الاستقرار الاستراتيجي وانعكاساته على منطقة الشرق الاوسط.


عرّفت الولايات المتحدة و الاتحاد السوفيتي في العام ١٩٩٠ مفهوم الاستقرار الإستراتيجي  بأنه " غياب الحوافز لشن اي دولة اول ضربة نووية ". و من ذلك الحين ساهم تغير المشهد الجيوسياسي في منع اندلاع اي حرب نووية في العالم.
الا ان هذا المفهوم يحتاج الى تحديث لاسيما بعد ان تغير شكل النظام العالمي من ثنائي الى متعدد الاقطاب. حيث أشار عدد من الباحثين الى وجود حاجة لتحديد أطر إدارة التنافس العالمي بنجاح بين الولايات المتحدة و روسيا و الصين ، بالاضافة الى التنافس الاقليمي الذي يشمل كل من الهند و باكستان و إسرائيل و كوريا الشمالية، و تعزيز سبل منع المواجهة العسكرية بين أي دولة نووية من خلال ضبط عمليات الانتشار و تطوير قنوات الاتصال و أسس بناء الثقة و اليات منع نشوب الصراعات الاخرى، لتثبيت مقومات الاستقرار في حالة الغياب المستقبلي المحتمل لنظام الحد من سباق التسلح.
لقد عادت المنافسة بين القوى العالمية العظمى في القرن الواحد و العشرين منذ أنتهاء فترة الهيمنة  الامريكية على العالم و منذ ذلك الحين لم يظهر نظام أحادي مستقر ، حيث قوِّضت القيادة الامريكية للعالم بسبب الازمة المالية لعام ٢٠٠٨ ، ثم تحدت روسيا  النظام العالمي بقيادة الغرب بعمليات في كل من سوريا و اوكرانيا في العام ٢٠١٤ ، كما بينت واشنطن سياسة الاحتواء تجاه تنامي الدور الصيني العالمي . 
لقد أختلفت المواجهة الحالية بين القوى العالمية المتنافسة، لتشهد قطاعات أخرى في الاقتصاد و المعلومات و التكنلوجيا، ولم يقتصر ذلك على الجانب الاقتصادي و التكنلوجي فحسب بل أُعتبرت الصين  منافسًا سياسيًا و أيدولوجياً للولايات المتحدة.
ان طبيعة العلاقة التنافسية بين القوى العالمية المهيمنة ستكون لها انعكاسات واضحة على شكل المرحلة الجديدة وديناميكيتها، خصوصاً مع وصول السيد بايدن الى السلطة، الرئيس المعروف بتوجهه الرامي لتعزيز التحالفات على أساس القيم الغربية المشتركة والسعي لإعادة زعامة الولايات المتحدة على النظام العالمي من جديد.
إن منطقة الشرق الأوسط كانت وما زالت محور صراع بين القوى الكبرى وحلفائها في المنطقة، حيث لازال التأثير والنفوذ الامريكي حاضراً على الرغم من تراجعه نتيجة لتركيز صانعي القرار الامريكي على الداخل الامريكي وحلقة الصراع التنافسي مع الصين التي تشهد علاقاتها تطوراً ملحوظاً مع كل من دول الخليج وحتى اسرائيل الحليف الدائم والقديم للولايات المتحدة، مع دور روسي لايقل أهمية في المنطقة لاسيما بعد ازمة سوريا.
وفق ما تمت الإشارة اليه أعلاه، وفي خضم تعقيدات الوضع الدولي والإقليمي، تشهد دولاً محددة تنامياً متزايداً في حدة الصراع بين القوى المتنافسة وحلفائها، وهو ما قد يدفع الى مواجهة تقليدية احتمالية نشوبها بشكل مباشر توازي احتمالية استخدامها للاسلحة النووية، والتي لن تقتصر انعكاساتها وتأثيراتها بل وعواقبها في حال وقوعها على الدول المتحاربة فقط، بل قد ينسحب ذلك على مسرح الصراع والحلفاء او قد يدفع ذلك بالحلفاء لاستخدام هذا النوع من الاسلحة التدميرية او التهديد الجدي بإستخدامه كتكتيك من تكتيكات الردع على نطاق محدود. وعلى الرغم من ضعف تحقق هذا السيناريو الا انه لازال وارداً، لذا ارى من واجب الدول السعي لأن لاتكون مسرحاً وارضاً للصراع والتنافس من خلال تعزيز عناصر قوتها الوطنية، كما وعليها السعي لتلعب دور الوسيط الاستراتيجي من موقع قوة جيوسياسية تفرض معادلة براغماتية جريئة لتوازن بين طبيعة العلاقات والشراكات وفق نظريات الربح المشترك وبما يضمن تعزيز الأمن والسلم الدوليين.
المصادر:
• منظور تحليلي لخبراء مركز راند في الولايات المتحدة.
• بحث لمركز كارنيجي- موسكو