اليمن بين السلام المنشود والأطماع الإقليمية

بعد سنوات الحرب العبثية، والتي طالت فصولها، وكُثرت سيناريوهاتها، وتعقدت مساراتها، بات من الواضح أن الحديث عن فرص السلام في اليمن، تتعثر بتعنت واضح من قبل قوى العدوان على اليمن واليمنيين، واستمرار تصعيدهم واستهداف المدنيين، في مقابل ردٍّ من قبل الجيش اليمني والحوثيين، وضمن ذلك، فإنه يبدو واضحاً، أن هناك قرار إقليمي ودولي، يتمحور حول قرار إطالة أمد الحرب في اليمن، بشتى الوسائل الممكنة، لمنع الجيش اليمني وجماعة أنصار الله، من توسيع نقاط سيطرتها، وقد بدا ذلك، من خلال منع الحوثيين من اقتحام مدينة مأرب الاستراتيجية، لأن حدوث ذلك يعني حدوث تغييرات في معادلة الحرب، ويمنح الحوثيين مميزات جغرافية، تُعزز تفوقهم العسكري، الأمر الذي سيعزز من فرص السلام، لكن لقوى العدوان المدعوم أمريكياً، رأي آخر.

ضمن ما سبق، يعتقد الكثيرون بأن إضعاف الحوثيين، والقضاء على قدرتهم العسكرية، من شأنه تعزيز فرص السلام في اليمن؛ هذا المنطق في مقاربة الواقع اليمني، إنما تنطلق من أجندات أمريكية إسرائيلية، عطفاً على رغبات الرياض وأبو ظبي، فهذه المقاربة بحسب هولاء، ترتكز على سحب الميزات التي فرضها الحوثيين، لإجبارهم على الانخراط مجدداً في المفاوضات، التي يسعى المبعوث الأممي الجديد إلى تنشيطها على الرغم من الصعوبات التي تواجهها، لكن حقيقة الأمر، هناك بُعد إقليمي يسعى إلى إقصاء الحوثيين من أي معادلة سياسية، وفي العمق، فإن الحوثيين لطالما طالبوا بوقف الحرب والجلوس على طاولة المفاوضات، إلا أن قوى العدوان رفضت دعوات الحوثيين، ما يعني أن الرياض لا تبحث عن السلام، وإنما تسعى لإبادة اليمنيين، وهذا واضح من خلال الاستهدافات المركزة والعشوائية، التي طالت تجمعات المدنيين.

في المقابل، فإن ما يشهده اليمن من تصعيد عسكري، يأخذنا مباشرة إلى حقيقة نوايا قوى العدوان على اليمن، وهذا القرار جاء نتيجة فشل قوى العدوان، من تغيير المعادلات السياسية الميدانية، على امتداد سنوات الحرب، وأكثر من ذلك، فإن قوى العدوان لم تتمكن حتى اليوم، من استيعاب معادلة الحوثيين، والتي ترتكز على وقف الحرب أولاً، ومن ثم الجلوس إلى طاولة المفاوضات بعيداً عن قوى العدوان، والتركيز على حوار يمني يمني، دون تدخلات خارجية، إلا الرياض ترفض هذا الأمر، وترغب في فرض قوتها العسكرية، الأمر الذي كسرته جماعة أنصار الله، بل وعززته عبر معادلة استهداف العمق الاستراتيجي لقوى العدوان.

ومن زاوية الواقعية السياسية، فإن المأزق الحقيقي الذي يعاني منه اليمن، يتمثل في كيفية ايقاف الحرب، مع محددات ترتكز على إنهاء الحوثيين، وإضعاف قوتهم، وإيصالها إلى مستوى قوة الجماعات المدعومة من قبل الرياض وأبو ظبي، لكن للحوثيين قوة عسكرية لا يمكن كسرها، وجناح سياسي مُعترف به من قبل المجتمع الدولي، ما يعني قدرة الحوثيين على جمع اليمنيين، والتوصل لتفاهمات سياسية داخلية، تعزز المشهد الداخلي في اليمن، الأمر الذي يعزز من ارتباك قوى العدوان، مع سعيهم الدائم لوأد كل المحاولات لإيقاف الحرب في اليمن، سواء داخلياً أو أممياً.

المشهد اليمني يزداد ارتباكاً ولا يستطيع أحد الآن التكهن بفصوله الأخيرة، والمؤكد أن الحيرة تصيب الجميع وطنياً وإقليمياً ودولياً عند التفكير للتوصل إلى معادلة تشكل أطراف منصة يقف عليها الجميع متساوين من دون اللجوء إلى السلاح أو الاستقواء بالخارج لفرض مخرجات لا تقنع الأغلبية ولا تأخذ الأقلية في الاعتبار.