فكرة خلّاقة بدلا من لعن العتمة
يتوّزع التأثير الإعلامي ومعدّل الاستقطاب بين مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام الإلكتروني، الذي باتت منصاته وبواباته ومواقعه ممرا تقنيا لمتابعة الصحف اليومية وأخبارها ومقالاتها، ولمواكبة البث الإذاعي والتلفزيوني المحلي والعربي أو العالمي، سواء بما تحتويه الحقائب والنشرات الإخبارية أو المقابلات والحوارات السياسية والثقافية والفنية والاقتصادية وغيرها.
ينمو ويتوسّع الميدان الإعلامي الجديد في لبنان بموازاة تحجّر التشريعات والتنظيمات الإدارية. ومع حرص النظام السياسي على إحكام شبقه السلطوي، المبني على مصالح مالية وسياسية، والمدفوع بنزق نافر منفّر ضدّ حرية النقد والاعتراض، رغم تَستُّر بعض النخب الحاكمة وشرائحها الشبقة للمغانم بحرية التعبير. ففي الكثير مما تحرّكه من خطب الفتنة والتحريض، وتسخّر له المرتزقة و"السحيجة" والمأجورين، الذين تضجّ موجات الأثير، والشاشات، ومنصات الإعلام الجديد، وسائر أدوات التعبير بكذبهم ودجلهم وسموم تحريضهم.
أولا: ما نشهده اعلاميا لا ينفصل عمّا تعيشه البلاد اقتصاديا واجتماعيا في زمن الانهيار، وهو امتداد لما تراكم في مختلف القطاعات والمهن من نتائج الركود والانهيار وحالات الخراب والتعفن. ومما لا شكّ فيه، أن من أبرز نتائج الانهيار الاقتصادي والمالي خفض الكلفة الفعلية للتمويل السياسي، بحيث بات ممكنا، نتيجة الشحّ والضيق، شراء مساحات ظهور وتعبير، وتسخير أقلام وأصوات ووجوه بالقليل القليل من الموازنات العملاقة، التي اعتادت رصدها للبنان ومنصاته الإعلامية ذائعة الصيت قوى عربية ودولية، صرفت المليارات لشراء مساحات حضور وتأثير في الإعلام اللبناني المقروء والمرئي والمسموع والإلكتروني، بما يتخطّى وظيفته المحلية إلى انتشاره العربي والعالمي.
وكان يمكن لتلك الجاذبية المهنية التحوّل إلى قيمة وطنية مضافة، تعمّ فائدتها القطاع الإعلامي والاقتصاد الوطني برمّته، بوضع الخطط والمحفزات القابلة لتنمية عائدات الإنتاج والبثّ، واستثمار المزايا التفاضلية اللبنانية، وتطويرها، وتسويقها عربيا، وجذب الاستثمارات العملاقة المناسبة لتنمية صناعة ذكية عالية المردود ماديا ومعنويا، لكن للأسف حُصر استثمارها في دوائر التنفّع والارتهان، ومنصات الترويج والتشهير المجنّدة بالمال وبالتحريك المخابراتي على حساب المصلحة الوطنية كالعادة.
ثانيا: رغم قتامة الظروف الناشئة عن الانهيار الاقتصادي والمالي، لكن في بيئتنا الاستثمارية المتحوّلة فيضا من المزايا الجاذبة، التي تدعو إلى اعتبار ما نحن عليه فرصة نادرة لتعظيم الاقتصاد الجديد، وتطوير فرص الاستثمار فيه، انطلاقا من رأسمال لبناني متميز، هو جيش الخبراء والمبدعين الشباب في قطاعات التكنولوجية الجديدة. ولهذا أبادر إلى الدعوة مجددا لمناقشة عامة مستعجلة حول مجالات الاقتصاد الجديد، التي يمكن تأسيسها وتطويرها في لبنان، بعيدا عن عادات وتقاليد التنفّع الإرتزاقي والارتهان للخارج. وعلينا الانتباه إلى أن ما تمتلكه بلادنا من قوة بشرية منتجة مميزة في هذه المجالات، هو أهمّ رأسمال مطلوب للاستثمار، ويُفترض بالنخب السياسية أن تلقي بثقلها لتفرض تكييف التشريعات والقوانين، واستحداث ما ينبغي لخلق بيئة استثمارية مناسبة، يمكن أن تجعل لبنان منصة مزدهرة للاقتصاد الجديد في الوطن العربي والشرق، بفضل المزايا النوعية لقوتنا الفتية الشابّة المتعلّمة من المهندسين والخبراء، التي تضمّ عشرات آلاف الرجل والنساء في الوطن والمغتربات، تتسابق إليهم جميع الشركات العملاقة في العالم والمنطقة في مجالات المعلوماتية والتسويق الإلكتروني، وهذا مجال يمثّل العنصرُ الإنساني والكادر المؤهّل علميا وتقنيا رأسماله الرئيس وقوته الدافعة، وهو يختلف عن غيره من القطاعات، التي تستدعي عملية تأسيسها وتوسيعها رساميل ضخمة.
ثالثا: من موقعي في المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع، أحضّر اقتراحا لفكرة مشورة وطنية واسعة، يساهم فيها القطاع الإعلامي المرئي والمسموع والإلكتروني في لبنان، وندعو إليه النخب اللبنانية من الخبراء والمبدعين في هذه المجالات خارج الوطن. وأعتقد اننا قادرون بالابتكار وبالتصميم، وبالقليل من الخيال الابداعي على بلورة أجندة وطنية، يمكن أن ننقلها إلى الواقع بكل مستويات التحرّك والمبادرة الممكنة لتحريك نهضة جبارة في قطاعات الاقتصاد الجديد، ينعم بها بلدنا، وتتوافر عبرها ظروف أفضل لأجيالنا الشابّة الطموحة، بدلا من التحلّل والاهتراء في مستنقعات العجز والمعاناة. فالقعود موت والحركة قوة دفع وحياة، اذا توافرت الإرادة وعقلية الابتكار العلمي. وأعد زملائي الإعلاميين بأن أحوّل هذه الفكرة إلى مشروع مبادرة، سيتابعون قريبا بوادر مناقشتها ومتابعتها في مجلسنا الوطني للإعلام المرئي والمسموع، وستكون لنا متابعات ومناقشات في فصولها اللاحقة بعد انطلاقها.
ما طرحته ليس خاطرة للاستهلاك، بل هو نواة مبادرة ستنمو، وسيتابع الجسم الإعلامي فصولها القادمة، آملا أن تلقى التعاون والمؤازرة.
Your Comment