السياسة العالمية في توازن القوى ،،،
مع تعميم نظام الدولة ذات السيادة، جاءت الماهية الفوضوية للنظام الدولي المضاد للهيمنة، أي أنه يقاوم أي محاولة من أي فاعل بمفرده (دولة، أو تحالف من الدول) للسيطرة على آخرين، بالتالي كان ضرورياً انتهاج السياسة العالمية وتحديد وظائفها لمواجهة كل العقبات التي تعترض النظام الدولي ككل.
وبالنظر إلى تاريخ العلاقات الدولية، نجد أن المحاولات كسب موقع قوي جداً ومهيمن، هي محاولات ليست بغير عادية، حيث يحاول الفاعلون كسب ميزة عسكرية أو استراتيجية عبر تحالفات تخيف الآخرين، وعبر الاستخدام المباشر للقوة، وعبر تطوير منظومة عسكرية متفوقة، أو تقنية عسكرية، وغالباً ما يحاولون تأسيس تحالفات اقتصادية تمنحهم ميزة تجارية فارقة، ومن المثير أيضاً رؤية كيف أن محاولة البعض توكيد سلطتهم الدينية أو ادعاء السمو الأخلاقي كان لها تأثير ضخم في السياسة العالمية على مدار التاريخ.
وعلى الرغم من أن السياسة العالمية أو الدولية تبدو بالحقيقة تاريخاً من الرهانات المتلاحقة للهيمنة، إلا أن النظام يستعيد توازنه، أو على الأقل، يعود لهيئة الدول الفاعلة المستقلة والمتساوية تقريباً، ويتسم هذا النظام الحديث بمحاولات للحفاظ على توازن القوى، فيما وردت تعريفات كثيرة حول هذا الأمر، مثل: أن عبارة "توازن القوى" تنطوي على قدر من الاستمرارية، أما التوازن فهو منتج نهائي، والعلاقات الدولية هي أن الحركة والتغير لا السكون، صفتان مميزتان، والقوة لا تتوازن أبداً، بل ينبغي على الدول أن تنهمك باستمرار في فعل موازنة القوى في تعديلها وتطويرها استجابة لمد وجزر القوة الأبدي ضمن النظام.
بالتالي، إن اتفاقيات السلام المتلاحقة المستجيبة بوضوح لمبدأ الوقوف ضد الهيمنة، هو ما يستم به تاريخ السياسة العالمية الحديثة، حيث يمكن العثور على أوضح تعبير عن دافع منتظم لضمان توازن القوى في الاتفاقيات التي تبعت الحروب التي رسمت معالم نظام الدولة الأوروبي، وغالباً ما غيرت هذه الاتفاقيات جذرياً الخريطة الجيو – سياسية لأوروبا، حيث تم إلغاء الدول الصغيرة وتقسيم الدول الكبيرة، وتغيير الحدود الدولية بشكل كبير.
لذلك اُعتبر فهم دينامية هذا المبدأ المقاوم للهيمنة أساساً لفهم الطبيعة الحقيقية لـ السياسة العالمية المعاصرة، حيث تذكر الشخصيات المؤثرة في القانون الدولي توازن القوى بوصفه أساساً لوجود وعمل القانون الدولي، رغم أن هناك جدل محتدم حول الطريقة الأمثل لفهم هذه النزعة لصياغة توازن القوى بالنسبة للبعض، حيث يجبر النظام الدول على التصرف لتحقيق مصالحها، ويقع تحقيق المصالح في بناء توازن القوى.
Your Comment