الأخوة الأعداء.
واهم من يعتقد أن هناك علاقة ما بين كيانين أو دولتين أو نظامين لا تبنى على أساس المصالح فأخوة الدم والعقيدة والمذهب أصبحت من التراث لذلك نجد أن كثيرا من الدول خاصة االدول الحديثة في الوجود الضعيفة التي تقع ضمن دائرة الدول المتأثرة لا المؤثرة في وسطها الإقليمي تركن إلى الدخول في تحالفات واتحادات من أجل درء الخطر الذي تتخيله من ناحية نتيجة ضعف تمسكها الداخلي ولديمومة حكم أنظمتها من ناحية أخرى.
والانظمة في الخليج العربي تشعر بعدم الثقة من اشقائها العرب قبل جيرانها الآخرين لذلك تجدها تبحث عن اتحاد يشعرها بقوتها ووحدتها والمنطقة العربية مرت بهزة كبيرة بعد سقوط نظام البعث الذي احتمت به تلك الأنظمة كثيرا ثم سرعان ما كانت سببا في زواله يوم تجرأ واحتل دولة من دولها وادخل القلق في قلوب بقية الأنظمة التي طالما استخدمته في حرب بالوكالة ضد الجمهورية الإسلامية في إيران.. ولابد لنا أن نسلط الضوء على المتغيرات الجيوسياسية في المنطقة بعد احتلال العراق وأفغانستان من ناحية وبروز الجمهورية الإسلامية وتركيا كلاعبين أساسيين في المنطقة بعد الربيع العربي والثورات العربية والفوضى التي عصفت بالمنطقة والتي تنادي بتغيير شامل في أنظمة الحكم والتي طالت كثيرا من الأنظمة الجمهورية التي تعاني شعوبها من حكام متغطرسين ومشاكل اقتصادية واجتماعية وارتفاع في نسب الفقر والبطالة وأزمات تربوية وصحية وسكن وخدمات وتكبيل للحريات. ومن أجل الفراغ الحاصل في المنطقة استغلت الدويلات الصاعدة كقطر والإمارات ما تمتلك من أموال وثروات طائلة لتلعب ادوارا أكبر من أدوارها لذلك عمدت تلك الأنظمة إلى دعم المتخاصمين في كثير من البلدان العربية من أجل دعم جهات معينة كي تصبح مؤثرة في المشهد السياسي لتصبح بيادق بأيدي تلك الأنظمة تتحكم بها من أجل السيطرة على ثروات تلك الشعوب لذلك كان الدعم الإماراتي القطري لبعض الحركات الانفصالية والتيارات المتطرفة واضحا وكان التدخل مباشرا لهذه الأنظمة في كثير من دول المنطقة كالعراق وسوريا واليمن ومصر وليبيا وتونس والسودان.
والمختص بالشأن العربي يعلم جيدا أن عدم الثقة ما بين الأنظمة العربية جعلها تتوقع في أكثر من تحالف. فلم تعد الجامعة العربية ولا منظمة العمل الإسلامي كسابق عهدهما فأصبحت منظمات تثرثر أكثر ما تطبق على أرض الواقع وهناك تكتلات مناطقية كمجلس التعاون الخليجي الذي يضم دولا مترفة غنية داعمة للوجود الأمريكي والمشروع الصهيوني في المنطقة ونتذكر مجلس التعاون العربي الذي ضم العراق ومصر والاردن واليمن وهناك اتحاد مشابه ضم الدول العربية في أفريقيا هذه الاتحادات فشلت لأنها ٠كانت فارغة المحتوى وكانت شكلية فقط.
ما تعانيه الدول العربية من أزمات سياسية متصلة ومتلاحقة وبشكل متصاعد هو نتيجة حتمية لواقع أصبحت تعيشه تلك الدول نتيجة تغير القيم والمبادئ والأهداف حيث أصبحت الأنظمة العربية تعتمد في تحالفاتها المحلية منها والإقليمية على كل ما يتوافق مع الهيمنة الأمريكية وذلك نتيجة انتقال تلك الأنظمة من أنظمة كانت تتوزع بين محوري ما يسمى المقاومة والممانعة وأنظمة الاعتدال الى أنظمة اصبحت بمجملها في حالة ارتهان وتبعية للعالم الغربي بشكل عام وللهيمنة الامريكية بشكل خاص.
ولذلك فإن الطريق الأنجع للحفاظ على وحدة واستقرار دول الخليج وتماسكها وحمايتها ايضا من اية مؤثرات او مهددات لا يكمن فقط في عودة سياسة الاعتدال والاتزان والخروج من الوصاية والاحتواء ولا حتى من خلال الحفاظ على نظم الحكم القائمة فقط وانما في الاتجاه نحو الاصلاح والديمقراطية بشكل تدريجي وذلك بالتوافق مع تنفيذ خارطة طريق تدفع دول الخليج بالخروج من دائرة المتأثر بالمحيط الى المؤثر فيه.
لو شرحنا العلاقة الخليجية لوجدنا أن علاقة السعودية بدول مجلس التعاون الخليجي حيث أن المملكة لها خصوصيتها حيث تمتلك المال والسلاح والأرض والكتلة البشرية والمواقع المقدسة حيث الكعبة المشرفة والمدينة المنورة ومهبط الوحي وقبلة العالم الإسلامي وعلاقات تأريخية منذ تأسيسها بالدول الاستعمارية وبقية الدول ما هي إلا توابع للملكة والسعودية خلافات مع باق الدول فهناك نزاع حدودي ما بين السعودية واليمن والسعودية والإمارات والسعودية والكويت ولا يخفى علينا عمق الخلافات مابين السعودية وقطر والتي أدت إلى حصار قطر والعداء السعودي للعراق واضح للعيان وكان سببا في شعل نار الفتنة مابين أبناء الشعب العراقي ودعم السعودية وباقي دول الخليج للحركات المتطرفة التي سفكت الدم العراقي ودمرت البنى التحتية وماتزال واضحة للعيان.
والعلاقات السعودية الإماراتية هي من أقوى العلاقات على مدى عقود وكانت الإمارات قمرا يدور فلك السعودية وعلاقاتها الدبلوماسية وثيقة للغاية لكن هذه العلاقة أصيبت بالبرود مؤخرا وظهرت الخلافات جلية واشتدت في ما يتعلق بالمنافسة الاقتصادية المحتدمة في قطاعات التكنلوجيا والنقل وغيرها وتفجر الخلاف يوم سحبت الإمارات قواتها في اليمن من دون الرجوع للسعودية بعد أن كانت عنصرا رئيسيا في التحالف العسكري الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين من أجل محاربة التمدد الإيرانيج في المنطقة كما تدعي السعودية تحت شعار دعم الشرعية وتفاقم الوضع سوء بعد ظروف المصالحة مابين السعودية وقطر بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات من الخلاف الدبلوماسي في الخليج.
وما جرى من تراشق اعلامي مابين وزير نفط السعودية من جهة ووزير نفط الإمارات من جهة أخرى يظهر حجم الخلاف ما بين النظامين والإمارات التي تعترض على استراتيجية خفض إنتاج النفط الحالية في منظمة أوبك بلاص وتحاول أن تدافع عن حصتها التي تريد أن تحرمها السعودية منها والتي تؤثر في واردات النفط الذي يمثل ٣٠ ٪ من إجمالي الناتج القومي الإماراتي
واتفاق خفض الإنتاج تم التوصل إليه بعد جائحة كرونا من أجل مواجهة انخفاض أسعار النفط نتيجة تراجع الطلب من جراء الإغلاق في معظم دول العالم وكان هناك اجتماع طاري لمنظمة أوبك بلاص هدفه خفض الإنتاج وكان من مرارته خفض إنتاج أوبك بلاص ١٠ مليون برميل يوميا بدأ من الشهر الخامس ٢٠٢٠ ولمدة شهرين ومن ثم ٨ مليون برميل يوميا لمدة ٦ أشهر بداية ٢٠٢١ وحتى شهر نيسان ٢٠٢٢.
وتوصل الاتفاق أيضا أن يتم احتساب التخفيضات مقارنة بإنتاج كل دولة في كانون الأول ٢٠١٨ ما عدا روسيا والسعودية التي احتسبتا نسبة الخفض من ١١ مليون برميل.
سبب الخلاف مابين السعودية والإمارات مؤخرا خلال الاجتماع الأخير لمنظمة أوبك بلاص ناقشت الدول مستقبل الإنتاج مابعد نيسان ٢٠٢٢واتفق الأعضاء وعلى رأسهم روسيا والسعودية على الإبقاء على نفس مستويات الإنتاج مع زيادة صغيرة نسبيا لا تتجاوز ٥٠٠ الف برميل يوميا حتى نهاية شهر كانون الأول ٢٠٢٢. الإمارات لم تعترض على مضمون الاتفاقية لكنها اعترضت على النسبة المسموحة لها في الإنتاج وهي تدفع باتجاه زيادة إنتاجها من النفط. وفي حال أعطيت الإمارات الرقم الذي تطالب به وهو ٣.٨ مليون برميل يوميا فإن دولا مثل العراق ونيجريا ستطالب أيضا بحصة أكبر.
ومن المتوقع أن تعلن الإمارات انسحابها من منظمة أوبك بلاص احتجاجا على قرار السعودية وروسيا.
ولم يكن موضوع التحكم بتخفيض إنتاج النفط هو أول الخلافات ما بين السعودية والامارات فهناك مشكلة الحدود المتنازع عليها قديما في سبعينيات القرن المنصرم حول احد حقول النفط والذي يدعى حقل نفط الشيبة الذي يقع في منطقة الربع الخالي ويبعد عن عن مدينة أبو ضبي حوالي عشر كيلومترات وتبلغ إنتاجيته نصف مليون برميل يوميا بالإضافة إلى مشكلة خور العديد. والاحتقان بين البلدين ظل يتضخم طوال الأعوام الثلاثة الماضية وجاء الخلاف النفطي الأخير بمثابة المفجر له وهناك عديد من النقاط الخلافية مابين البلدين. فالتنافس الاقتصادي بلغ ذروته في سياسات محمد بن سلمان وإصراره على ترسيخ اقتصاد سياحي منافس للإمارات باتباع سياسة انفتاحية داخلية عنوانها الترفيه وتحرير المرأة وإقامة مدينة نيوم على البحر الأحمر شمال المملكة لتكون المنافسة لدبي في كل شيء علما بأن٥٠٪ من زوار دبي هم من السعوديين وبهذا نستطيع أن نفهم مدى القلق الإماراتي من تطلعات محمد بن سلمان. ثم إن قرار المصالحة السعودية القطرية التي ترى فيها الإمارات انها تمت باتفاق مباشر ما بين السعودية وقطر مع تهميش واضح للإمارات وبحرين ومصر ايضا في الجهة المقابلة هناك فتور كبير مابين السعودية والإمارات وتنامي عودة العلاقات مابين قطر والسعودية مما عدته الإمارات صفعة من الحليف الاستراتيجي التقليدي. ومازاد الطين بلة القرار الذي اتخذته الرياض بضرورة نقل جميع الشركات العاملة على أراضيها من الإمارات إلى السعودية واي شركة تخالف هذا الأمر سيتم الخظر على جميع أعمالها وهذا ما اعتبرته الإمارات
ضربة قاضية لاقتصادها وامارة دبي على وجه الخصوص لأن معظم الشركات السعودية موجودة في إمارة دبي.
وعلى الجانب الآخر كان لقرار انسحاب الإمارات من اليمن من طرف واحد من الحرب المُشتركة عام ٢٠١٩ دون التنسيق والتشاور فاقم في حجم الخسائر البشرية والمادية في القوات الاماراتية وتجنبا لاستهداف الحوثيين ابو ضبي ودبي كما فعلت مع السعودية واستهداف كثير من الأهداف في العمق السعودي والمنشآت النفطية المهمة كمنشأة أرامكو التي طالتها صواريخ الحوثيين معها ودعم الإمارات للانفصاليين في ٠ الجنوب وتشكيل مجلس الحكم الانتقالي الجنوبي ودعم الجيش الجنوبي ليكون واجهتها هناك ومنع عودة الحكومة الشرعية الموجودة في المنفى واستقرارها في عدن العاصمة الثانية من أجل السيطرة التامة على ميناء الحديدة المنافس الأكبر لميناء الفجيرة والسيطرة عليه يعني توجه معظم ناقلات النفط والبضائع مابين الشرق والغرب إلى ميناء الفجيرة من أجل التزود بالوقود. والإمارات كشفت عن تخلي السعودية عن الإمارات بعد دفعها للتطبيع مع الكيان الصهيوني والتعجيل بتوقيع اتفاقيات أبراهام وفق اتفاق سري يلزم السعودية الالتحاق بهذا الاتفاق ولكن ا بن سلمان نقض الاتفاق وتراجع عنه خوفا من ردود فعل سعودية داخلية وخروج ترامب عراب التطبيع من إدارة أمريكا بالرغم من أن هناك اخبارا مؤكدة للقاء ابن سلمان لنتنياهو وبومبيو في نيوم لوضع خطوط الاتفاق من أجل التطبيع ولكنه انسحب وأنكر هذا اللقاء جملة وتفصيلا. وبعد كل هذا التوتر لاحظنا أن الأمور ازدادت سوء حيث قررت السعودية وقف الرحلات من الإمارات وإليها بحجة إجراءات السلامة لمواجهة كرونا فايروس واعتبار الإمارات كالهند وفيتنام مما أثار الشارع الإماراتي ضد السعودية وعزم السعودية انشاء شركة طيران للتنافس الخطوط الجوية الإماراتية والقطرية وقرار السعودية تعديل قواعد الاستيراد من الدول الأخرى الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي لتستبعد السلع المنتجة بالمناطق الحرة التي تستخدم مكونات إسرائيلية من الامتيازات الجمركية التفضيلية. وبهذا القرار لن يسري الاتفاق الجمركي الخليجي على البضائع التي يدخل فيها مكون من إنتاج إسرائيل أو صنعته شركات مملوكة جزئيا أو كليا لمستثمرين إسرائيليين أو شركات مدرجة في اتفاق المقاطعة العربية لإسرائيل. كما أن الملف الإيراني وموقف الإمارات من إيران مع حجم التبادل الذي بلغ أكثر من ١٧ مليار دولار سنويا مابين الإمارات وإيران ووجود ما يقارب نصف مليون إيراني من المستثمرين وأصحاب الأموال والشركات يجعل العلاقات الإيرانية الإماراتية علاقات وطيدة تمتد لقرن من الزمان.
من يعتقد أن عودة العلاقات السعودية الإماراتية إلى سابق عهدها وأهم جدا فالمصالح هي من تحدد من العدو ومن الصديق والحروب الاقتصادية هي من تبني العلاقات ما بين الحكومات ونتيجة لتدهور العلاقات فمن البديهي أن يكون مجلس التعاون الخليجي وصل إلى موته سريريا وربما سنشهد تغيرات كبيرة في المنطقة وولادة تحالفات جديدة تغير من شكل المنطقة وربما لن يكون لأمريكا وإسرائيل موقع قدم فيها.
الكاتب المحلل السياسي.
Your Comment