دمشق بوابة التحالفات الجديدة
كثيرة هي المعطيات التي وسمت المشهد السوري مؤخراً، إذ بات واضحاً من خلال جُملة من المشاهد السياسية والعسكرية، أن هناك قرار إقليمي ودولي بإعادة التنسيق مع دمشق، لضبط ما يُمكن تسميته، بايقاع التحالفات والاصطفافات الجديدة، فالقرار وإن كان مضمونه أمريكي، إلا أن عنوانه الرئيس دمشق المقاومة، التي افتتحت انتصارتها السياسية والعسكرية، بوقائع لا يُمكن لأي لاعب إقليمي أو دولي، أن يتجاهلها، فالترجمة الحقيقية لانتصار دمشق، تمثلت بمشاهدة ثلاث، أولها زيارة الوفد اللبناني إلى دمشق، وثانيها استعادة مدينة درعا بالكامل، وثالثها اللقاء الرباعي في الأردن، والذي ضم وزراء الطاقة في كل من مصر ولبنان والأردن وسوريا، والذي ما كان ليتم، لولا موافقة سوريا على تمرير الغاز من الاردن عبر أراضيها إلى لبنان.
في المشاهد السابقة، ثمة مفتاح ذهبي بيد دمشق، وهنا لا ينبغي أن تكون مقاربة تلك المعطيات والوقائع، وفق آلية سياسية عنوانها أن الإدارة الأمريكية وافقت على إعادة التنسيق الإقليمي مع دمشق، بل الصحيح أن دمشق هي من فرضت بقوة استراتيجيتها، تلك المشاهد، بل وأجبرت الأمريكي على الرضوخ، والسماح لادواته في المنطقة، بالعودة إلى دمشق، فلا تحالف إقليمي جديد، أو اصطفاف سياسي جديد، إلا ودمشق عنوانه الابرز.
في عمق المعطيات والتطورات الأخيرة، هناك معادلة أحد أقطابها الجغرافية السورية الحاكمة والصاغطة على دول الإقليم، والآخر الصبر الاستراتيجي لدمشق، مدعوماً بروسيا وإيران، في هذا الإطار، لابد من القول، بأن دمشق وعلى الرغم من الضغط الاقتصادي الذي تعيشه، لكن هناك أوراق قوة تُستثمر لحلحة الواقع الاقتصادي الضاغط على سوريا والسوريين، ومن باب أخر، ثمة جوانب يجب مقاربتها من بوابة الانتصار العسكري لدمشق، والذي سيُترجم حُكماً نجاحات سياسية لها منعكسات إقليمية ودولية.
في الشأن السياسي، كان لدمشق نصيب الأسد في التوازنات الجديدة، كما أن دمشق وبموقعها الجيو سياسي، شكلت عامل ربط إقليمي، سيؤسس حُكماً لمشاهدة سياسية واقتصادية جديدة، لا سيما أن زيارة الوفد اللبناني، لمناقشة سبل إيصال الغاز والكهرباء إلى لبنان، لم يكن مكرمة أمريكية تُمنن بها دمشق، بل على العكس، فدمشق والمقاومة في لبنان هما من فرضتا على الأمريكي إتباع مقاربات جديدة، وضمن ذلك، تابعت دمشق مسارها بقوة استراتيجية، لتنتقل بعدها إلى الأردن لمتابعة التنسيق، ضمن اجتماع هو الأول من نوعه، بعد عقد من بداية الحرب على سوريا، كل ذلك وضع جميع اللاعبين الإقليميين والدوليين، أمام مشهد دمشقي جديد، عنوانه الابرز هنا دمشق، وهنا سقط الأمريكي ومشروعه.
عسكرياً ،نجحت دمشق وبوساطة روسية، من استعادة درعا كاملةً، في هذا المشهد، بدا واضحاً حجم الارتباك الإقليمي والدولي، فالداعم الأساس للفصائل المسلحة في درعا، أُجبر وبنبران السياسة السورية، على الإبتعاد عن جنوب سوريا، وترك أدواته يواجهون دمشق وحلفاؤها، ومن ضمن جزئيات مشهد الجنوب السوري، هناك استراتيجية برعت دمشق في هندستها، تمثلت بسياسة النفس الطويل، والتي تكللت بنجاح أبهر نوره أبصار واشنطن وأدواتها في المنطقة، وبالتالي لم يعد أمام الجميع، إلا الانخراط في المشهد السوري، والموافقة على طرق أبواب دمشق مجدداً، وعليه عادت درعا إلى الحضن السوري، ورضوخ إقليمي ودولي واضح تُجاه دمشق.
في جانب موازٍ، لا يمكن اغفال انتصار دمشق في درعا إطلاقاً، خاصة أنه من الطبيعي والمنطقي، أن تُعمم استراتيجية دمشق في درعا، على إدلب وشرق الفرات، وهنا لن نضع توقيت زمني محدد، ولا يُمكن أن نتجاهل حجم التحديات في شمال شرق سوريا، لكن ما يُمكن قوله، بأن دمشق وحلفاؤها، باتت لديهم جُملة لا متناهية من أوراق القوة، وبكل تأكيد سيتم زجها واستثمارها، في ملفي إدلب وشرق الفرات عطفاً على إعادة الحياة إلى المسار السياسي واللجنة الدستورية، ولعل زيارة المبعوث الأممي إلى دمشق غير بيدرسون، تُعطينا عنوانًا جديداً وقوياً، فرضتها دمشق مجدداً.
باختصار، طريق دمشق وابوابها فُتحت مُجدداً، بقوة السياسة السورية، وباتت دمشق العنوان الابرز في مروحة التحالفات الجديدة، وعلى جميع القوى الإقليمية والدولية، استثمار هذا الافتتاح، وبذلك، فإن سوريا لا تزال الرقم الصعب في أي توازن، وأي تحالف، وأي اصطفاف على مستوى الشرق الأوسط والعالم.
Your Comment