رئيس وزراء العراق القادم.. بين مطامع الاحزاب وبناء الدولة
يشهدُ المسرح السياسي في العراق حراكاً حزبياً منفعلاً ومنشغلاً من اجل التنافس او التفاهم لاشغال السلطات الدستورية السياسية ( رئاسة الجمهورية ، رئاسة الوزراء ، و رئاسة مجلس النواب ) ، ونتمنى ان يستقر على هدفٍ فاعل من اجل خدمة الشعب وتعزيز الدولة .
مضى على مسيرة النظام السياسي في العراق ما يقارب عقديّن من الزمن ، ولكن لم تتمخض عن هذه
المسيرة تجربة ناجعة و ناضجة ، ولا ممارسة ديمقراطية تخدمُ بناء الدولة و خدمة الشعب .
التنافس او التفاهم المحتدم بين الاحزاب والكتل والتيارات السياسية ليس على البرامج و المشاريع السياسية ، وانما على توزيع السلطات والمناصب ، وعلى كيفيّة استمالة او اقصاء الآخر ، و مغريات الاستمالة او الاقصاء هي حقوق الشعب و حقوق العراق كدولة ، وهذه بادرة تنذرُ ،للأسف ، بفترة حكم قادمة لا تختلف ،في نتائجها و مسارها ، عن ما مضى ! بيدَ انَّ الشعب و العراق ينتظران و يتوقعان ما هو جديد في الاصلاح و التغيير .
هل سيستطيع رئيس الوزراء القادم ، والذي سيُّسمى عن توافق بالاكراه او بالتراضي و بالود ،من امساك زمام الامور ،والعبور مع الشعب والعراق صوبَ مرحلة جديدة ،تختلف عن مراحل الماضي ، وتتميّز بالعمل وفق برنامج وطني، تضعه السلطة التنفيذية ، وفق المتطلبات و الحاجات الفعلية للعراق وللشعب ، وليس وفق رغبات المكاتب الاقتصادية والرغبات الحزبية للكتل و الاحزاب ؟
سيكون ذلك ممكناً إنْ توفّرت مستلزمات وشروط منها :
– ان تكون السلطة التنفيذية قادرة على اتخاذ القرارات اللازمة والهادفة لبناء الدولة اقتصادياً وامنياً وعسكرياً وتفعيل التنمية وتقديم الخدمات ، و أنْ تتحّرر السلطة التنفيذية من املاءات و اوامر الاحزاب و الكتل السياسية .
– ان تتواصل السلطة التنفيذية مع الشعب عبر وسائل الاعلام وعبر اللقاءات و المناسبات و أنْ لا تترّددْ بمصارحة الشعب و الرجوع اليه عندما تتعرض للمساومة وللابتزاز من ايّة جهة سياسية . ليكن الشعب هو الساند والداعم للسلطة التنفيذية و لرئيس الوزراء ، وليكن الشعب هو الحزب الذي يتكل عليه رئيس الوزراء ، وهذا لا يتحقق الاّ عندما يتبادل الطرفان ( رئيس الوزراء و الشعب ) التواصل والثقة والتفاهم المشترك ، ويلمس الشعب انجازات ميدانية تمّسُ حاجاته و خدماته .
– أن تسعى السلطة التنفيذية الى تنمية شعور المواطن بالانتماء الى دولة ، وذلك ممكن عندما يكون للدولة مكانة وهيبة وسيادة داخلية و خارجية ، و أنْ يكون للسلطة التنفيذية دوراً من اجل تأسيس قنوات تعاون مباشر و سريع مع الكتل والاحزاب السياسية في مجلس النواب للحفاظ على مكانة وهيبة وسيادة و أمن الدولة .
– السلطة التنفيذية هي المسؤولة دستوريا عن رسم سياسة الدولة والحفاظ على مكانة وهيبة و سيادة و أمن الدولة والشعب ، وعلى السلطات الدستورية الاخرى السياسية ( وخاصة مجلس النواب ) و القضائية مسوولية التعاون مع السلطة التنفيذية من اجل الحفاظ والدفاع عن مكانة وهيبة وسيادة و امن الدولة والشعب ، وهذا يتطلب الاحترام المطلق لمبدأ فصل السلطات ، و امتناع مجلس النواب من التأثير على عمل السلطة التنفيذية ، وأنْ لا تتبنى الكتل و الاحزاب السياسية اجندات غير الاجندات الوطنية .
-نتمنى من السلطة التنفيذية ملاحظة و ترشيد الاتصالات والعلاقات التي يقيمها النواب مع الدول الاخرى ،او مع جهات في دول اخرى ، حيث انَّ مهمة النائب ، شيعياً او سُنياً او كردياً او تركمانياً ، هو تمثيل الشعب ، كل الشعب و الدفاع عن مصالح الشعب ، كل الشعب ، وليس حزبه او قومه او طائفته ،او علاقاته الخارجية . العلاقات الخارجية والسياسة الخارجية وعلاقات العراق الدولية هو من صميم عمل السلطة التنفيذية و دوائرها المختصة .
– كما نتمنى من السلطة التنفيذية ايضاً ترشيد عمل و و نشاطات السفارات الاجنبيّة و البعثات الامميّة في العراق ، و لزوميّة التزامها و احترامها الاعراف الدبلوماسية ، و اتخاذ ما يلزم للحيلولة دون تدخل السفارات والبعثات الدولية و الامميّة في الشوؤن الداخلية . ولنتذّكر كيف امتعض و احتّج الاردنيون على تحرّكات و زيارات السفيرة الامريكية السابقة ،السيدة أليس في عمان ،عام ٢٠١٧ ،بسبب زياراتها المتكررة للعشائر وللمدن ولقاءاتها مع السياسيين و دعواتها الاسبوعية وحضورها المتكرر في النشاطات الشعبية والجماهيرية ، وكيف ابعد الاردن السفير السوري بهجت سليمان ، عام ٢٠١٤ ، بسبب نشاطاته واستقباله في منزله للنشطاء المؤيدين لسوريا .
– سيكون رئيس الوزراء مُحاط بوزراء رُشحوا من الاحزاب السياسية ، وسيخضعون لتأثيرات ولتوجيهات احزابهم ،ونتمنى ان يكون ولائهم لرئيس الوزراء ولبرنامج عمله وليس لاحزابهم السياسيّة ، و ازاء هذه الفرضية ، التي عشناها واقع حال في مراحل الحكم السابقة ، لرئيس الوزراء الاعتماد على مجموعة مستشارين مُستقلين سياسياً ، و رجال دولة و مشهود لهم بالخبرة وبالتجربة الناجحة وبالنزاهة ، قادرين على اعطاء المشورة ،كلُ حسب اختصاصه ، وعلى مختلف عمل الوزرات ، كي يكون عمل و عطاء الجميع ذو طابع وطني وليس حزبي و ذو طابع مهني وليس نفعي او انتهازي .
– تنتظرُ رئيس الوزراء القادم استحقاقات وطنيّة و مُلّحة اهمها أيقاف حالة التدهور التي يشهدها العراق في القطاعات الخدميّة ( صحة ،تعليم، كهرباء، سكن ،مستوى معاشي ،فساد ،اداء وظيفي ، عدم عدالة في توزيع الثروات ،أمن ، تدخلات خارجية)، و تحقيق انجازات فيما ذُكِرَ من خدمات و قطاّعات ليس بمعجزّة.و العراق يمتلك القدرات البشرية والمالية ، وهو اغنى بكثير من بعض الدول العربية ،التي انجزت بوقت قصير مشاريع استراتيجية تنموية عملاقة ، ولكن لا يكفي، لتحقيق انجازات امتلاك القدرات المالية و البشرية فقط ، علينا التزّود بالارادة والحسم وعدم الخضوع للمساومات والابتزازات السياسية الداخلية والخارجية ، والايمان المطلق بسيادة القرار العراقي .
لم يكْ الهدف، من هذا المقال، هو وضع او تصوّر خطة عمل، وانما طرح بعض الافكار المستوحاة من تجربة الماضي، ومن الواقع المُعاش.
Your Comment