أمريكا التي لم تعد قوة عظمى… ماذا بعد؟!


لا تنهار الإمبراطوريات الكبرى دفعة واحدة أو خلال بضعة أعوام حيث يتطلب الأمر المرور بعدة مراحل قبل أن تذعن للأمر الواقع وتقبل بقدرها المكتوب لأن المكتوب على الجبين لا بد أن تراه العين!!.

مؤخرا اعتبر وزير الدفاع البريطاني، بن والاس، أنه لم يعد من الممكن اعتبار الولايات المتحدة قوة عظمى، قائلا: ” القوة العظمى غير المستعدة للالتزام بشيء ما قد لا تكون على الأرجح قوة عظمى”.

وعندما سئل عما إذا كان الخروج من أفغانستان أظهر حدود القوة البريطانية على المسرح العالمي، قال والاس: “من الواضح أن بريطانيا ليست قوة عظمى.. لكن القوة العظمى التي هي أيضا غير مستعدة للالتزام بشيء ما قد لا تكون على الأرجح قوة عظمى أيضا” في إشارة بحسب المقربين منه إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

وأضاف: “إنها بالتأكيد ليست قوة عالمية، إنها مجرد قوة كبيرة”.

انتهت الهيمنة الغربية في ثوبها الأوروبي مع نهاية الحرب العالمية الثانية ولكن البديل الأمريكي كان جاهزا حيث انضوت هذه الدول تحت جناح حلف شمال الأطلنطي بقيادة أمريكا مما ضمن لهؤلاء دورا وحصة من الثروة العالمية ثم تطور الأمر لتشكيل الاتحاد الأوروبي الذي أمل البعض منه إعادة إحياء الإمبراطورية الرومانية المقدسة ولكن هيهات هيهات.

المعنى أن انهيار أهم أقطاب الاستكبار العالمي لا يعني أن يتفرغ هؤلاء للعبادة أو أن يقدموا اعتذارا عما اقترفته أيديهم من جرائم حيث سيعملون بكل ما لديهم من خبث ودهاء وخبرات إجرامية لإيجاد بدائل تهدف أولا لتقليل الخسائر وثانيا لإعادة ترتيب الأوضاع والتكيف مع المستجدات وتقديم بعض التنازلات ليطمئن المتضررون ويعلنون الانتصار قبل الأوان ريثما يستعيد المجرمون زمام المبادرة!!.

الاستكبار القرشي الذي مني بهزيمة كبرى يوم فتح مكة ما لبث غير بضع سنوات حتى تمكن من إعادة تنظيم صفوفه واستعادة المبادرة وتأسيس إمبراطوريته الأموية التي ما تزال تطل برأسها حتى الآن!!.

خرج الأمريكي إذا مهزوما من أفغانستان لكنه ترك ألغاما بعضها مكشوف والبعض الآخر يتعين كشفه ويبدو واضحا أنه يدفع فلوله المهزومين في عالمنا العربي لإعادة ترتيب صفوفهم وشحذ هممهم كيلا يجد هؤلاء أنفسهم مضطرين للتقهقر والانسحاب غير المنظم فيضيع كل شيء دون مقابل.

ضمن هذا الإطار نفهم تلك التحركات الأخيرة التي تبدو وكأنها تأتي ضمن منظومة التضامن الإسلامي أو التعاون الإقليمي بين دول الجوار لتمتين بقايا النظام وكأنها تقول: ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون أيها الحلفاء المخلصون!!.

العنوان الذي يمكن أن نعنون به تلك التحركات هو التكيف باتجاهين، الأول نحو المحور (المنتصر) والثاني مواصلة التحالف مع المهزوم المنسحب من أفغانستان والمتراجع أمام الموقف الصلب لمحور المقاومة الذي تمكن من كسر الحصار الأمريكي على سوريا ولبنان دون أن يتمكن من فرض شروطه الجائرة المتعسفة.

لا يزال أمامنا بعض الوقت للاحتفال بانتصار نهائي على الإمبراطورية الرومانية الأمريكية المعاصرة حيث تحتاج الأمر قطعا إلى ضربات إضافية لتذعن للأمر الواقع وتتخلى عن حلفائها العرب مثلما تخلت عنهم في أفغانستان وتلك الأيام نداولها بين الناس.

ليس هناك خيار أمام القوى السياسية في المنطقة بمن فيهم من بنى حساباته على أبدية الهيمنة الأمريكية سوى السعي الحثيث لبناء بديل حقيقي بدلا من مواصلة تضييع الوقت في مناورات لا طائل من ورائها.