بينيت يهرب إلى سوريا
بعد نشر تقارير في العديد من المواقع والصحف الإسرائيلية، والتي تقول أن روسيا تعمل على سحب جزء من قواتها العاملة في سوريا، لتُشاركها في العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وبأن قوات من حزب الله اللبناني، ومن الحرس الثوري الإيراني، ستقوم بملأ الفراغ الذي ستتركه القوات الروسية.
كان واضحاً بعد هذه البروباغندا الإعلامية أن الحكومة الإسرائيلية الحالية، ولأسباب داخلية أولا،ً تخترع ذرائع جديدة لتوسيع هجماتها الجوية على سوريا، سواء كان هذا التوسيع جغرافياً، بحيث يشمل مناطق جديدة، أو كان عن طريق زيادة عدد الطائرات المُغيرة، وبالتالي زيادة عدد الصواريخ التي يصعب على وسائط الدفاع الجوي السورية منعها جميعاً من الوصول إلى أهدافها، وهذا ما حصل في الإعتداء الأخير على منطقة مصياف، ويأتي كل ذلك من أجل رفع المنسوب الشعبي المتدني للحكومة الإسرائيلية، هذا المنسوب الذي أصبح يُشكّل خطراً على الأحزاب المشاركة فيها، وكأنها بتوسيع إعتداءاتها تحاول كسب الشارع الإسرائيلي في انتخابات قد تكون أقرب مما توقعت هذه الحكومة، ولكن هذه الخطوة قد تأتي بمفعول عكسي، لأن حال الرد السوري لن يبقى كما هو الآن، وقد بدأ يتغير بدليل إطلاق صاروخ دفاع جوي من طراز S300 على الطائرات الإسرائيلية المُغيرة، وهذا بحسب اعتراف وسائل إعلام إسرائيلية، وقد يكون هذا الصاروخ هو مقدمة لتغيير نمط الرد السوري الذي سيضع قواعد اشتباك جديدة ومُكلفة للإسرائيلي.
يبدو جلياً أن حكومة نفتالي بينيت تعتمد نفس الأسلوب الذي كانت تعتمده حكومات بنيامين نتنياهو المتعاقبة، وهو أسلوب تصدير الأزمات الداخلية إلى الخارج، مع فارق هو أن الحكومة الحالية لا تواجهها أزمة واحدة، بل عدة أزمات داخلية.
• يأتي في مقدمة هذه الأزمات تزايد الخسائر الإسرائيلية البشرية الأخيرة، التي كبدها إياها المقاومون الفلسطينيون، وتتفاقم هذه الأزمة مع عجز الجيش وقوات الأمن الإسرائيلية عن إيقاف العمليات الفدائية هذه، بل وعجزهما عن اقتحام مخيم جنين الفلسطيني، كذلك عدم قدرة هذه الحكومة على توسيع عدوانها على بقية الأراضي الفلسطينية بسبب جهوزية فصائل المقاومة للرد على أي تمادٍ إسرائيلي مُحتمل.
• الأزمة الثانية، هي أن هذه الحكومة الضعيفة أساساً، بسبب الفارق البسيط بين الأصوات المؤيدة والمعارضة لها في الكنيست، ويأتي انسحاب النائبة اليمينية عيديت سليمان من الائتلاف الحاكم ليزيد هذه الحكومة ضعفاً، حيث يتعادل بذلك المؤيدون والمعارضون، ولتصبح حكومة بينيت في مهب الريح.
• الأزمة الثالثة، هي علاقتها المتوترة مع روسيا وعدم قدرتها على تجنب تبعات العملية الروسية في أوكرانيا، فقطعت الخيط الروسي الإسرائيلي المرن الذي سار عليه نتنياهو بنجاح لسنوات طويلة، ولم تستطع اعتماد موقفاً محايداً من هذه العملية، وهذا ما استدعى ردود فعل روسية حادة كان أهمها الرأي الروسي الذي أتى بشكل علني على لسان وزير الخارجية سيرجي لافروف، بخصوص الجذور اليهودية للزعيم الألماني النازي أدولف هتلر، ومن المعروف أن هذا التصريح قد أثار نقمة إسرائيلية وصهيونية عارمة، كونه يفضح ما حاولت الحركة الصهيونية إخفاءه، بل وتزوير وقائع ما يسمى "الهولوكوست"، وتحميل ألمانيا النازية بقيادة هتلر وزر هذه المحرقة المزعومة بحق اليهود خلال الحرب العالمية الثانية.
وبطبيعة الحال، فالرأي الروسي في ما يخص الحركة الصهيونية ليس وليد هذه الأيام بل يمتد لعشرات العقود، لكن الحركة الصهيونية أخفته ومنعته من التداول والإنتشار، وكثيرة هي الحوادث التي تدل على ذلك ولعل أبرزها الحدث الذي أخفته الحركة من ملفاتها وذلك في عشرينات القرن الماضي، حين قامت غولدا مائير الناشطة الصهيونية آنذاك، ورئيسة وزراء إسرائيل في وقت لاحق، بزيارة للإتحاد السوفييتي وطلبت لقاء الرئيس الأسبق جوزيف ستالين، وذلك لكي تحظى بدعم سوفييتي لقيام دولة إسرائيلية على الأرض الفلسطينية، ولكن ستالين رفض مقابلتها وأحال المقابلة لعضو القيادة السوفييتية ليون تروتسكي، والذي كان رده صادماً حين صرخ في وجه مائير قائلاً لها أن الصهيونية حركة عنصرية استعمارية، وقام بطردها من مكتبه.
ختاماً، وفي سياق أسلوب الخداع الذي يتّبعه بينيت مع الإسرائيليين، فهناك مقولة للرئيس الأميركي الأسبق إبراهام لينكون الذي حكم الولايات المتحدة لفترة قصيرة 1861-1865م، ويقال أنه كان من أنجح الرؤوساء الأميركيين، حيث يقول "تستطيع أن تخدع كل الناس بعض الوقت، وبعض الناس كل الوقت، لكنك لن تستطيع خداع الناس كل الوقت" هذه المقولة عمرها مئات السنين ولكنها تصلح ليعمل بها بينيت، وهناك تجربة ما تزال حيّة أمامه وأمام الإسرائيليين جميعاً، وهي طريقة نتنياهو في تصدير الأزمات وفي الهروب إلى الأمام، فلو استطاع نتنياهو خداع كل الإسرائيليين بأنه يحميهم إنطلاقاً من سوريا لما فشل لمرات عديدة في تأمين نصاب يسمح له بتشكيل الحكومة، ولكن على ما يبدو أن "إسرائيل" أصبحت كياناً يفتقر إلى زعامات قوية تقوده، وخاصّة في هذه الأوقات المصيرية بالنسبة لهذا الكيان، فكل القادة الإسرائيليين الحاليين ينجحون في تقليد إخفاقات أسلافهم، بينما يفشلون في قيادة كيانهم.
Your Comment