المهدي المنتظر: من هو؟
الجزء الأوّل
عندما يعجز البعض عن نفي فكرة أو معتقد فالحل الأمثل لهذا الإشكال هو إثارة الضباب والغبار من حوله!!.
هكذا تعامل البعض مع اعتقاد أغلبية المسلمين بالمهدي المنتظر تشكيكا حول شخصه ومحاولة منهم لاختراع مهدي للسنة ليس هو مهدي الشيعة فهو شخص يولد في آخر الزمان من ولد الإمام الحسن من أهل البيت وليس من نسل الإمام الحسين كما يؤمن الإمامية!!.
البعض الآخر واجه المعتقد بالتسخيف والتوهين والسخرية من فكرة الانتظار وهو ما فندناه في عديد من الدراسات.
معلوم أن الرواة قد أثبتوا حقيقة المهدي الذي يملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا وانتسابه للعترة الطاهرة وخير شاهد على ذلك ما رواه عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه.
20770 – أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن أبي هارون عن معاوية بن قرة عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري قال ذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم بلاء يصيب هذه الأمة حتى لا يجد الرجل ملجأ يلجأ إليه من الظلم فيبعث الله رجلا من عترتي من أهل بيتي فيملأ به الأرض قسطا كما ملئت ظلما وجورا يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض لا تدع السماء من قطرها شيئا إلا صبته مدرارا ولا تدع الأرض من مائها شيئا إلا أخرجته حتى تتمنى الأحياء الأموات يعيش في ذلك سبع سنين أو ثمان أو تسع سنين.
الطريف في الأمر أن عبد الرزاق الصنعاني أستاذ أحمد بن حنبل والبخاري، ولد عام 126 هجرية وامتد به العمر حتى 211 أي أنه مات قبل مولد الحجة المنتظر (محمد بن الحسن العسكري) بما يقارب نصف قرن، قبل ظهور كتب مثل البخاري ومسلم وهي كتب يستغل البعض عدم ورود ذكر المهدي فيها (نصا) لنفي المعتقد من أساسه كما كان معاصرا للإمام الصادق عليه السلام، مما يعني أن الروايات المبشرة بظهور المهدي من آل محمد كانت رائجة منذ البدايات الأولى للتاريخ الإسلامي بعيدا عن أي مؤثر شيعي كما يزعمون.
فقد روى البخاري ومسلم والنص لمسلم:
4 – (2882) حدثنا قتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم – واللفظ لقتيبة – (قال إسحاق: أخبرنا. وقال الآخران: حدثنا) جرير عن عبدالعزيز بن رفيع، عن عبيدالله بن القبطية. قال: دخل الحارث بن أبي ربيعة وعبدالله بن صفوان، وأنا معهما، على أم سلمة، أم المؤمنين. فسألاها عن الجيش الذي يخسف به. وكان ذلك في أيام ابن الزبير. فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “يعوذ عائذ بالبيت فيبعث إليه بعث. فإذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم” فقلت: يا رسول الله! فكيف بمن كان كارها؟ قال “يخسف به معهم. ولكنه يبعث يوم القيامة على نيته”. وقال أبو جعفر: هي بيداء المدينة.
5 – (2882) حدثناه أحمد بن يونس. حدثنا زهير. حدثنا عبدالعزيز بن رفيع، بهذا الإسناد، وفي حديثه: قال فلقيت أبا جعفر فقلت: إنها إنما قالت: ببيداء من الأرض. فقال أبو جعفر: كلا. والله! إنها لبيداء المدينة.
6 – (2883) حدثنا عمرو الناقد وابن أبي عمر (واللفظ لعمرو). قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن أمية بن صفوان. سمع جده عبدالله بن صفوان يقول: أخبرتني حفصة؛ أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول “ليؤمن هذا البيت جيش يغزونه. حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض، يخسف بأوسطهم. وينادي أولهم آخرهم. ثم يخسف بهم. فلا يبقى إلا الشريد الذي يخبر عنهم”. فقال رجل: أشهد عليك أنك لم تكذب على حفصة. وأشهد على حفصة أنها لم تكذب على النبي صلى الله عليه وسلم.
7 – (2883) وحدثني محمد بن حاتم بن ميمون. حدثنا الوليد بن صالح. حدثنا عبيدالله بن عمرو. حدثنا زيد بن أبي أنيسة عن عبدالملك العامري، عن يوسف بن ماهك. أخبرني عبدالله بن صفوان عن أم المؤمنين؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “سيعوذ بهذا البيت – يعني الكعبة – قوم ليست لهم منعة ولا عدد ولا عدة. يبعث إليهم جيش. حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم”.
طبعا لم يصرح البخاري ولا مسلم (كعادتهما) باسم هذا العائذ الذي يعوذ بالكعبة وهو عندنا يقينا القائم المنتظر كما أن هذه الرواية وردت في كتب التفسير شرحا لقوله (وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * وَقَالُوا آَمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ * وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ * وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ)[1].
أما كونها عادة اعتادها الشيخان للهروب من الحرج والمآزق فقد استخدم مسلم في كتابه لقب (فلان) 149 منعا للحرج وتفاديا لعواقب ذكر الاسم الحقيقي لسيدنا فلان رضي الله عنه وأرضاه ولأننا نعرف من هو (العائذ) الذي يعوذ ببيت الله الحرام حيث موضع ظهور الإمام الحجة أعزه الله.
وإكمالا للطرافة كنا نتمنى على (السيد مسلم) أن يخبرنا من يكون (أبو جعفر) وأغلب الظن أنه الإمام الباقر محمد بن علي الحسين عليهم السلام.
الخسف سيكون بجيش السفياني والرواية في الفتن لنعيم ابن حماد ورقمها 942:
– حدثنا الوليد ورشدين عن ابن لهيعة عن أبي قبيل عن أبي رومان عن علي رضى الله عنه قال إذا نزل جيش في طلب الذين خرجوا إلى مكة فنزلوا البيداء خسف ﺑﻬم ويباد ﺑﻬم وهو قوله عز وجل (ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب) من تحت أقدامهم ويخرج رجل من الجيش في طلب ناقة له ثم يرجع إلى الناس فلا يجد منهم أحدا ولا يحس ﺑﻬم وهو الذي يحدث الناس بخبرهم.
الطريف أيضا أن (الإسلاميين) في أدبياتهم لا يأتون على ذكر مهديٍ من أهل بيت النبوة كمكون من مكونات مشروعهم المستقبلي فنموذجهم الأمثل هو ما يسمونه بالخلافة الراشدة التي لم تحظ بصفة الرشد إلا متأخرا عملا بالرواية المنقولة عن (العرباض بن سارية).. (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) وهي رواية تفرد بها رغم قوله (خطبنا رسول الله) وهم ينتظرون حسب ما هو شائع في أوساطهم (خلافة على منهاج النبوة) ولذا فقد هلل الكثير منهم لأبي بكر البغدادي عندما أعلن خلافة داعش في العراق قبل بضع سنوات ومن قبله (أمير المؤمنين الملا عمر) وغيرهم من الأسماء من سقط الزمان وسخرية القدر منا!!.
(الإسلاميون) المعاصرون لهم في كل عرس قرص، فهم يبحثون عن خليفة (قرشي راشد) كأبي بكر وعمر وهم يشوشون على أتباع منهج أهل البيت عليهم السلام بنفي إمامة محمد بن الحسن العسكري الثاني عشر من الأئمة بل ويصل بهم الشطط حد نفي ولادته وغيبته وهم يلصقون كل التهم بمن ينتظر ظهوره.
يزعم (الإسلاميون) أن خلافهم مع الشيعة يتلخص حول اسم المهدي المنتظر، مستندين إلى الرواية التي تقول (يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي) فهو عندهم محمد ابن عبد الله وهو عند الشيعة محمد بن الحسن!!!.
منذ متى عُرف عن الجبابرة المتسلطين على رقاب المسلمين مجرد التعامل بإنسانية مع أهل بيت النبوة، سواء من أبناء الحسن أو الحسين عليها السلام، ولن نقول حبهم أو الإذعان لولايتهم حتى نتوقع منهم أن يسلموا الحكم طائعين للمهدي المنتظر لأنه سيقول لهم أنا من نسل الإمام الحسن ع ومن أهل بيت النبوة وهذه بطاقتي الشخصية واسمي مطابق للروايات (الصحيحة) في كتبكم؟!.
ثم….
كيف يمكننا أن نتصور أن إعطاء السمع والطاعة لهذا العملاق الآتي من وراء الغيب ليحق الحق ويبطل الباطل يمكن أن يكون بمعزل عن الانصياع لمنهج أهل البيت فقها وعبادة وتصورا ومنهجا وهو المرفوض من هؤلاء الجبابرة طيلة القرون الماضية وكيف يمكننا أن نتخيل أن التشيع له سيصبح أمرا منطقيا ومقبولا بينما نرى الآن الرجل من المسلمين رغم هيبته ومقامه يكرر: رغم حبي لأهل البيت لست شيعيا!!.
كيف نصدق أن الذين يرون في فقه أهل البيت والتزام هديهم سبة وعارا سيتحولون فجأة إلى مقاتلين أشداء تحت رايته يقاتلون قوى البغي والعدوان والنفاق؟!.
لأن يقال زنديق خير من أن يقال شيعي!!!!
يروي ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: أن ابا جعفر محمد بن على الباقر عليه السلام قال لبعض اصحابه يا فلان ما لقينا من ظلم قريش ايانا وتظاهرهم علينا وما لقى شيعتنا ومحبونا من الناس، إن رسول الله صلى الله عليه واله قبض وقد اخبر أنا اولى الناس بالناس فتمالأت علينا قريش حتى أخرجت الامر عن معدنه واحتجت على الانصار بحقنا وحجتنا ثم تداولتها قريش واحد بعد واحد حتى رجعت الينا فنكثت بيعتنا ونصبت الحرب لنا ولم يزل صاحب الأمر في صعود كئود حتى قتل فبويع الحسن ابنه وعوهد ثم غدر به وأُسلم ووثب عليه اهل العراق حتى طعن بخنجر في جنبه ونهبت عسكره وعولجت خلاليل أمهات أولاده فوادع معاوية وحقن دمه ودماء أهل بيته وهم قليل حق قليل ثم بايع الحسين عليه السلام من أهل العراق عشرون الفا ثم غدروا به وخرجوا عليه وبيعته في اعناقهم وقتلوه ولم نزل -أهل البيت- نستذل ونستضام ونقصي ونمتهن ونحرم ونقتل ونخاف ولا نأمن على دمائنا ودماء اوليائنا ووجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم وجحودهم موضعا يتقربون به الى اوليائهم وقضاة السوء وعمال السوء في كل بلدة فحدثوهم بالاحاديث الموضوعة المكذوبة ورووا عنا ما لم نقله وما لم نفعله ليبغضونا الى الناس وكان عظم ذلك وكبره زمن معاوية بعد موت الحسن عليه السلام فقتلت شيعتنا بكل بلدة وقطعت الايدى والارجل على الظنة وكل من ذكر بحبنا والانقطاع الينا سجن أو نهب ماله أو هدمت داره ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد الى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين عليه السلام ثم جاء الحجاج فقتلهم كل قتلة وأخذهم بكل ظنة وتهمه حتى إن الرجل ليقال له زنديق أو كافر احب إليه من أن يقال شيعة علي وحتى صار الرجل الذى يذكر بالخير – ولعله يكون ورعا صدوقا – يحدث بأحاديث عظيمة عجيبة من تفضيل بعض من قد سلف من الولاة ولم يخلق الله تعالى شيئا منها ولا كانت ولا وقعت وهو يحسب انها حق لكثرة من قد رواها ممن لم يعرف بكذب ولا بقلة ورع. وروى أبو الحسن على بن محمد بن ابى سيف المدايني في كتاب (الاحداث) قال كتب معاوية نسخة واحدة الى عماله بعد عام الجماعة أن برئت الذمة ممن روى شيئا من فضل ابى تراب واهل بيته فقامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون عليا ويبرءون منه ويقعون فيه وفي اهل بيته وكان اشد الناس بلاء حينئذ اهل الكوفة لكثرة من بها من شيعة علي عليه السلام فاستعمل عليهم زياد بن سمية وضم إليه البصرة فكان يتتبع الشيعة وهو بهم عارف لانه كان منهم ايام على عليه السلام فقتلهم تحت كل حجر ومدر واخافهم وقطع الايدى والارجل وسمل العيون وصلبهم على جذوع النخل وطرفهم وشردهم عن العراق فلم يبق بها معروف منهم وكتب معاوية الى عماله في جميع الآفاق الا يجيزوا لاحد من شيعة على واهل بيته شهادة. انتهى.
كيف يمكننا أن نصدق إمكانية حدوث هذا التحول الفجائي في تركيبة العقل العربي الذي تربى على قاعدة (أن يقال زنديق خير من أن يقال شيعة لعلي) ليأنس ويهش ويبش لإمام من آل محمد ويقفو أثره حياة أو موتا، ويترك ما عشش في عقله من أوهام عن خلافة على منهاج النبوة كما يزعمون.
لا نرى في الجدل الفارغ حول اسم المهدي سوى تشويشا حول القضية الأم، إذ ربما ولعل ينجحون في إقامة خلافتهم المزعومة مرة أخرى، أما عند مجيئ الإمام المهدي فستكون هذه إحدى الحجج لرفض إمامته والتمسك بحكومات الجور والعدوان واجبة السمع والطاعة وهو ما تطفح به كتبهم وأدبياتهم.
ما هو الفارق بين النواصب المعاصرين وأسلافهم العباسيين الذين انتسبوا إلى فرع هاشمي ودعوا الناس للرضا من آل محمد ثم نكثوا عهودهم وقطعوا أرحامهم وأعملوا سيوفهم في آل علي بن أبي طالب عليهم السلام والوصف لدعبل الخزاعي شاعر أهل البيت الذي قارن أفعالهم بأفعال الأمويين الذين ورثوا العداوة والبغض لأهل البيت كابرا عن كابر وصولا إلى جدهم أمية بن حرب.
لم يبق حيٌّ من الأحياء نعلمه من ذي يمان ولا بكر ولا مضر
إلا وهم شركاء في دمائهم كما تشارك أيسار على جزر
قتلا وأسرا وتخويفا ومنهبة فعل الغزاة بأرض الروم والخزر
أرى أمية معذورين إن قتلوا ولا أرى لبني العباس من عذر
قوما قتلتم على الإسلام أولهم حتى إذا استملكوا جازوا على الكفر
أبناء حرب ومروان وأسرتهم بنو معيط ولاة الحقد والوغر
أربع بطوس على قبر الزكي بها إن كنت تربع من دين على وطر
هيهات كل امرئ بما كسبت له يداه فخذ ما شئت أو فذر
التعليقات