الحراك التركي- العربي- الاسرائيلي: تنافس مع النفوذ الإيراني.. وملء للفراغ الاميركي


هو تنافس على تَرِكة أميركا في المنطقة ،وهو تنافس على النفوذ في المنطقة وعلى مساحة الفراغ السياسي ، الذي ( واقصد الفراغ ) حدثَ وسيتفاقم جرّاء خروج أميركا من المنطقة .
 هذا التنافس هو الذي يفسّر التحّولات و التحرّكات السياسيّة التي تعيشها دول المنطقة ،ومنها التوجّه و الانفتاح التركي نحو المملكة العربية السعودية ونحو مصر وكذلك تجاه الامارات ، وهو ايضاً يُفّسر اللقاءات والقمم العربية الاسرائيلية ، والتي انعقدت في شرم الشيخ وفي النقب.
ادركت الآن دول المنطقة، وخاصة تلك التي امنها جزءٌ من الامن القومي الأميركي ، واقصد الدول الخليجية وكذلك الكيان الاسرائيلي ،حقيقتّين : الاولى هو نفوذ ايران وقدراتها  في المنطقة، والحقيقة الثانية هو انحسار الدور الأميركي من المنطقة ، وتفرغها للشأن الروسي والصيني .
 للقاءات التركية الخليجية الاسرائلية اهداف اقتصادية  واخرى ، ولكن صُلبها و جوهرها هو التجمّع ، رغم بعض الخلافات ، حول مشترك واحد وهو خلق توازن  سياسي وعسكري مع قوّة ايران الاقليمية و الدولية ؛ قوّة تستمدُ معينها من مصدرين : الاول هو قدرات ايران في جغرافيتها و مواردها الطبيعية  والبشرية و ما حققّته من تطورات  واستقرار سياسي رغم العقوبات والتحديات الاقتصادية الكبيرة ،والمصدر الثاني ،والذي لا يقل اهمية عن الأول، هو علاقات ايران الاستراتيجية مع روسيا  ومع الصين . وهي علاقات في درجة تحالف استراتيجي مع قوى صاعدة وفي طريقها نحو الهيمنة على العالم اقتصادياً وسياسياً ، بخلاف أميركا ،والتي تواجه تدهورا ذاتيا وتذمّر اصدقائها وحلفائها في المنطقة .
من الخطأ الظّن بأنَّ هدف الحراك التركي السعودي او الخليجي الاسرائيلي هو مواجهة ايران او مسعى لعدائها . الهدف هو ،كما ذكرت اعلاه ، هو خلق حالة من التوازن في المنطقة ؛  والنوايا في المواجهة والعداء هي غير النوايا في ايجاد توازن في العلاقة لغرض العيش المشترك رغم الاختلاف و الخلاف .
ليس لاطراف الحراك التركي والخليجي ، و لا لايران ايّ مصلحة في المواجهة  والاستعداء ، جميعهم يدركون هذه الحقيقة ، بل ويعملون على ترسيخها ، ولربما اطراف الحراك ( تركيا و الامارات ) يكبحون عدوانية الكيان الاسرائيلي تجاه ايران ،حرصاً على امن و مصالح الامارات و الخليج بصورة عامة .
 ما يهّمُ تركيا في الوقت الحاضر هو الحفاظ على نظامها السياسي والاقتصادي والنقدي من التصدّع و الانهيار ، وحرص الرئيس اوردغان على الاستمرار في قيادة تركيا .
لم يعُدْ نفوذ تركيا في المنطقة ، ولا الاخوان المسلمين ، و لا حركة حماس وفلسطين من أولويات الرئيس اوردغان ، و خاصة بعد فشل الرهان على مرحلة الربيع العربي وعلى الجماعات المسلحة والارهابية وعلى نهج تغيير النظام في سوريا.
تحاول تركيا اليوم ،من خلال سعيها لاعادة العلاقات مع الامارات و مع السعودية و مع مصر ، وبشروط تلك الدول ، وخاصة مصر ، الخروج اقتصادياً وسياسياً من عنق الزجاجة . وتحاول ايضاً العودة الى تطبيق مبدأ “تصفير المشاكل” ، والذي تبناه وزير خارجية تركيا الاسبق ، قبل اكثر من عقد من الزمن ، لكن من دون تطبيقه .
 ابتدأت تركيا في نهج تحسين علاقاتها مع الامارات والسعودية ومصر و الكيان المحتل قبل سوريا لسببيّن؛ الاول هو حاجة تركيا لتلك الدول حاجة اقتصادية و سياسيّة ، و السبب الثاني هو حجم وتشّعب الاشتباك التركي السوري ،ما يتطلب امر حلّ عقدهِ وقتاً وجهداً .
و لا نعلم ما اذا دولة الامارات العربية المتحدة او جمهورية مصر العربية قد طلبت من تركيا انسحابها من الاراضي السورية او احترام سيادة الدولة السوريّة ،او على الاقل ، بدء تركيا بعض الاجراءات الدالّة على توجّه حقيقي للانسحاب من سوريا  واحترام السيادة السوريّة.
تشعرُ دول الحراك التركي الخليجي الاسرائيلي وخاصة اسرائيل ، انها ” أُخذتْ على حين غرّة ” ، وخسرت وقتاً طويلاً في الرهان على السلم الأميركي من اجل تحجيم دور ونفوذ وقدرة ايران ، واذا بهذه الدول تجدُ أن ايران تحافظ (ان لم نقلْ تضاعف) على قدراتها وعلى تطوير علاقاتها مع الامارات ومع تركيا وتشرعُ في علاقاتها مع المملكة العربية السعودية ،وحتى مع أميركا .
إنسحاب أميركا سياسياً من المنطقة وتدوير بوصلة اهتماماتها نحو الصين و آسيا  وروسيا، وعوامل اخرى ،جميعها ستساهم في استتاب امن  واستقرار المنطقة و سيُحدُ من غطرسة وعنجهيّة اسرائيل وتهديداتها بالهجوم على ايران او على لبنان .
والعلاقات الاسرائيلية التركية والخليجية و العربية (مصر ،الاردن ،المغرب) ستكون بمثابة غطاء سياسي ومعنوي لاسرائيل بعد تعرّيها عن غطائها الأميركي .
الحراك التركي الخليجي الاسرائيلي ليس لخلق ناتو شرق اوسطي اوعربي ضّدَ ايران او لشّن حرب على ايران ، وانما لخلق توازن نفوذ مع ايران.