه وعن سبب ترشيحهم لمثل أؤلئك الفاسدين ؟! ، ولماذا كان كلّ ذلك يتنافى مع توجيهات السّيّد الرّئيس في حرصه على مضمون المواطنة كونه أكّد أنّ الدّولة لن تُبنَى على أساس طائفيّ بل وفق مبدأ المواطنة ؟!.. وبالتّالي فإنّ تخصيص الوزارات بحزب معيّن يتعارض ويتناقض مع مفهوم التّعدّدية السّياسيّة ومفهوم المواطنة والانتماء للوطن ، وهنا لا بدّ من تفعيل دور المواطنة بأبعادها القانونيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والثّقافيّة الحضاريّة ، لأنّ المواطنة لا تعني المحاصصة والتّقسيم بأيّة صورة تقسيميّة ظاهرةً أو مبطَّنةً ضمن أيّ مسمّى يستعمله إنسان في أيّ موقع كان وفق ما نصّت عليه الفقرة الثّانية من المادة الثّالثة والثّلاثين في الدّستور ، ولماذا كان ذلك الحقّ مكتَسباً لحزب دون سواه ، وكلّ الأحزاب متوازية في حقوقها وممارسة نشاطها ضمن احترام مبادئ السّيادة الوطنيّة والدّيمقراطيّة التي نصّ الدّستور عليها في الفقرة الثّانية من المادة الثّامنة ؟!، وهذا ما أشرتُ له في الجزء الأوّل من بحثي بعنوان : " ماذا يأمل الشّعب العربيّ السّوريّ من السّيّد الرّئيس بعد أداء القسم ؟!" _ وهو منشور في ( معهد طهران للدّراسات والأبحاث الدّوليّة ) _ بتاريخ  3/7/2021م .
وهنا نتساءل أيضاً : 
ما دور الأحزاب السّياسيّة في الكشف عن الفاسدين وفسادهم ؟! وما دورها في سورية عموماً ؟ ولماذا تمّ إقصاء الدّعوات للأمناء العامين لتلك الأحزاب عن حضور خطاب القسم للسّيّد الرّئيس ، وهو لكلّ السّوريين بمختلف توجّهاتهم ، وليس لفئة حزبيّة معيّنة في ضوء التّعدّدية السّياسيّة التي أشار الدّستور المعمول به منذ عام ألفين واثني عشر إليها ، وهو ما يتنافى مع توجّه السّيّد الرّئيس للمواطن والوطن ؟! 

وممّا لا شكّ فيه أنّ السّيّد الرّئيس في كلّ خطاباته وكلماته التي يتحدّث فيها يشير إلى المواطنة وضرورة الحفاظ على الوطن والتّشبّث بالثّوابت الوطنيّة ، وهو ما أكّده في خطاب القسم الأخير ، وهذا ما نلمحه في معظم كلماته ، ولعلّ منها الكلمة التي ألقاها أمام السّادة رؤوساء مجالس المدن المحلّيّة والبلديّات أيضاً بتاريخ 17/2/2019م عندما قال : 
" بعد كلّ ما تحقّق من إنجازات عسكريّة وسياسيّة ، فإنّ البعض منّا لا يزال مصرّاً على السّقوط في الأفخاخ التّقسيميّة التي ينصبها لنا أعداؤنا ، والتي تهدف إلى خلق انقسام في المجتمع يحقّق الهزيمة السّريعة ، فهذا البعض ساهم في تسويق فكر هدّام من دون أن يدري وطرح طروحات هدفها وطنيّ " ، فسورية لكلّ أبنائها تتعدّد ألوانها وأطيافها وتغدو أكثر جمالاً عندما تكون بصورة ولوحة فسيفسائيّة جميلة ، وما حالة الإقصاء إلّا تلك الحالة التي تؤدّي إلى الانقسام السّياسيّ في سورية ، وإذا لم يكن هناك من دواعٍ للأحزاب ، فلماذا صدر قانون الأحزاب ؟! ، ومتى سيتمّ العمل بتطبيقه في سائر الجهات الرّسميّة لتكون سورية واحدة تمثّل مختلف أطيافها سياسيّاً وعرقيّاً ودينيّاً ، وهي ممثَّلة بهم ، وليس الاقتصار على فئة واحدة تمثّلها في أيّة جهة رسميّة ، وتحمل فكراً تسعى من خلاله إلى إقصاء الآخرين ، وربّما لا يتمّ الاعتراف بغيرها ، لأنّ الأفخاخ التّقسيميّة التي أشار إليها السّيّد الرّئيس ينصبها أعداؤها لها ، وهي تحقّق الهزيمة السّريعة عبر تسويق فكر هدّام لا ينسجم مع تطلّعات السّيّد الرّئيس ، ولذا جاء قول سيادته : 
" الوطن اليوم بحاجة إلى كلّ أبنائه ، لأنّ التّحدّيات أمامنا كبيرة ، وفي مقدّمتها إعادة إصلاح النّفوس المريضة ، وتطهيرها من الحقد والجهل وزرع القيم والأخلاق فيها ، تنقيتها من شوائب الانهزاميّة وتشريبها بالمفاهيم الوطنيّة ، كلّ ذلك بحاجة إلى حوار وطني شامل والأهمّ ناضج " ولأنّ الوطن في عيون السّيّد الرّئيس فإنّي أراه في كلّ خطاباته يبدأ بالقول : 
" أيّها الأخوة المواطنون ... " ، ولا يشير إلى أيّة كلمة يكون فيها الحديث موجّها لفئة حزبيّة أو طائفيّة أو عرقيّة ، ولنتذكّر ما قال سيادته أيضاً : 
" قانون الأحزاب يغني التّعدّدية الحزبيّة ، ويفسح المجال أمام مشاركة أوسع للتّيارات المختلفة في الحياة السّياسيّة ".
وتأتي كلمة السّيّد مهدي دخل الله عضو اللجنة المركزيّة لحزب البعث العربيّ الاشتراكيّ في مقالة ضمن صحيفة تشرين يوم الأربعاء 13/11/2019 م ، تحت عنوان : " عبث السّياسة ... الرّواتب والفساد " ، والتي أكّد فيها أنّ " رفع رواتب المسؤولين في سورية يسهم في حمايتهم من الانزلاق نحو الفساد " ، وقد نسي أنّ ما يزيد على ثمانين في المئة من الشّعب العربيّ السّوريّ تحت خطّ الفقر _ وفق ما تنشره الإحصائيّات _ ، وكان الأجدر به وغيره إيجاد آليّات لحلّ تلك المعاناة عن الشّعب العربيّ السّوريّ ، ليكون ما قاله إقراراً بوجود حالات فساد لدى المسؤولين الذين أشار إليهم ، عندما أكّد ذلك بدعوته لزيادة رواتبهم منعاً من الانزلاق للفساد ، ممّا يثبت حالة فسادهم . 

وتأتي ادّعاءات السّيّدين رئيسي الحكومة الحالي والسّابق بأنّ الحكومة تدرس الواقع المعيشيّ للشّعب وتتلمّسه ، وهذا الأمر لم يشعر به أحد بأي تحسّن سوى في التّصريحات الإعلاميّة وجلسات مجلس الوزراء التي لم ترَ أيّة فاعليّة على الأرض ، وادّعت الحكومة السّابقة أيضاً أنّ التّجار يتلاعبون بالأسعار كي تتّجه الأنظار بعيداً عنها ، وبعض السّادة الوزراء كالسّيّد وزير الماليّة السّابق الدّكتور مأمون حمدان أبدى اعتراضه على بعض المصطلحات التي استعملها السّادة النّواب في مجلس الشّعب أثناء مناقشة تقرير لجنة الموازنة والحسابات فردّ باستهزاء : " الشّعب جائع " وكتبتُ مقالاً عن ذلك تحت عنوان : " وزير الماليّة يسخر من الشّعب السّوريّ " بتاريخ 6/12/2017 م ، فيموت الشّعب العربيّ السّوريّ بغلاء الأسعار ..
وسأكون في الجزء الثّالث مع الهيئة المركزيّة للرّقابة والتّفتيش والجهاز المركزيّ للرّقابة الماليّة ، لنجيب على 
سؤال : " هل في الهيئة المركزية للرّقابة والتّفتيش فساد ؟! ، وهل هناك مؤشّرات علاقة فساد تربطها بوزارة 
التّربية أو غيرها ؟!" ، فكونوا معنا .

وإنّ كلّ ما سبق برسم الأمناء العامين للأحزاب السّياسيّة الوطنيّة في سورية للكشف عن حالات الفساد 
، وأتساءل إذا كان ما سبق سيصل للسّيّد الرّئيس ، وإنّي أضع الأسئلة السّابقة وغيرها ممّا سأذكره في الأجزاء اللاحقة بين يدي السّيّد الدّكتور بشّار الأسد رئيس الجمهوريّة العربيّة السّوريّة حفظه الله ورعاه . 

الباحث والمحلّل السّيّاسيّ :
وعضو اللجنة الإعلاميّة لمؤتمر الحوار الوطنيّ في سورية 
وعضو الجمعيّة السّوريّة للعلوم النّفسيّة والتّربويّة .