إمكانية التقارب السعودي الإيراني.. وحدود الدور الإقليمي


على الرغم من اختلاف التوجهات السياسية، وتباعد الاستراتيجيات الإقليمية والدولية، لكن واقعياً يبدو أن حدوث التقارب السعودي الإيراني ممكناً، والأهم أن الشرق الأوسط برمته، بحاجة لمثل هذا التقارب، إذ لا نجافي الحقيقة إن قلنا، بأن طهران والرياض تقودان مشروعان إقليميان مختلفان، وبمعنى أدق، تقود السعودية وإيران حرب الشرق الأوسط الباردة، سواء في العراق أو سوريا ولبنان، وصولاً إلى اليمن، لكن لا شك بأن المشروع السعودي مرتبط بالأجندة الأمريكية، وما تريده واشنطن من تطبيق واقعي لاستراتيجيتها الإقليمية، الأمر الذي فرض على إيران، تفعيل قوتها الإقليمية في المجالات السياسية والدبلوماسية، مع إبقاء قنوات الحوار والتواصل مع السعودية، بُغية تجنيب المنطقة تحديات كبيرة
لابد من التنويه، إلى أنه منذ بدايات القرن الواحد والعشرين، لم يسيطر النزاع على العلاقات الثنائية بين طهران والرياض، إذ كانت كل منهما تسعى لبناء علاقات دبلوماسية طبيعية حتى حين كانتا تتزاحمان للاستئثار بالنفوذ في المنطقة، واليوم تعرض التوجهات السياسية امكانية إعادة تقييم السياسة الخارجية الإقليمية لكل بلد، في طرق يمكن أن تؤدي إلى استكشاف العودة إلى تلك الفترة السابقة من الهدوء بدلاَ من الصراع المفتوح. في المقابل، كثيرة هي الأسباب التي تجعل من العلاقات السعودية-الإيرانية علاقات يشوبها النزاع، خاصة أن التنافس الجيوسياسي الطبيعي في منطقة الخليج والمصالح المختلفة في أكثر من بؤرة، يضعنا أمام معطيات تهيء لعلاقة ثنائية متوترة، إلا أن مستوى التوتر هذا ارتفع وانخفض على مرّ السنين، نتيجة التضاد في التوجهات السياسية، فضلاً عن فواعل التدخل الأمريكي في المنطقة.
الماضي القريب يُشير إلى أنه ليس من المستحيل تخيل تقارب سعودي–إيراني، غير أن هذا التقارب لن يتحول إلى تحالف، إذ تتعارض مصالح الطرفين في نواح عديدة، ولا يمكن حتى أن نشهد على زواج قسري، إذ قد يتمثل التقارب ببساطة باتفاق يقضي بالتخفيف من حدة الإدانة المتبادلة والتصرف ضمن قيود ذاتية بهدف الحد من تبعات امتداد النتائج غير المباشرة للصراع المحلي المحتدم في كل من سوريا والعراق.

من الجانب الإيراني، زاد انتخاب حسن روحاني رئيساً للجمهورية بشكلٍ كبير من فرص التقارب السعودي-الإيراني. لكن نجاح إيران في ضرب التوجهات السعودية في ظلّ لعبة النفوذ الإقليمي في العراق ولبنان وفلسطين وسوريا خلال فترة أحمدي نجاد الرئاسية، صعبت على السعوديين أمر احتماله، في مقابل ذلك، فإن روحاني يمثل العودة، أو على الأقل إمكانية العودة، إلى خط السياسة الخارجية الإقليمية الذي اعتمده رفسنجاني وخاتمي والذي وضع إرساء علاقات طبيعية مع الرياض ضمن الأولويات الدبلوماسية الإيرانية، ومنذ استلامه للرئاسة وصف روحاني السعودية “بالصديقة والشقيقة”، مشدداً أن تحسين العلاقات مع دول الخليج المجاورة يأتي على رأس أولويات سياسته الخارجية. على المدى الأطول، يفتح انتخاب روحاني المجال أمام إمكانية اعتماد سياسة خارجية إيرانية أكثر تركيزاً على تنمية العلاقات مع السعودية في أكثر من مستوى.
أما على الجانب السعودي، لا تبدو التوجهات الداخلية بذلك الوضوح. لكن التغيير الواضح في ما يتعلق بالسياسة السورية يدل على أن الرياض تشعر بقلق متزايد إزاء العواقب السياسية الداخلية في السعودية، التي قد تنجم عن استمرار الصراع الإقليمي، وبذلك فإن السعودية تعمل على تغير نهجها في هذا الإطار، وتسعى بذات التوقيت إلى التقارب مع طهران، وبناء معادلة أشبه ما تكون منطلقاً لتصفية الخلافات وتبريدها، خاصة في ظل التحديات الأمنية والاقتصادية التي تؤطر المشهد الشرق أوسطي.
في المحصلة، تعتمد إمكانية التقارب السعودي-الإيراني إلى حد كبير على الإرادة السياسية عند قادة الجانبين. يبدو أن بنية السياسة الإقليمية، مع الصراعات التي تجتاح عدداً كبيراً من الدول في العالم العربي الشرقي، قد تدفع البلدين إلى البحث عن مخرجات لتلك الصراعات، فضلاً عن أن عناصر السياسة الداخلية في البلدين، تطالب بتحسين العلاقات. وبالتالي، يتطلب الأمر أن يأخذ القادة الذين لديهم السلطة واختاروا اتباع سياسة خارجية إقليمية أكثر اعتدالاً إجراءات جماعية للتغلب على هذه الخلافات، إذا قُدر أن تتوفر فرصة للتقارب السعودي-الإيراني. ثمة دلائل تشير إلى أن عناصر من كلا القيادتين يفضلون منطقة أقل تقاتلاً وعلاقة ثنائية أفضل. أما السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ما إذا كانوا يتمتّعون بالقدرة على اتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق تلك الأهداف. ولا شكّ أن الولايات المتحدة تستفيد من تقارب سعودي-إيراني، ولكن يتعين عليها أن تتعامل بخفة مع هذه المسألة.
إذ تخشى السعودية أصلاً أن تتجاهل واشنطن المصالح السعودية في ظل رغبتها بالتوصل إلى اتفاق نووي مع طهران، لكن رغم ذلك، ثمة بوادر إيجابية يمكن البناء عليها، لجهة إعادة التقارب السعودي الإيراني، في ظل وساطات روسية وعراقية وحتى صينية.