مجازر ومخططات صهيونية في مئة عام


 

تقديم

في ظل الصراع العربي- الإسرائيلي القائم، تبقى كل مدينةٍ تحكي حكايتها مع أفواجٍ من الصهاينة الذين حاولوا بشق الأنفس منذ الربع الأخير من القرن التاسع عشر حتى كانت دولة إسرائيل فيما بعد لتبدأ مرحلة جديدة من مراحل الصراع العربي- الإسرائيلي حتى اليوم، لكن قوة بأس تلك الأرض وصلابة شعبها سيحول دون ضياعها وإسقاط حروفها من أجندة التاريخ ومن الذاكرة العربية والعالمية، حتى لو أضعفتها وسائل المعرفة والبحث والتكنولوجيا الحديثة، فما هي إلّا محاولة فاشلة بائسة من آلاف المحاولات التي سعت إلى طمسها على مرّ العصور التاريخية وحتى الآن،  في الوسط من هذا الصراع العربي الصهيوني، تبقى فلسطين وعاصمتها تلك المدينة العتيقة (القدس) عاصمة فلسطين رغم أنف أعدائها.

ويذكر كاتب المقالات التي يضمها هذا الكتاب بين ثناياه، والتي بلغ عددها 35 مقال، أنه قد سبق له زيارة فلسطين لأول مرة في مايو 2014، بدعوة من وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية، ممثلًا عن مصر في مؤتمر بيت المقدس الإسلامي الدولي الخامس.

والواقع أن الدكتور محمد عبد الرحمن عريف قد حاول تجميع مجموعة من مقالاته التي نشرت في الصحافة والفضائيات العالمية، وضع لها عنوان: (مجازر ومخططات صهيونية في مئة عام)، بدأها بالكتابة عن يوم دخوله فلسطين من معبر الكرامة عبر الحدود الأردنية، وذلك في نهاية مايو 2014، ثم عن دور الصهاينة في خلع السلطان عبد الحميد الثاني سنة 1908، بسبب موقفه من توطين اليهود في فلسطين منذ أن اعتلى عرش الدولة العثمانية سنة 1876، وكيف كانت فلسطين ضحية لمؤامرات الدول الاستعمارية والمتمثلة في: (بروتوكول دمشق 1914) وسايكس بيكو ووعد بالفور المشؤوم، كذلك ففلسطين لمئة عام وعامين بين سايكس بيكو "قضية قرن" إلى "صَفقَة قرن"، ولمئة عام وعام.. القدس بين بلفور وترامب، وكذلك عرض الكاتب من خلال بعض مقالاته للمذكرات السياسية، منها مذكرات حاييم وايزمان، وحرب 1973 في وثائق القيادة السياسية الإسرائيلية، ومذكرات الفريق سعد الدين الشاذلي عن حرب أكتوبر 1973، هذا بالإضافة إلى أن تلك المقالات قد تضمنت قراءة في أفكار رابين وبيرس ونتنياهو. وأوصى الدكتور محمد عريف في مقالة منفردة بضرورة توثيق الروايات الشفوية في التأريخ لنكبة فلسطين. وعرض كذلك للعديد من المجازر، منها مجزرة باب العمود، ذكرى النكبة، مذبحة دير ياسين بشهادات مرتكبيها، ومذبحة حيفا وقلقيلية وبحر البقر وصبرا وشاتيلا، حتى وصل كاتب هذه المقالات إلى قتل فادي البطش ومحمد الزواري. بين نهاية 2016 و2018.

والقارئ لتلك المقالات يلاحظ أن كاتبها حاول عمل سرد بأسلوب مشوق بلغة الحوار ودقة المعاني والقدرة على التصوير الايحائي المفعل لعقل المتلقي ليتفاعل مع الصورة والحدث تفاعلًا إيجابيًا، مستخدم أسلوب الكتابة الإبداعية التي تعتمد على قوة الخيال والتحكم معتمد على إثارة العاطفة والقدرة على توجيه ذهن المتصفح لمقالات هذا الكتاب داخل الصورة إلى درجة تحريك مشاعره. وذلك من خلال عرضه لها ببساطة الحوار، والتسلسل الزمني بحرفية، متضمنًا تعبيرات، وذلك يرجع إلى امتلاكه الحس الفني بالكتابة وسلامة الصياغة.

وفي تقديرنا أن هذا الأسلوب الذي استخدمه الدكتور محمد عريف، تميز بخلق قالب عام يُسكب فيه الموضوع الأدبي الخاص، يحتاج لإلمام بأسلوب التنقل بين صورة وصورة، وبين فكرة وأخرى، وترابط الصور والأحداث ببعضها لتكون في النهاية ذلك العمل الذي بين أيديكم، حيث تبدو القدرة على المحاكاة وعرض الأحداث والصور يتضح فيه تمكنه من التعبير في كتابة التاريخ الممتزج بالأدب، مما يدل على امتلاك ناصية اللغة والقدرة على التعبير والإبداع معاً، وامتلاك عنصر التشويق، من خلال لغة متمكن منها جيدًا، وامتلاك صيغ مختلفة، ومصطلحات متعددة تعبر عن ذات المعنى الواحد، مع الاستعانة بالمخزون اللغوي لديه، وهو من أهم مكونات امتلاك القدرة على الكتابة الجيدة والمحكمة. ويتضح ذلك من خلال استعانته بأبيات شعرية للفلسطيني المبدع (محمود درويش)، والأخوين رحباني، مع ضرورة الإشارة إلى أن هذا الكاتب قد جاء بها في عناوين المقالات في مواقع عدة، وفي بعض الأحيان ختم بها المقال. بحيث أن استخدامه لها لم يخل بالمعنى الذي يهدف إليه من وراء الأتيان بها، وهنا يمكن القول بأنه جاء بمؤثرات وجدانية،  واستخدمها بشكل صحيح، وتحليل الأحداث وربطها ببعضها البعض.

يبقى نشير إلى أنه سبق اللقاء مع الكاتب لأول مرة في جامعة قناة السويس، حينما اشترك في مؤتمر دولي عن دور علماء المسلمين عبر التاريخ، وشرفت برئاسة جلسة كان فيها متحدثًا، وبعد ذلك كان اللقاء في المحافل الدولية في الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، ومؤتمرات في السعودية، بالإضافة إلى أننا تعاونا في كتاب: معالم من سياسة السعودية الخارجية (1925 : 1953)، وذلك بالاشتراك مع الكاتب الثالث الدكتور صالح محروس محمد،.

في النهاية أرجو أن يستمتع القارئ بما تضمنه هذا الكتاب من مقالات تاريخية أدبية، راجية من الله العلي القدير التوفيق للكاتب مع التمنيات بالمزيد من الأعمال العلمية النافعة.

وما توفيقي إلا بالله

سعيدة محمد حسني

أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر

بكلية الآداب والعلوم الانسانية

جامعة قناة السويس- مصر