دولة الفقيه بنظرة عقائدية..


إن نظام الكون كما جاء في القرآن الكريم وكما بلّغت رسالات الأنبياء والمرسلين والمعصومين "عليهم السلام"، هو نظام يسعى الى الأخذ بعقول البشرية الى التكامل وتحمّل مسؤولية إدارة الأرض أو الدنيا وفق ما وصلت له المعارف البشرية عبر رسالات ذلك العدد الكبير من الرسل. بمعنى ان لا شيء من هؤلاء المرسلین قد أرسلهم الله عزوجل دون غاية عقلائية وتخطيط متقَن هادف يريده خالق الكون والمكلَّف به ذلك العدد من الهداة والمرسلين. 
حيث دلَّ على ذلك الكثير من الآيات القرآنية.

(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) الذاريات ٥٦.

(وَهُوَ ٱلَّذِى جَعَلَكُمْ خَلَٰٓئِفَ ٱلْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍۢ دَرَجَٰتٍۢ لِّيَبْلُوَكُمْ فِى مَآءَاتَاكُمْ  إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ ٱلْعِقَابِ وَإِنَّهُۥ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌۢ) الأنعام ١٦٥
وهذه الغاية أي "العبادة" لابد لها من خرائط توصِل إليها ومجتمع قادر على التطبيق واستيعاب ماتبتغيه السماء سواء عرفنا العلة أم كانت العلة توقيفية! وما مسير المرسلين إلا خارطة طريقٍ للتكامل، رغم أنهم لم يبلغوا النجاح مع مجتمعاتهم، بل البعض قضى قتلًا وصلبًا على أيدي تلك الاقوام والمجتمعات.

من هنا لابد من سؤال ملحّ، إذا كان كل هذا العدد - من الأنبياء - لم ينجح وهم مائة وأربعة وعشرون ألف نبي! ترى متى ننجح نحن ونحقق الحضارة الإسلامية التي يريدها القرآن ولنا أسوة في رسول الله ومن بعده من الاوصياء والصالحين؟!! فهل علينا التردد أم القطع في انّ معضلة النجاح قد تحلّ او قد لا تحصل؟!!  في الوقت الذي نجد القرآن قد قطع الطريق على المترددين حينما جزم أن  الحضارة وقيام المجتمع الإسلامي وسيادة الحقّ هو وعد حاصل لا محال بدليل قوله عزوجل:

(وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي  الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) الأنبياء ١٠٥ . والصالحون هم المجتمع المنتظِر بكل أطيافهِ ، وهم المصداق القرآني المتمثّل بخاتم الأوصياء من ذرية خاتم الأنبياء صلوات ربي عليهم أجمعين في ذلك الأمر المناط به الى الإمام الغائب المهديّ المنتظَر وهو الوريث الشرعي للقيام بمهمة بناء ذلك المجتمع الراقي والقرآني الذي ينتهي الى خلافة الأرض ومَن عليها، 

ولو بحثت في عصورنا المتأخرة هذه سوف لن تجد غير إيران الإسلامية مصداقا قد نال ذكرها إهتمام المعصومين "عليهم السلام" بشكل صريح وواضح، ما يعني ويؤكد أنها دولة الفقيه التي سوف تقوم بدور التمهيد والإعداد والبناء للقائد الأقدس ليرث من خلالها القيادة والسيادة المهدي الموعود "عجل الله تعالى فرجه" 
وهذا عين عقيدتنا وذات ايماننا  بموضوع دولة الفقيه بل وإيمان الكثير من علماء مدرسة أهل البيت عليهم السلام وأتباعهم بالحق كما أحد الأمثلة من كثير ذلك العالم الكبير آية الله العظمى السيد الحائري حيث يرى أنها تلك الدولة التي سوف تسلّم الراية لوليّ العصر "أرواحنا لتراب مقدمه الفداء"