مفهوم القيادة السامة


 يُمكن لأي شخص أن يمسك الدفة عندما يكون البحر هادئاً. بابليليوس سيروس 
 عندما نفكر في انماط مختلفة من القادة يتبادر إلى الأذهان صور لقادة نجحوا في قيادة أممهم في ظروف صعبة، وآخرين فشلوا في إدارة أزمة تعرضت لها الأمة أو المؤسسة في وقت ما أدت الى انهيارها. ومن مراجعة مخزون الذاكرة عن هؤلاء القادة، فمن الوارد أن يتم تصنيفهم إلى قادة جيدين وقادة سيئين، قادة نتخذهم قدوة، وقادة عدهم التأريخ نقطة سوداء في وقائعه.
 قد نواجه في مرحلة من مراحل حياتنا قائداً يجعلنا نشعر بالفخر، يدعم طموحاتنا ويعزز قدراتنا على الإبداع ، و ربما نواجه أحيانا خلال مسيرتنا العملية او العلمية رئيساً أعلى قد يجعلنا نشعر بالإحباط و اليأس وعدم القدرة على التعامل مع أبسط الأمور. إذن هي القيادة، ما لها وما عليها، بجوانبها المضيئة واخفاقاتها العتماء، بأنماطها وصفاتها وخصائصها!
هناك العديد من انماط القيادة التي نستطيع من خلال التعرف على صفاتها معرفة نوع القائد الذي نتعامل معه. قد يتسائل البعض عن ما إذا كنا سنتناول شرحاً وافياً عن مفهومين مختلفين تماماً هما القيادة والإدارة لما لكليهما من ارتباط وثيق في بيئة العمل و مواقع المسؤولية العليا، الا أن الغاية من كتابة هذه السطور هي معرفة بعض أساليب القيادة التي ليست دائما ما تكون واضحة. 
للقيادة معاني مختلفة، لأُناس مختلفين، في مواقف مختلفة. فعلى سبيل المثال يمكن أن يتعلق الامر بقيادة المجتمع أو القيادة السياسية أو الدينية أو الاقتصادية أو العسكرية أو قيادة مجموعة ما أو فريق ما لإنجاز مهمة ما.
تُعرِّف "ماري برات" القيادة على أنها "قدرة الفرد أو مجموعة من الأفراد على التأثير وتوجيه التابعين او أعضاء المؤسسة للوصول لهدف معين". حيث تتضمن القيادة اتخاذ قرارات قد تكون صعبة ومصيرية، وأنشاء رؤية واضحة والتعبير عنها ووضع أهداف قابلة للتحقيق و تزويد المرؤوسين والتابعين بالمعرفة و الأدوات اللازمة لتحقيق تلك الاهداف.
لابد للقيادة من مُمارسٍ لها، يمتلك القدرة على التأثير وقيادة الجمع. فالقادة المؤثرون يتمتعون بالثقة بالنفس، التواصل الفعال، القدرات الإدارية، التفكير الإبداعي والمبتكر، المثابرة في مواجهة التحديات، الاستعداد للمغامرة واستثمار الفرص، الانفتاح على التغيير، رباطة الجأش، والاستجابة في أوقات الأزمات. أما القادة العظماء فهم من يضعون الرؤية الاستراتيجية ليعبروا بمعيتهم للطرف الآخر لتحقيق ما يسعون له من امن واستقرار وازدهار.
وفي سبيل تحقيق ذلك، هناك العديد من انماط القيادة التي بدراستها ستتضح لنا صفات القائد وسلوكه. كالقيادة التحويلية والقيادة الكاريزمية و القيادة الديمقراطية و القيادة الاوتوقراطية، وغيرها من الأنماط التي لسنا في معرض الحديث عن صفاتها الآن وما لها وما عليها والية التعاطي مع كل منها الا أن الغاية من وراء كتابة هذا المقال هو تبيان الجوانب الأخرى أو الوجه الآخر لنمط قيادي له ارتدادات وآثار سلبية كبيرة على أداء أعضاء الفريق او المؤسسة أو حتى الأمة، إلا وهي "القيادة السامة".
في كتابه "جاذبية القادة السامين: لماذا نتبع الرؤساء المدمرين والسياسيين الفاسدين وكيف يمكننا النجاة منهم"، يعرف جان ليبمان القيادة السامة بأنها " سلوك مدمر وخصائص شخصية مختلة و تأثير سلبي على بيئة العمل في المؤسسة".
ويعرف ستيل 2011، القادة السامون بأنهم " شخصيات تركز على إنجاز مهمة ما على المدى القصير، فهم يوفرون للرؤساء صورة رائعة وإستجابات متحمسة للمهام، لكنهم غير مهتمين وغافلين عن الروح المعنوية للموظفين او المرؤوسين أو المقاتلين. يُنظر لهم دائماً من قبل المرؤوسين على أنهم متعجرفون، تافهون، غير مرنين، يخدمون انفسهم فقط".
تُدمر القيادة السامة أعضاء الفريق و بيئة العمل بشكل عام، حيث تُستخدم السلطة بأنانية  من قبل القائد. وفي ظل القيادة السامة يكون من الصعب الإبداع والازدهار، الأمر الذي سيؤثر سلباً على أداء الفريق وإنتاجيته ومعنوياته.
تشتمل بعض الصفات السلبية التي تُكوّن شخصية القائد السام على:
•    كثرة الخداع والكذب وعدم اتساق التوقعات، حيث تسبب عدم الأمانة في مكان العمل ضررا كبيراً، وذلك بسبب صعوبة التوصل إلى الحقيقة. فالقادة السامون يضعون أهدافاً غير مدروسة وغير مخطط لها وغير قابلة للتطبيق، يربكون بها مرؤوسيهم ويشغلونهم عبثاً. 
•     عدم إيلاء التعليقات والنقد البناء اي اهتمام يُذكر، حيث أن لكل شخص قدرة على النمو والتطور، إلا القادة السيئون الذين يرفضون الاستماع إلى التغذية الراجعة.
•    الغطرسة والتعالي، عادة ما يعتقد القادة السامون أنهم دائماً على حق، ولهذا يواجهون صعوبة في الاستماع إلى الرأي الآخر. فهم يريدون من أعضاء الفريق قبول ما يقولونه دون سؤال، ولا يريدون تصحيح المسار أو القرار غير الصائب.
•    سرعة الانفعال، يتضايق القادة السامون من أي شيء، نظرا لأنهم ليسوا منفتحين على آراء وأفكار أخرى، فإنهم يحتقرون طرح الأسئلة و يتجنبونها قدر الإمكان.
•    النمطية ومقاومة التغيير، يخشى القادة السامون من التغيير، حيث أنهم غير مرنين ومن الصعب إقناعهم لإحداث أي تغيير في نمط الأداء بشكل عام أو جزئي.
•    التمسك بالهرمية، حيث تذبل القيادة السامة وتهلك بدون إطار صارم للتسلسل الهرمي. فغالباً ما يحكم القائد السام سيطرته على أعضاء الفريق من خلال استخدام التسلسل الهرمي و الأقدمية، الأمر الذي سيحد من قدرة المبدعين من أعضاء الفريق على التقدم في مشاريع وأفكار بناءة، وسيمنعهم من فرصة اتخاذ القرار كونها تتحدى سيطرته الهيكلية.
•    انعدام الثقة بالنفس، على الرغم من أن القائد السام يبدو وكأنه يتصرف بثقه عالية إلا أنه يجد صعوبة بالغة في الوثوق بأعضاء الفريق وعادة ما يحاول تحييد الطموحين والمجتهدين منهم ومنعهم من تحقيق النجاح. حيث يعتقد القائد السام أن بروز أي عضو من أعضاء فريقه سيقلل من مكانته، في حين أن نجاح أي عضو من أعضاء الفريق يستوجب الدعم والمساندة، لانه نجاح للمؤسسة في المقام الأول و للقائد نفسه كونه الرئيس الأعلى للمؤسسة اولاً ولكون " القائد هو من يصنع قاده لا تُبع".  

لعل ما تم ذكره أعلاه من صفات هي بشكل عام تعطي انطباعاً جزئياً، إن لم نقل كُلياً، عن سلوك القائد السام. كما أن الدراسات والبحوث الحديثة، فضلاً عن التجارب الشخصية، ستبلور بشكل لا شك فيه، رؤية واضحة عن تلك الشخصية المؤثرة بشكل سلبي على مجمل قطاعات الحياة، والتي تتطلب مهارات خاصة في التعامل معها قد لا يسع المجال لذكرها الآن، إلا أننا سنحرص على إيجازها في مقال آخر، لما لها من أهمية في بناء الذات وتعزيز القدرات ومواجهة التحديات.