إسرائيل تسأل.. هل عاد الفدائيون إلى مخيمات لبنان؟


منذ الرابع من آب/اغسطس الحالي، تاريخ إطلاق رشقة الصواريخ الثلاثية من جنوبي لبنان على مستوطنة "كريات شمونة"،  تطغى على تقديرات المواقف الإسرائيلية أسئلة ترتبط عضويا بالعمل الفلسطيني المسلح في لبنان، وعلى ما يظهر ان تحديا أمنيا إسرائيليا غير مسبوق منذ عام 1982، بات يقلق الإسرائيليين ويطرح عليهم سؤالا استراتيجيا عنوانه: ما العمل؟ لم تحظ خمس عمليات إطلاق صواريخ “مجهولة” المصدر من جنوبي لبنان نحو الأراضي الفلسطينية المحتلة، بالقدر الذي حظيت به العملية السادسة التي جرت وقائعها وارتداداتها ابتداء من اليوم الرابع من هذا الشهر، لا من حيث اتساع رقعة العدوان الإسرائيلي على الجنوب اللبناني، ولا من حيث  القراءات الأمنية والإستراتيجية في الداخل الإسرائيلي، ومرد هذا الإهتمام يتوزعه ثلاثة مستويات، الأول، يلقي المسؤولية على مجموعات فلسطينية، والثاني، يتوقع تكرار إطلاق الصواريخ، والثالث، يدعو القيادات السياسية والعسكرية إلى صياغة استراتيجيات جديدة للتعامل مع المستجدات على “الجبهة الشمالية”. كيف ذلك؟ ـ أولاً، مسؤولية المجموعات الفلسطينية: من ضرورات القول أولا، الإشارة إلى ان غالبية وسائل الإعلام الإسرائيلية، استندت إلى تقييمات وتقديرات الجيش الإسرائيلي، القائلة بوقوف مجموعات فلسطينية وراء إطلاق “صواريخ الأربعاء” باتجاه مستوطنة “كريات شمونة” وفي ذلك كتب رون بن يشاي، المحلل المعروف في صحيفة “يديعوت احرونوت” بتاريخ السادس من الشهر الحالي فقال “إطلاق 3 صواريخ، الأربعاء الماضي، من لبنان هو الرابع خلال الأشهر الأربعة الأخيرة  من قبل منظمات فلسطينية متطرفة”، وفي اليوم نفسه كتب تال ليف رام  في صحيفة “معاريف” قائلا “هذه المرة ايضا يقدرون في إسرائيل بأن منظمة ارهابية فلسطينية هي التي نفذت اطلاق النار، وفي أجهزة الأمن ثمة اعتقاد بأن الفوضى المتفشية في لبنان المتحطم  تتيح للمنظمات الفلسطينية حرية أكبر”. وفي الثامن من الشهر الجاري، قال يوسي يهوشع في “يديعوت أحرونوت” إن الجيش الإسرائيلي “حاول جاهدا هذا الأسبوع تقزيم عملية إطلاق النار التي نفذتها فصائل فلسطينية في وضح النهار من لبنان، والإدعاء بأن هؤلاء هم نشطاء مارقون عملوا من تلقاء أنفسهم”، وكذلك كتب عاموس هرئيل في “هآرتس” قائلاً “على الحدود الشمالية يوجد أحداث أكثر مما يوجد في قطاع غزة، والجيش الإسرائيلي ينسب إطلاق النار إلى تنظيمات فلسطينية تعمل في جنوب لبنان”. من هي هذه المجموعات ومن أين تأتي؟ في السابع من آب/أغسطس الجاري، كتب تال ليف رام في “معاريف” إن اطلاق النار من لبنان تنظمه مجموعات إرهاب محلية تابعة لفصائل فلسطينية تخرج من مخيمات اللاجئين في جنوب لبنان”، وبحسب ألون بن ديفيد في الصحيفة نفسها “يمكن تعريف مطلقي الصواريخ كـعصبة من الفلسطينيين، وليس حتى منظمة، عصابات غير منظمة، تخرج من التجمعات الفلسطينية بالقرب من مدينة صور”، وأما رون بن يشاي فيعتقد كما كتب في “يديعوت احرونوت” في السادس من هذا الشهر “أن مطلقي الصواريخ أعضاء في منظمات فلسطينية صغيرة يأتون من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين القريبة من مدينتي صور وصيدا”. هذا “الجذر المجهول” للمجموعات التي تخرج من المخيمات الفلسطينية، لا  تلتقي حوله التقديرات الإسرائيلية، فنعوم امير، وفقا لمقالة له في “مكور ريشون” مؤرخة في السابع من الشهر الجاري، يقول “هذه المرة كما في الحادثتين السابقتين، اللتين أُطلقت فيهما صواريخ على إسرائيل من لبنان، هذا القصف هو تلميح من تنظيم فلسطيني يتماهى مع حركة حماس، لا تريد حماس التشاجر مع إسرائيل في الجنوب ـ غزة، وفي ظل عدم وجود ردع في الشمال ـ جنوب لبنان، تستعرض حماس عضلاتها وتستغل الوضع”.

لكن التقدير السابق الذكر، يقابله آخر لرون بن يشاي في “يديعوت أحرونوت” حيث يقول “في لبنان يوجد أنصار لحركتي حماس وفتح، وكلهم يريدون إثبات وجودهم، وما يجب أن يُقلق إسرائيل هو أن تفكك الحكم في لبنان يسمح لعناصر فلسطينية متطرفة بإطلاق الصواريخ على الأراضي الإسرائيلية من دون أن يزعجهم أحد، وهذا يجري بوتيرة متعاقبة لم نشهدها منذ عشرة  أعوام”. ـ ثانيا، تكرار إطلاق الصواريخ: إذا كان المستوى الأول من التقديرات الإسرائيلية، يستحضر “العامل الفلسطيني الناشط في جنوبي لبنان”، فالمستوى الثاني للتقديرات عينها، يذهب إلى توقعات ترجح استمرار عمليات إطلاق الصواريخ وتكرارها بين حين وآخر، بل ربما تكثيفها. وفي هذا السياق، أوردت “معاريف” في السابع من هذا الشهر “انه في كل لحظة يمكن أن ينفذ إطلاق نار آخر”، وفي عدد الصحيفة ذاتها وردت مقالة تقول “التقدير هو ان هذا الواقع (الإنهيار اللبناني) يدفع جماعات ارهابية فلسطينية في مخيمات اللاجئين لتشعر بأنها محررة من القيود القديمة، فهي تشعر أن بوسعها إطلاق الصواريخ وتنفيذ عمليات إرهابية اخرى تضعضع الإستقرارعلى الحدود من دون خوف، وأما الصواريخ والوسائل القتالية فلا ينقص وجودها أبدا في جنوبي لبنان، ناهيك عن أنه من أجل تنفيذ اطلاق صواريخ من عيار122 مليمترا، فلا حاجة إلى تأهيل مهني استثنائي”.

وفي المضمون نفسه، كتب يوسي يهوشع في “يديعوت احرونوت” متوقعاً أنه “في موعد ما ستستأنف نار مارقة كهذه أو تلك من لبنان، ويحتمل جدا ألا يلعب الحظ معنا مرة أخرى، مثلما حصل في المرات الأخيرة في إسقاط الصواريخ قرب كريات شمونة، فتقع إصابات، فهل عندها أيضا سيكون الرد احتوائياً”؟ ـ ثالثا، ما العمل؟ السؤال الذي يخلص إليه يوسي يهوشع في “يديعوت أحرونوت” عما إذا كان الرد الإسرائيلي المقبل سيكون “احتوائيا” لعملية إطلاق صواريخ محتملة في المدى المنظور أو المتوسط، تجيب عليه مجموعة من الآراء الإسرائيلية المتعددة، تلتقي عند “ضرورة” المطالبة بوضع خارطة طريق أمنية وعسكرية تأخذ بالإعتبار حضور مستجدات وتحديات لا سابق لها في “جبهة الشمال”. وفي هذا الإطار، كتب تال ليف رام في “معاريف” منبها من أن إسرائيل “لا تملك ترفا في أن تصبح الحدود الشمالية مرة أخرى خط مواجهة عنيفة وغير مستقرة” ويضيف “الفصائل الفلسطينية كانت في هوامش إلانشغال الإستخباري الإسرائيلي، والإستنتاج هو ان التغييرات الأخيرة على طول الحدود، ستستوجب من الجيش الإسرائيلي أن يوجه المزيد من القدرات للتصدي لتلك الحركات الفلسطينية في لبنان”. ما سُبل وطرق “التصدي”؟ الإجابة كما يراها الون بن ديفيد ملقاة على عاتق الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وعلى حد قوله إن “شعبة الإستخبارات في الجيش الإسرائيلي ملزمة، الآن، في أن تفعل ما لم تفعله في السابق، وتستطلع عن الهوية التفصيلية لمطلقي النار، كي يتلقوا علاجا تفصيليا ايضا، ليس بالضرورة ان تكون هذه معالجة صاخبة من الجو، ولكن من يطلق النار على إسرائيل يجب ان يدفع ثمن ذلك”.  وفي تعليقه على الرد على “صواريخ الأربعاء”، كتب يوآف ليمور في “يسرائيل هيوم” في السادس من هذا الشهر “صحيح أن الجيش الإسرائيلي رد، ولكن من المشكوك فيه أن يكون جرى استيعاب الرسالة الإسرائيلية، لقد أثبت مطلقو الصواريخ أنهم لا يتأثرون لا بالقذائف المدفعية ولا بالبلاغة البيانية التي يهدد بها السياسيون. إن السبيل الوحيد لإنهاء القصة هو المس بهم بشكل مركز وفي أقرب وقت ممكن”. في “يديعوت أحرونوت” يذهب رون بن يشاي إلى نقاش أكثر تفصيلا فيقول إن “القصف الفلسطيني على أراضي إسرائيل يضع المؤسسة الأمنية والحكومة في القدس أمام معضلة ليست بسيطة، فالجيش والمؤسسة الأمنية يريدان الإلتزام بكلامهما والتأكيد أن الرد سيكون قويا لردع مطلقي الصواريخ ومن يسيطر على الأرض”، ولكن حيال ذلك ماذا بوسع إسرائيل أن تفعل؟ يستعرض بن يشاي الإحتمالات التالية: 1ـ “إذا ضرب الجيش الإسرائيلي أهدافا داخل مخيمات اللاجئين التي يأتي منها مطلقو القذائف، فإن هذا سيؤدي إلى نتائج غير مرغوب فيها”. 2ـ “إذ جرى ضرب مخيمات اللاجئين الموجودة في عمق الأراضي اللبنانية، سيورطنا أيضا في تصعيد مع حزب الله الذي يعتبر نفسه درعا للبنان”. 3ـ إذا واصل الفلسطينيون قصف الأراضي الإسرائيلية، فيبدو أنه لن يكون هناك مفر من رد إسرائيلي مركز وأكثر تدميرا”. الإحتمال الأخير، لا يبدو خيارا إسرائيليا عاجلا ولا حتى خيار الأمد المتوسط، بالرغم من كونه يشكل مساحة التقاء بين العديد من التقديرات الإسرائيلية، فما يمنع اسرائيل من اللجوء إلى هذا الخيار، هو ما يقوله بن يشاي في الإحتمال الثاني، مضافا إليه عوامل الظروف والمناخات الدولية غير المساعدة على إشعال مزيد من الحرائق في دول الإقليم. كيف ستتصرف إسرائيل؟ يتضح من التقديرات الإسرائيلية، أن النشاط الفلسطيني المسلح في لبنان، عاد ليشكل هاجسا أمنيا وعسكريا لا يُستهان به، وبناء عليه، فالجهد الأمني الإسرائيلي حيال ذاك النشاط، وإستنادا إلى ما تقوله الصحف العبرية، سيشهد تكثيفا يدفع به من الهامش، كما تقول “معاريف”، إلى المتن، تماما كما هي وقائع الأحوال مع حزب الله. يبقى سؤال أخير: هل يمكن أن تلجأ إسرائيل إلى قصف المخيمات الفلسطينية في جنوب لبنان؟ هناك إجاباتان إسرائيليتان، واحدة تقول إن إسرائيل مردوعة، والثانية تسأل أكثر مما تجيب كما هي حال “يديعوت احرونوت”: ماذا لو سقطت إصابات في المستوطنات الإسرائيلية؟ عمليا، لا إجابة إسرائيلية قاطعة. هناك سؤال اسرائيلي واضح: ما العمل مع النشاط الفلسطيني المسلح في لبنان؟

 180Post :المصدر