إيران 2021 .. إنتخابات أم نقلة نوعية
كما أن أهمية الإنتخابات الأميركية عالميا تتأتى من انعكاس سياسات واشنطن والرئيس الأميركي المنتخب على دول العالم عموما كونها القوة العظمى دوليا والأكثر تأثيرا في الميادين العالمية، تتأتى أهمية الإنتخابات الإيرانية من كون إيران القوة العظمى إقليميا والأقدر على الفعل في الميادين الإقليمية فضلا عن أدوارها على الساحة الدولية ومعادلاتها وارتداداتها على توزانات القوى فيها مع تزايد الطموح الإيراني لتبوء مكانة دولية مهمة أكدتها الإستراتيجيات الإيرانية بخطوات عملية و سياسات مرنة وذكية أنتجت في أبرز صورها توازن رعب وردع مع المحور الصهيو أميركي في المنطقة.
تنبع أهمية الإنتخابات الإيرانية 2021 من أهمية ومفصلية التوقيت الذي يمتاز بثلاثة أبعاد رئيسة:
١/ محلي، يكمن عمقه في نجاح ايران النظام والشعب من الصمود بوجه 41 عاما من الحصار الاقتصادي والعقوبات المالية والحروب والمواجهات المركبة والإستهداف المنظم والشامل الذي واجهته إيران بسياسات الدفاع والصبر والصمود الإستراتيجي.
ويبد ان وقت حصاد ثمار هذا الصمود قد حان محليا لمزيد من الثبات والاستقرار والرفعة بعد أن انتج قدرة إبداعية في الإعتماد على الذات وتوظيف المكنونات والقدرات.
٢/ إقليمي، وتكمن أهميته في نجاح ايران من بناء شبكة حلفاء بمنفعة تبادلية على أسس قيمية وإنسانية وعمق إستراتيجي أوجدت لطهران نفوذا إقليميا وحضورا فاعلا مكنها من خوض معارك "لي الأذرع" مع واشنطن وتل أبيب وهزيمتهما في اغلب ساحات المنطقة المؤثرة والمهيمن عليها أميركيا وصهيونيا بشكل وبآخر لدرجة بات معها هذا الحضور الإيراني الإقليمي الفاعل أكثر تهديدا للمصالح الأميركية الصهيونية الغربية من القنبلة النووية المزعومة التي ما عادت تحتل موقعا متقدما في سلم المهددات الغربية.
ما عزز وعمق هذا الحضور الإيراني هو تناغمه مع طموحات شعوب المنطقة في التخلص من أنظمة التبعية للغرب ومساعدتها في السعي لبناء دول تتمتع بالاستقلال الحقيقي لا الشكلي والسيادة الفعلية لا المدعاة وطي صفحة الإذلال والإفقار والحروب الثانوية المصطنعة والمتاجرة بدماء ومستقبل هذه الشعوب.
٣/ دولي، ويكمن في التحولات والتبدلات الحادة في بنية معادلات الساحة الدولية وتوازناتها واشتداد حالة التدافع والتنافس على مديات النفوذ والتأثير في مسارات هذه الساحة مع التراجع الأميركي الإستراتيجي والصعود الناعم والهائل والمتنوع الصيني والعودة الفاعلة والمؤثرة الروسية في ظل بيئة رمال متحركة تتوسع دائرتها وتزداد تأثيراتها وتتوضح يوما بعد آخر آثارها وليس آخرها الإضطرار الأميركي الغربي في العودة للإتفاق النووي.
يتزامن كل ما يجري من تحولات في الساحة الدولية مع البناء الذاتي والصمود الإستراتيجي والنفوذ الإقليمي والصعود التكتيكي الإيراني ومع توافر كل مقومات المشروع الحضاري على مستوى المنهج والقيادة والتبني والدعم الشعبي ما يعطي لإيران زخما مزدوجا وبأبعاد مختلفة ومتنوعة.
لا تكمن أهمية إيران الحيوية مما تقدم من معطيات في الأبعاد الثلاث المتقدمة آنفا أو لأنها في مرحلة الحصاد الشامل محليا وإقليميا ودوليا وإنما تكمن في أن التجربة الثورية في إيران عكست انكشافا عصريا للرسالة الاسلامية وانبعاثا عمليا للديانة الإبراهيمية عبر مشروع حضاري جريء ومتوثب يعيش بداياته ومازال في جعبته الكثير.
Your Comment