رشحات من

ظاهرة اجتماعية دينية جديدة


   من الرشحات الفرعية الطريفة ذات الوقع النفسي المؤثر، والتي لاحظتها في تعليقات الفيسبوك ووسائل التواصل الاجتماعي مؤخراً، إن بعض المدونين الملتزمين الذين يتلقون تعليقات هجومية وعدائية من خصومهم الناقمين، سواء الطائفيين أو العلمانيين أو ألمجندين؛ يكتفون في ردهم على هؤلاء بعبارة: "سلام فرمانده"، يرافقها ايموجي مبتسم، رغم أن موضوعات التعليقات بعيدة تماماً عن الأنشودة وموضوعها.

   والأكثر منها طرافة ووقعاً وتأثيراً، هو ما كتبه كاتب ملتزم معروف، رداً على طائفي مهاجم؛ حيث اكتفى بآية تتبعها العبارة نفسها: (( وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا...)) سلام فرماندة، رغم أن موضوع الهجوم لاعلاقة له بالأنشودة. وقد مثًل هذا الرد إبداعاً ذا قيمة ثقافية وتبليغية وبلاغية وسياسية في وقت واحد؛ إذ وظًف الكاتب عبارة "سلام فرماندة"، بعد أن استشهد بالآية القرآنية (وضعها بين أقواس لكي لاتكون العبارة ضمن الآية)؛ ليحقق دفعين أو ردين مهاجمين في سياق واحد، وهو لون من الإفحام الصامت بسلاح غير مكلف، والطريف في الوقت نفسه.

   وفي حفل عرس في اسطنبول (التركية)، لزوجين علويين؛ طرب الحضور ورقصوا على الأنشودة، وكلما وصلت الأنشودة الى عبارة "سلام فرمانده"، كان الزوجان وكل الحضور يؤدون التحية العسكرية، في مشهد يعبر عن استعادة الانتماء والهوية.. شبه المستلبين، عند هذه الفئة من أتباع أهل البيت. 

  كما انتشرت مقاطع فيديو كثيرة جداً على اليوتيوب، من أكثر من بلد، يظهر فيها شباب وشابات، داخل السيارات وفي المنتزهات والصالات الرياضية والمقاهي والشوارع، وتبدو عليهم مظاهر عدم الالتزام الديني، وهم يتغنون بالأنشودة، بنشوةِ انتصارٍ غريبة، تعبّر عن ترسخ الهوية في العقل الباطن من جهة، ولكن يصاحبها أداء متعارض مع المظهر الديني من جهة أخرى، وهو ما يشبه التزامهم بممارسة طقوس العزاء الدينية المذهبية، بكل إيمان وإخلاص، رغم كونهم غير ملتزمين بمظاهر التدين.

   وليس موضوعنا هنا تحليل عناصر نجاح الأنشودة، فنياً وإعلامياً، بل تحليل حضورها الاجتماعي وفق قواعد علم الاجتماع (الديني والثقافي والسياسي)، وكذا الفيزياء الاجتماعية؛ فمن خلالها نجد أن "سلام فرمانده" بدأت حالة عفوية فردية دينية، لكنها استحالت رمزية محورية مظهرية لظاهرةً اجتماعيةً دينيةً ثقافية سياسيةً، نوعية وكمية، محركةً بقوة للأنا، من أجل تمثل الهوية والانتماء بكل تفاصيلهما، والتعبير عن ذلك بسلام ومودة للآخر، أياً كان شكل ومضمون هذا الآخر، أي أنها تحولت تلقائياً من نقطة استذكار دفاعي خاص، الى كتلة استقبالية مهاجمة عامة. 

   وقد ساعد في حدوث هذه التحولات الدراماتيكية؛ المعركة الكبيرة التي خاضتها وسائل إعلام الدول الغربية والطائفية، وكذا التيارات الطائفية والعلمانية والمجندة ضد الأنشودة، بالحجم والنوع اللذين لم يتعرض لهما أي عمل فني ديني شيعي من قبل، ربما باستثناء مسلسل المختار، الذي سبق أن تحول هو الآخر، من عمل فني درامي، الى ظاهرة اجتماعية دينية ثقافية سياسية، وهو ما جعل الجمهور يشعر أن عقيدته ووجوده واجتماعه الديني هو الذي يتعرض للحرب، وليس مجرد تسفيه وشيطنة عمل فني؛ فجاءت ردود الأفعال على شكل هبات مرتدة تكرس حضور الأنشودة في الوجدان الاجتماعي الديني.