كيف استعدّت روسيا لحربها في أوكرانيا؟
ما زال القادة الأميركيين يتسابقون أيّهم الأسرع في السير نزولاً بأمجاد دولتهم، وما زال الرئيس الحالي جو بايدن يتصدر السباق وبجدارة ملفتة، بدليل أنه أصرّ على العبث في المحيط الحيوي والإستراتيجي لدولةٍ مثل روسيا، صحيح أن الثورة الملونة التي أوصلت مُهرّجاً نازياً إلى رئاسة أوكرانيا لم تكن بعهد بايدن، ولكن الصحيح أيضاً، هو إن أيّاً من القادة الأميركيين لم يجروء على المغامرة بمحاولة تمديد سيطرة حلف الناتو، حتى يلامس الحدود الروسية.
منذ الإنقلاب الأوكراني عام 2014م لم تضيّع القيادة الروسية وقتاً، فبدأت بالتحضر لمعركة لابُدّ منها لوقف تمدد الناتو، بل ولتقود روسيا محوراً ليكون قطباً قوياً وفاعلاً في قيادة العالم.
فكيف استعدّت روسيا لهذه الحرب؟
▦ في شهر آذار / مارس عام 2014م، وفي خطوةٍ أقامت الغرب ولم تقعده، قامت روسيا بانتزاع شبه جزيرة القرم ومدينة سيفاستبول من أوكرانيا، كونهما كانتا من مكونات الإتحاد السوفييتي السابق، ومن ثم دمجتهما في منطقة اتحادية واحدة خاضعة للحكم الروسي، وتكمن أهمية هذه المنطقة كونها تحتوي ميناء سيفاستبول الإستراتيجي، والذي يُعتبر تاريخياً موطن أسطول البحر الأسود الروسي.
▦ لكي لا يكون تأثير روسيا العسكري مُقتصراً على حدودها، كان لا بدّ من أن تتواجد عسكرياً في البحر الأبيض المتوسط، وربّما كان هذا هو الدافع الأول لتكون روسيا موجودة في سوريا أرضاً وبحراً وجواً، بالإضافة لدافع آخر هو دعم صمود الدولة السورية، وعندما اتخذت روسيا قرار الحرب استبقت أيّة خطوةٍ قد يتخذها حلف الناتو عبر تركيا بإغلاق مضيقي البوسفور والدردنيل أمام عبور سفنها، فدفعت إلى مياه المتوسط عشرات القطع البحرية، وعشرات الطائرات، بما فيها الطائرات الإستراتيجية "تو 142" و"تو 160"، وذلك تحت عنوان القيام بمناوراتٍ عسكريةٍ، ولكن الهدف الأساسي هو منع الولايات المتحدة الأميركية من أن تدفع الدول الأوروبية لمواجهة عسكرية مع روسيا وتبقى هي متفرجة في الصفوف الخلفية، وبهذه الخطوة الروسية أصبحت كافة القواعد البحرية الأميركية في البحر المتوسط تحت نيران المُدمرات الروسية.
▦ في شهر شباط / فبراير الفائت قام الرئيس الروسي بزيارة إلى الصين للمشاركة في افتتاح دورة الألعاب الأولمبية، وخلال هذه الزيارة قام الطرفان بالتوقيع على مجموعةٍ واسعةٍ من الإتفاقيات الإقتصادية والتجارية، أهمها توريد النفط والغاز الروسيين إلى الصين، وبذلك سحبت روسيا ورقة الإستغناء الغربي عن هاتين المادتين في حال قررت الدول الغربية معاقبة روسيا بوقف استيرادهما، ومن الواضح أن هذه المجموعة من الإتفاقيات لم تكن نتيجة عمل فترةٍ قصيرةٍ بل إنها نتيجة عمل لشهورٍ وربّما لسنوات.
▦ تحضير المجتمع الروسي لهذه الحرب، ولاسيًما أن التقارير الأميركية كانت تقول أن هذا المجتمع سينتفض في وجه قيادته بذريعة أنها تقوده لحرب عبثية ستؤدي إلى تجويعه، وبلا شكٍّ أن الأميركي ومن معه كان يراهن على مجموعاتٍ داخل روسيا ستعمل على تحريض الشارع، ولكن الذي حصل عكس ما سعوا إليه، ويُحسب للرئيس بوتين الطريقة الواضحة والودية التي خاطب بها جمهوره قبل الحرب، مُستعملاً عبارات كان لها مفعولها القوي، مثل عبارة "بصقوا علينا" وهو يعرف مدى تأثير مثل هذه العبارات على شعبٍ يضع كرامته فوق كلً اعتبار.
▦ وهنا لا بدّ من المرور على الأحداث الإنقلابية التي تعرضت لها دولة كازخستان في شهر يناير / كانون الثاني من العام الحالي، والتي رأت فيها روسيا مُخطّطاً غربياً أميركياً تركياً يهدف إلى جعل كازخستان أوكرانيا ثانية، مما دفع روسيا لقيادة دول معاهدة الأمن الجماعي، والتصدي لهذه المحاولة وإخمادها خلال زمن قياسي ومن الحركة كما يُقال في العلم العسكري.
▦ وبطبيعة الحال فهناك العديد من خطوات التحضير الأخرى التي بقي معظمها سرّياً، وخاصّة العمل الإستخباراتي، كذلك تطوير وتجريب الأسلحة، وتحصين البنك المركزي الروسي، وما إلى ذلك من خطوات.
قد يقول قائلٌ هنا بأن الولايات المتحدة الأميركية هي الرابح الوحيد في هذه الحرب، كونها تقود من الخلف وبوسائط غيرها المادية والبشرية، وهذا صحيح على المدى القريب، أمّا على المديين المتوسط والبعيد فخسارة الولايات المتحدة الأميركية ستكون حتمية وقاسية، وستبدأ هذه الخسارة بفقدان الثقة العالمية بها كحليفٍ يمكن الإستناد عليه والوثوق به، ويالتالي ستجد دول العالم أن مصالحها يجب أن تكون محمية من دولٍ قويةٍ وذات مصداقية، وهذا ما سيدفعها إلى تغيير تحالفاتها، سيّما في ظلّ العقوبات التي فرضها قادة تلك الدول على روسيا والتي لن يكون تأثيرها محصوراً بروسيا بل سيرتد على الدول الأوروبية والمجتمع الأوروبي.
ختاماً لا بُدّ من أسئلةٍ مُلحةٍ تطرق أبواب المنطق:
• بات واضحاً أن الأميركي يُراهن على مجموعات من النازيين الجدد داخل أوكرانيا، "جماعة بانديرا"، ويسعى لرفدهم بالسلاح المُتطور وبالمتطوعين، على غرار ما حدث في سوريا، فهل ستستفيد روسيا من تجريتها في سوريا وتحسم هذا الملف بسرعةٍ وبقوةٍ لكي لا تدخل في متاهة يصعب الخروج منها؟
• هل حان وقت وصول قطار الثورات الملونة إلى الولايات المتحدة الأميركية؟.
• بعد أن أضحى واضحاً أن بايدن لا يستطيع أن يقدم لأدواته إلا الدعاء، فهل أقترب الحسم الصيني لملف تايوان؟
Your Comment