مشروعية قرارات مجلس الأمن الدولي وفق الفصل السابع


مقدمة

يعد مجلس الأمن الدولي أهم أجهزة منظمة هيئة الأمم المتحدة على الإطلاق، وأوسعها صلاحية وأخطرها تأثيرا نتيجة السلطات التي خص بها .

 وإذا كانت سلطة المجلس في تسوية النزاعات الدولية بشكل سلمي تأخذ طابع العمل التوثيقي، فإن ذلك يختلف عن السلطة الممنوحة له وفقا لأحكام الفصل السابع لا سيما المادتين 41 و 42، والتي تخوله  اتخاذ كافة التدابير الزجرية وصولا إلى استخدام القوة العسكرية وتنفيذ القرارات الصادرة عنه. فضلا عن سلطته التقديرية الواسعة في تحديد الأعمال التي تشكل خطرا على الأمن والسلام العالميين .

 إن أهمية هذا الدور الذي يقوم به مجلس الأمن، وتأثيره على الدول يوجب البحث بالشروط الواجب عليه مراعاتها والضوابط التي يتوجب عليه التقيد بها، والبحث بالأساس القانوني الذي يستند إليه في قراراته كي تتسم بالمشروعية، كي تكون محل احترام والتزام وتنفيذ من قبل الدول .

 ولا شك أن مجلس الأمن الدولي قد مر في مرحلة  كمون في الفترة السابقة لحرب الخليج الثانية، إذ لم يقم بإصدار أي قرار وفقا لأحكام الفصل السابع منذ نشأة المنظمة وحتى عام 1990م إلا مرة واحدة في الحرب الكورية عام 1950-1953. غير أن الغزو العراقي للكويت قد أخرج المجلس من سباته وبدأت تتوالى القرارات الصادرة عنه وفقا لأحكام هذا الفصل وهذا يندرج على وقائع أخرى (كأزمة الصومال – وأزمة كوسوفا – والنزاع الليبي الغربي – ومحاولات لاستصداره حول سورية ). لكن هذا الحراك والنشاط لا تعود أسبابه إلى حرب الخليج فقط ومصالح أمريكا المهددة، وإنما تعود إلى  سبب آخر هو تزامنها مع تفكك الإتحاد السوفيتي، الأمر الذي نتج عنه إنتهاء الحرب الباردة.

 ذلك أن وجود القوة ثنائية القطب كان يشكل حالة  توازن داخل عمل المجلس، مما أدى إلى كثرة استخدام حق النقض "الفيتو" و لم تكن تصدر القرارات ما دامت صياغتها القانونية غير مقبولة من جميع الأطراف، ولا تلبي مصالحها .

 وهذا الأمر يفسر عدم إثارة موضوع "مشروعية قرارات مجلس الأمن" في تلك الحقبة .

 أما بعد عام 1990م فقد أصبحت الولايات المتحدة القوة العظمى التي تتحكم بكل شيء بما في ذلك القرارات التي تصدر عن مجلس الأمن، ذلك أن حالة التوازن قد انتهت وبدأت معها مرحلة "الإمبراطورية الأمريكية الجديدة" القوة أحادية القطب .

 هذا الأمر أثر على كيفية اتخاذ القرار وأصبح الكثير منها يصدر بضغط من الولايات المتحدة الأمريكية ووفقا لمصالحها .

 لقد استخدمت الولايات المتحدة مجلس الأمن بطريقة تساعدها على تحقيق مآربها تحت مسمى الشرعية الدولية أحياناً وبدونها أحياناً أخرى .

 وجُلّ ما يهمنا في هذا البحث هو تسليط الضوء على مشروعية قرارات مجلس الأمن الدولي وفق الفصل السابع في منظمة هيئة الأمم المتحدة وكيفية عملها، وتأثير التوازن الدولي في اتخاذ قراراتها المختلفة، وتقديم فكرة مبسطة عن المنظمة بشكل عام وبنية مجلس الأمن وسلطاته، وكيفية عمله، وقواعد التصويت فيه، وطبيعة القرارات التي يصدرها وصولا إلى شروط مشروعية هذه القرارات وضوابطها، والجهات التي يمكنها أن تقوم بدور رقابي على أعماله، سواء أكانت رقابة سياسية تقوم بها الجمعية العامة، أو رقابة قضائية تقوم بها محكمة العدل الدولية .

 وبغية توضيح الدراسة النظرية قمنا بالتعرض لدراسة عدد من القرارات التي أصدرها مجلس الأمن وفق أحكام الفصل السابع في أزمات شتى، مثل أزمة الصومال، أزمة كوسوفا، والقرارات المتعلقة بحماية الأكراد في العراق، والقرارات المتعلقة بحادثة لوكربي، وصولا إلى قراراته السابقة للعدوان الأنجلو-الأمريكي على العراق واللاحقة له.

 

إشكاليات البحث وفرضياته:

وتتمثل مشكلة البحث في عدة مستويات. المستوى الأول خصوصية مجلس الأمن الدولي كمرجعية دولية في حل النزاعات، والمستوى الثاني تشابك القوى الدولية وإختلاف مصالحها وأهدافها وبهذا تثار عدة تساؤلات حول :

  • هل القرارات الصادرة عن مجلس الأمن وفق الفصل السابع تتفق وميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي ؟
  • ما هي العوامل والأسباب التي أضعفت عمل أجهزة الأمم المتحدة في صدارتها مجلس الأمن عن أداء دوره المنوط به بما يحقق مبدأ حفظ السلم والأمن الدوليين ؟
  • كيف أثر اللجوء الى استخدام القوة والتفرد في قرارات الحرب  خارج التخويل الصريح وبعيدا عن تفويض مجلس الأمن على أداء منظمة هيئة الأمم المتحدة وصدور قرارات لا تحمل طابع المشروعية القانونية ؟ 

 

أهمية البحث:

بالنظر إلى ما تثيره الموضوعات السابقة من جدل حول ازدواجية تعامل مجلس الأمن مع القضايا الدولية، وما يصدره من قرارات إستنادا إلى الفصل السابع من الميثاق، فقد أردنا من خلال هذا البحث القانوني إعطاء فكرة واضحة عن قواعد المشروعية الدولية التي يتوجب على مجلس الأمن إتباعها عند إصداره للقرارات المتعلقة بحفظ السلم والأمن الدوليين معتمدين على ما أورده أساتذة القانون الدولي والفقهاء وقضاة محكمة العدل الدولية في هذا المقام، بالإضافة إلى  ذلك تكمن أهمية البحث من كونه فكرة جديدة ومعاصرة، لم يتم التطرق لها بشكل موسع مع حرصنا على إعطاء الصورة الكاملة لكل فصول ومحاور البحث ومعالجة العديد من التساؤلات التي تندرج تحت الإشكالية الرئيسية للبحث والمتمثلة بالسؤال عن مدى مشروعية القرارات الصادرة عن مجلس الأمن وفق أحكام الفصل السابع.  

 

منهجية البحث:

نظرا لأهمية البحث وموضوعه تم الاعتماد على أكثر من منهجية بحثية مستخدمين المنهج الوصفي التحليلي والمنهج التاريخي والمقارن لقرارات مجلس الأمن الصادرة وفق الفصل السابع التي ثارت شكوكا حول مشروعيتها وصولا إلى المنهج الاستشرافي بناء على النتائج التي تم الوصول إليها من واقع نماذج تطبيقية لعدد من قرارات مجلس الأمن وفق الفصل السابع، وقد تم استخدام هذه المناهج العلمية للإجابة على التساؤلات في إطار مشكلة البحث .

 

النطاق الزمني للبحث :

يمتد منذ تأسيس المنظمة في عام 1945 وحتى الآن –  بإعطاء بعض النماذج وليس جميعها .

الدراسات السابقة :

  • عدم وجود دراسات في المكتبات العربية ومنها السورية ذات صلة بالموضوع الذي تناوله هذا البحث وإن وجد ما يدور في فلكه فيبقى غير كافيا .
  • اعتمد الباحث على مراجع متعددة ومتنوعة كالدراسات والابحاث والصحف والمقالات والكتب بتصنيفاتها  السياسية والقانونية .

تقسيم البحث :

من أجل الوصول بالمعلومات بشكل متدرج فقد تم تقسيم هذا البحث إلى أربعة فصول هي :

الفصل التمهيدي: مجلس الأمن في إطار منظمة الأمم المتحدة (نشأة الأمم المتحدة)

الفصل الأول: مجلس الأمن واختصاصاته .

الفصل الثاني: مشروعية قرارات مجلس الأمن .

الفصل الثالث: دراسة تطبيقية لعدد من قرارات مجلس الأمن وفق أحكام الفصل السابع .

الخاتمــــــــــة