سوء تقييم السفارة الاميركيةلمبادرة حزب الله
جاءت المبادرة على لسان السيد حسن نصر الله، في خطابه في يوم عاشوراء، الموافق ٢٠٢١/٨/١٩ .
وقد نوّه السيد، عنها، في خطاباته السابقة، و أعربَ عن عزمهِ، وخاصة في كلماتهِ في الامسيات العاشورية، على تنفيذ المبادرة.
الامريكان والاسرائليون وغيرهم يستمعون جيدا الى حديث السيد ولا يشكّون في مصداقيته، ويولون الى ما يردُ في الحديث غاية الاهتمام.
ارتكب الامريكان تجاه ما حلًّ في لبنان خطيئيّن:
ارتكبت الادارة الامريكية الخطأ الاول بفرضها عقوبات وحصارا اقتصاديا ونقديا على لبنان ، وأوصلت حالة لبنان الى ما هو عليه الآن؛ حالة تجاوزت الحد المعقول او الخطوط الحمر،وتعدّت الفقر والجوع والحرمان الى الاذلال والدفع بإرتكاب الجرائم، والمّسْ بالذات المعنوية للمخلوق، حالة تخالف القوانين والشرائع الدولية والسماوية والقيم الاخلاقية والانسانية . حالة تُوصفْ في ادبيات القانون الدولي والانساني ب ” التعسف في تطبيق القوانين أو في ممارسة السلطة “.
ومن المفارقات أن الامريكيين والدول الغربية والمجتمع الدولي يناشدون طالبان، بعد سيطرتها على افغانستان بضرورة احترام حقوق الانسان واحترام حقوق المرأة وكرامة الانسان و .. . الخ.
للاسف، الادارة الامريكية تعاملت بفرض العقوبات على لبنان، بذات القسوة التي تعاملت بها مع ايران، غير آخذه بنظر الاعتبار أنَّ لبنان صغير في مساحته وضعيف في امكاناته الاقتصادية، ومستنزفْ بالفساد والسرقات وعدم الاستقرار السياسي.
الادارة الامريكية أساءت تقدير ما يمتلكه لبنان من قوة صبر ومقاومة، وإنَّ التمادي في اذلال الناس و حرمانهم و المّس بكرامتهم أصعب عليهم من الجوع و الموت.
سفيرة امريكا في لبنان ،السيدة دورثي شيّا، هي التي ارتكبت الخطأ الثاني. لأنها (و ما اكتبه افتراض ) لمْ تُعْلِمْ مراجعها الرسمية، بما كان يقوله السيد حسن نصر الله ويتوعّد بجلب الوقود والدواء و المعونه من ايران، اذا استّمر الحصار والتجويع، واذا لم يبادر اللبنانيون السياسيون، من أصدقاء وحلفاء امريكا ، لإيجاد حلْ وجلب الوقود من المملكة او من ايّة جهة اخرى . ولمْ تنصحهم أو تقترح عليهم إيجاد حلْ ، قبل اقدام حزب الله على تنفيذ ما يقوله.
كذلك ، كان يُفترضْ على اصدقاء وحلفاء امريكا في لبنان وفي المنطقة، ان يسدوا النصح والمشورة البنًاءة للادارة الامريكية، برفع العقوبات او بتخفيف الحصار، قبل فوات الآوان ، ومن باب “انصر اخاك ظالماً او مظلوما”، قبل ان يكونوا هم و امريكا في حالة حرجْ، وفي صورة و مشهد ظالم و مستبد و … ؟
ينظرُ اللبنانيون ، وهمْ من يعانون ، بعين الرفض وعدم الرضا للتصريحات و المواقف المنتقدة لمبادرة السيد حسن نصر الله ، ويحسبونها تبريراً وتأييداً للمعاناة المفروضة عليهم .لم يكْ موفقاً السيد سعد الحريري في تصريحه، وحديثه عن السيادة ، وهو أعلمْ و ادرى من غيرهِ ، كيف ومتى تمَّّ امتهان سيادة لبنان . عند البعض تحضرْ وبقوة سيادة لبنان عندما يقترن الامر بمساعدة غذائية او طبيّة او نفطيّة من ايران ، وتغيب عنهم عندما تجول و تصول صواريخ و طائرات اسرائيل في لبنان ، او عندما يعاني الشعب اللبناني من حصار جائر و عقوبات غير شرعية من امريكا .
كان تصريح سفيرة امريكا في لبنان ،السيدة شايا ، والتي أبدت فيه استعداد امريكا لتسهيل ايصال الكهرباء والمازوت الى لبنان من الاردن ومن مصر وعبر سوريا ، افضل بكثير من تصريح السيد سعد الحريري؛
لم يكْ تصريحها فارغاً ، ولم يتضمن تهديدا او تصعيدا ، ولم تصفْ لبنان ، وكأنه محافظة ايرانية. تصريحها ، على الاقل ، تضّمن وعداً واقتراحاً ، حتى و إنْ جاءت الوعود و الاقترحات ، بعد فوات الآوان ، او بعد ” خراب البصرة “، او حتى لو كان منسوب الصدق في الوعود و الاقترحات الامريكية منعدم او منخفض جداً .
تصريح سفيرة امريكا ، والذي يعبّر ، بكل تأكيد عن الموقف الرسمي للادارة الامريكة ازاء قرار حزب الله ، هو اعتراف ضمني بفشل سياسة التجويع والحصار المفروضة على الشعب اللبناني ؛ و اذا لم يكْ فشلاً فهو تراجع واستعداد لانهاء الحصار على لبنان ( على الاقل حصار المازوت والدواء والكهرباء )، وعلاوة على ذلك لن تمانع امريكا مِن ان يكون عبور ما ذُكرْ عبر الاراضي السورية ، المُبتلي شعبها ،هو الآخر ،بأستبداد وحصار قيصر !
كثيرة هي الاخطاء الاستراتيجية التي ارتكبتها الادارات الامريكية المتتالية بحق شعوب المنطقة ، ومنها ، ما نكتب عنه الآن ،حصار و تجويع لبنان.
ما كان لامريكا، بلد الحريات والديمقراطيات، والدولة العظمى ، ان تنتظر اعلان الامين العام لحزب الله في لبنان ، قراره بجلب الوقود من ايران ، كي تقرر، وعلى حين غرّة، بالسماح لادخال ما كان ممنوعاً على اللبنانيين من وقود و دواء وكهرباء.
لم ينقص امريكا العلم و التطّور والمعرفة والقدرة والثروة ، ولم يفتقر الشعب الامريكي للقيم وللاخلاق و للانسانية ، ولكنهما ( الدولة و الشعب الامريكي ) مغلوب على امرهما ، من قبل اللوبي الصهيوني و اسرائيل ، ويستهديان في نهجهما بمصلحة وبهيمنة اسرائيل في المنطقة .
مبادرة السفيرة الامريكية ولدت بعد مبادرة السيد حسن نصر الله ، وهذا يدّلُ على انَّ مبادرة السيد اصابت الهدف و ادّت غرضها ، حتى و إنْ لن تبحرْ سفينة الحُسين ( ع ) .
كان توقيت اعلان مبادرة السيد حسن نصر الله ناجحاً بأمتياز ؛ جاء الاعلان في العاشر من شهر محرم مما كسا المبادرة وشاح الثورة والتضحية الحسينية الخالدة ، وجاء ايضاً بيوميّن او اكثر من استيلاء طالبان على افغانستان وسيطرتهم على العاصمة ، وماصاحب الاحداث من فوضى أضرّت كثيراً بهيبة وبمصداقية و بمكانة امريكا .
لا امريكا و لا اسرائيل في اقتدار سياسي على الدخول في تحدّي ، يقود الى معركة او حرب مع حزب الله. وهذا ما يُفسّر صمت اسرائيل و موقف الولايات المتحدة الامريكية الموزون ، والذي جاء على لسان سفيرة امريكا في لبنان.
مارست امريكا تجاه لبنان “سياسة حافة الهاوية” املاً منها بإستسلامه وبخضوعه ، ولكن استطاع حزب الله قطف ثمار هذه السياسة، لم يستسلم الحزب، و نجا بنجاح من الهاوية.
Your Comment