وصية مؤمن قريش (ع)


لما حضرت أبا طالب (ع) الوفاة ، دعا أولاده وإخوته وأحلافه وعشيرته ، وأكد عليهم في وصيته نصرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ومؤازرته ، وبذل النفوس دون مهجته ، وعرفهم ما لهم في ذلك من الشرف العاجل والثواب الآجل ، وأنشأ يقول :
أوصـي بنصر نبي الخير أربعة
 ابـني عـليا وشيخ القوم عباسا
وحـمزة الأسـد الحامي حقيقته وجـعفرا أن تذودوا دونه الناسا
كـونوا فدى لكم أمي وما ولدت في نصر أحمد دون الناس أتراسا 
قال العلامة الحلبي في سيرته (*)أن أبو طالب لما حضرته الوفاة جمع إليه وجهاء قريش ، ( وبني هاشم ) فأوصاهم ، وكان من وصيته أن قال ( يا معشر قريش ، أنتم صفوة الله من خلقه ، وقلب العرب ، فيكم المطاع ، وفيكم المقدام الشجاع ، والواسع الباع ، لم تتركوا للعرب في المآثر نصيباً إلا أحرزتموه ، ولا شرفاً إلا أدركتموه ، فلكم بذلك على الناس الفضيلة ، ولهم به إليكم الوسيلة ، أوصيكم بتعظيم هذه البنية ( أي الكعبة ) فإن فيها مرضاة للرب وقواماً للمعاش ، صلوا أرحامكم ، ولا تقطعوها ، فإن في صلة الرحم منسأة ( أي فسحة ) في الأجل وزيادة في العدد ، واتركوا البغي والعقوق ، ففيهما هلكت القرون قبلكم ، أجيبوا الداعي ، وأعطوا السائل ، فإن فيهما شرف الحياة والممات ، وعليكم بصدق الحديث ، وأداء الأمانة فإن فيهما محبة في الخاص ، ومكرمة في العام ، وإني أوصيكم بمحمد خيراً فإنه الأمين في قريش والصديق في العرب ، وهو الجامع لكل ما أوصيكم به ، وقد جاء بأمر قبله الجنان ، وأنكره اللسان مخافة الشنآن ، وأيم الله كأني أنظر إلى صعاليك العرب ، وأهل الوبر في الأطراف والمستضعفين من الناس قد أجابوا دعوته ، وصدقوا كلمته ، وعظموا أمره ، فخاض بهم غمرات الموت ، فصارت رؤساء قريش وصناديدها أذناباً ، ودورها خراباً ، وضعفاؤها أرباباً ، وإذا أعظمهم عليه أحوجهم إليه ، وأبعدهم منه أحظاهم عنده ، قد محضته العرب ودادها ، وأعطته قيادها ، دونكم يا معشر قريش ، كونوا الولاة ، ولحزبه حماة ، والله لا يسلك أحد منكم سبيله إلا رشد ، ولا يأخذ أحد بهديه إلا سعد ) . وبعد هذه الوصية أسلم روحه الطاهرة إلى بارئها والتحق بالرفيق الأعلى بعد أن أدى ما عليه تجاه الرسول والرسالة عند ذلك جاء الإمام علي ( عليه السلام ) إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) آذنه بموت أبيه أبي طالب ، فتوجع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) توجعاً عظيماً ، وحزن عليه حزناً شديداً ، ثم قال لعلي ( عليه السلام ) : امض يا علي فتول أمره ، وتول غسله ، وتحنيطه ، وتكفينه ، فإذا رفعته على سريره فأعلمني .ففعل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ما أمره به ( صلى الله عليه وآله ) ، فلما رفعه على السرير ، اعترضه النبي ( صلى الله عليه وآله ) فرق وحزن ،فأبنه بكلمة خالدة فيه ، وقال ( وصلتك رحم ، وجزيت خيراً يا عم ، فلقد ربيت وكفلت صغيراً ، ونصرت وآزرت كبيراً )، ثم أقبل على الناس وقال ( أم والله لأشفعن لعمي شفاعة يعجب بها أهل الثقلين).وفي النهاية اود ان اقول (ياليت كل الامة الاسلامية عملت مثقال ذرة ماعمله مؤمن قريش تجاه الاسلام)
 *عبد الملك بن هشام الحميري، السيرة النبويّة، (الطبعة الأولى، بيروت، دار الكتب العلميّة ١٤٢٢/ ٢٠٠١)، ص١٣٩ - ١٤٠