الانتخابات اللبنانية… استراتيجيات تؤسس لمرحلة انتقالية جديدة.


طوى لبنان مشهد الانتخابات النيابية، مع تبدلات سياسية تُنبئ بمرحلة تختلف في المضمون والأهداف عن المرحلة السابقة، فالواقع يؤكد بأن هذا الاستحقاق الذي شهده لبنان، احتوت مشاهده على ما يُمكن تسميته بانقلاب المشهد السياسي، وتغيرات ستطال القوى الداخلية. كل ذلك تؤطره تساؤلات تتمحور حول إمكانية الانتقال بـ لبنان، من مشاهد الفوضى السياسية والاقتصادية، إلى مرحلة التوافقات التي تُفضي إلى توافقات سياسية و”بحبوحة” اقتصادية.
ما ميّز الاستحقاق الانتخابي في لبنان، هو التراجع الواضح لحلفاء حزب الله، الأمر الذي طرح جُملة من التساؤلات، حيال مستقبل الحزب وشركاؤه السياسيين، لكن وبنظرة موضوعية، يمكن القول بأن السبب الرئيس لتراجع حلفاء الحزب، تحكمه ظروف موضوعية، جراء التطورات التي حصلت في السنوات الأخيرة، مع بروز قوى سياسية جديدة، رفعت شعار التغيير، وبالتالي، لا يمكن القول بأن تراجع حلفاء الحزب ضمن سياق الانتخابات النيابية، يُعد انقلاباً على الحزب وحلفاؤه في لبنان، ولكن كل ذلك، يُعد أمراً طبيعياً في أي استحقاق سياسي، يحتوي تراجع قوى، وتعزيز قوى أُخرى مواقعها.
في المقابل، يُمكن القول بأن أحد أهم أسباب تراجع بعض حلفاء حزب الله في لبنان، يعود إلى الحملات الممنهجة التي شُنت ضد الحزب وشركاؤه السياسيين، مع بروز قوى ما يُسمى المجتمع المدني وقوى التغيير، والتي نجحت جراء التجيّش الشعبي، بالحصول على بعض المقاعد النيابية.
وبالنظر إلى هذه التطورات، يُمكن رصد أبرز المشاهد التي سبقت الانتخابات، والتي تمثلت بالأزمة الاقتصادية المتفشية والتوترات السياسية، فقد عاني اللبنانيين من نظام الحكم في بيروت، الأمر الذي تُرجم في جانب أخر، بنسبة مشاركة شعبية بلغت 41%.

واستناداً إلى نتائج الانتخابات النيابية، فإنه من الواضح أن الثنائي الشيعي، حافظ على مواقعه وتحديداً في المناطق الجنوبية، والجانب الأخر، أن هناك شخصيات مستقلة تربطها علاقات جيدة مع الثنائي الشيعي، أيضاً تمكنت من دخول المجلس النيابي، لكن ضمن ذلك، أنه في مناطق الجنوب المهمة والحساسة، والتي كانت بالغة الأهمية بالنسبة لتيار المقاومة، نجح حزب الله وأمل في الفوز بأصوات الشعب.
وبنظرة موضوعية، فإن تحالف قوى 8 آذار، حصل على موقع أفضل من ذي قبل، وذلك وفق النتائج المعلنة، فإذا أخذنا بعين الاعتبار مجموعة الانتخابات اللبنانية، نرى أن عدداً من مقاعد كل التيارات قد وصل إلى المستقلين. وتنطبق هذه القاعدة على كل من حركة أمل وحزب الله، وعلى الكتل والتيارات الموالية للغرب مثل تيار المستقبل. عادةً التصويت للمستقلين يعني خسارة عدد من المقاعد للكتل والتيارات الأخرى. وفي مثل هذا الوضع، من المهم الإشارة إلى أن بعض المقاعد التي تزعم بعض التيارات الموالية للغرب أن المقاومة قد فقدتها، تخص حلفاء حزب الله وحركة أمل وليس نفس المرشحين من قبل هذين التيارين.
وبالتالي، يُمكن اعتبار أن نتائج الانتخابات اللبنانية، كانت ايجابية، وكل الدلائل تُشير إلى أن المقاومة وحلفاءها ما زالوا يتمتعون بالأغلبية في البرلمان، لكن تجدر الإشارة إلى أن حصة كل تيار وكتلة في الانتخابات اللبنانية واضحة ومحددة، وأن تياراً يعتبر نفسه منتصراً والآخر مهزوماً لا وجه له ولا صحة”.

جملة ما سبق، وبخلاف رؤية الكثيرين للمشهد السياسي القادم في لبنان، فإنه يُمكننا التأكيد، على أنه لا يُمكن إبعاد قوى المقاومة في لبنان، عن مشهد تشكيل الحكومة الجديدة، بعد إعلان نتائج الانتخابات النيابية، وهنا تجدر الإشارة، إلى ما قاله النائب محمد رعد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة، لجهة قبولهم التعايش مع التيارات الأخرى، ويقبلون في الوقت نفسه وجود بعض الخلافات بينهم؛ فهم يؤمنون بفكرة الوحدة والتعاون.
وعليه، فإن الحقيقة التي لا لبس فيها، تؤكد بأن قوى المقاومة في لبنان، لن تسمح إطلاقاً بالذهاب نحو المشاريع الغربية والأمريكية، والتي تحاول بعض القوى التي فازت في الانتخابات، بالتسويق لها، وكذا فإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال، تشكيل حكومة جديدة، دون مشاركة قوى المقاومة، فعلى الرغم من كل الدعم المالي السعودي للنواب المفضلين، لكن ثمة نقطة غاية في الأهمية، هي أن جميع الأطراف قد توصلت إلى نتيجة مفادها بأن تشكيل الحكومة لن يكون ممكناً من دون موافقة تيار المقاومة. وفي الواقع، تم قبول حزب الله وحركة أمل كجزء من الواقع السياسي اللبناني. وبشكل عام، فإن تشكيل حكومة بحضور وموافقة جميع التيارات، لا يزال يبدو السيناريو الأكثر احتمالاً لتشكيل الحكومة الجديدة.