السودان بلد الألماس والمآسي


ثنائية العسكر والمدنيين. هكذا هم القادة العرب كأخوة يوسف يتعشون سوية ويأكلون من ماعون واحد  ويتبادلون الوعود والعهود وفي نفس الليلة كل منهم يحرك قواته ليغدر بالآخر طمعا في الكرسي إنه العشاء الأخير  ومن سيدفع ثمن الحرب سوى المواطن الفقير فمابين ليلة وضحاها يتحول الاختلاف إلى خلاف ليتدفق نهر الدم ويزداد الفقير فقرا وبؤسا وشقاء ويهرب من يسعفه الحظ ليصبح نازحا في بلده أو في بلد ثان بحثا عن الأمان. 
 السودان  ٨٠ مليون هتكار صالحة للزراعة غير مستغلة و١٥٠ مليون رأس من الماشية وثالث مصدر للنفط في افريقيا وثالث منتج للذهب في افريقيا نصف الذهب المستخرج تسرقه عصابات ومافيات دولية مرتبطة بمخابرات دول عظمى تسيطر على البلدان الفقيرة عن طريق تغذية المشاكل وايقاد نار الفتن  وهناك يورانيوم ونيكل وحديد ونحاس السودان بلد الحضارة  متنوع الاعراق سكانه  يتحدثون  ١١٤ لغة اصلية وأكثر من ٤٠٠ لهجة هذا التمايز كان المفروض ان يكون سببا في ازدهاره
 السودان بلد عربي حباه الله بخيرات لم تتوفر لأي بلد في الكون فموقع جغرافي مميز ومساحة كبيرة وحدود مترامية الاطراف  ومياه عذبة وأراض صالحة للزراعة وثروات طبيعية ومؤهلات بشرية لو وحاله حال كثير من البلدان العربية لو وصل لسدة الحكم وطني شريف لجعله بلدا يعيش أهله بسعادة ورخاء .
هذا البلد الغني بخيراته كان عرضة لمؤمرات خطيرة فبلد غني وشعب فقير تتيجة الأنانية وحكم العسكر الذي سيطر على مقاليد الحكم منذ استقلال السودان عن مصر عام ١٩٥٦ وانتشار السلاح وفوضى مخطط لها وتدخل كبير لدول عظمى وصراعات من اجل السيطرة وسرقة مقدرات الشعب السوداني.
وكانت هناك اسباب كثيرة مثل الفقر والبطالة ونقص الخدمات سببا للثورة و سقوط البشير وبعد البشير  حدث ما لم يحمد عقباه فالعسكر حاولوا جاهداين عدم تسليم الامور لحكومة مدنية ونتيجة الصراعات التي تحركها مخابرات دول اشعلت نار الفتنة بين حليفين كانا يشكلان جبهة واحدة لمحاربة ما تبقى من نظام البشير وهما اصدقاء الأمس أعداء اليوم قائد الجيش عبد الفتحان البرهان وقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو الملقب حميدتي اللذان استطاعا أن يهمشا دور حمدوق والطامة الكبرى أن كلا القائدين له علاقات وثيقة فالبرهان مدعوم من أمريكا ومن مصر بينما حميدتي مدعوم صهيونيا وأيضا من روسيا وأمريكا تعمل جاهدة لالحاق الهزيمة بحميدتي حتى تحرم الروس من بناء قاعدة لهم في السودان كما أن كلا الطرفين يحاولان ازاحة الآخر والهرولة للارتماء في حضن الكيان الصهيوني واعلان التطبيع معه ظنا منهم ان التطبيع سيكون الحل لكل مشاكل السودان الداحلية والخارجية  واليوم المعارك مستمرة بين الطرفين ونتيجة الانفلات الامني والحرب الدائرة فقد تم تحرير السجناء بينهم الرئيس السابق  وتحرير سجناء هم اعتى مجرمي وقادة داعش والحدود المفتوحة ستمنح هؤلاء الحرية في الوصول لأي مكان يريدونه علما أن السودان لديها حدود مشتركةمع  بلدان عربية وافريقية. 
 الهاربون من السجون سيشكلون الخطر الأكبر إذا ما تم نقلهم لمناطق الصراع شرق سوريا حيث الوجود الداعشي الذي  ترعاه امريكا والكيان الصهيوني وتركيا والذي يهدد سوريا والعراق والمنطقة ولابد ان نحذر الحكومة العراقية من مراقبة الحدود والحيطة والحذر وتفعيل الجهد الاستخباري فهناك من سيحاول هروب سجناء القاعدة وداعش لتجنيدهم ضد العراق وقد اثبتت التجربة السابقة ان داعش في العراق اختلف عن داعش في باقي البلدان حيث ان الدواعش في العراق يكونون هم الأمراء ويستغلون بعض الخونة وضعاف النفوس ليكونوا مضافات وخلايا نائمة تستخدم الهجوم على القطعات العسكرية وتضرب وتهرب على طريقة الذئاب المنفردة ولابد ايضا من توخي الحذر وتشديد الرقابة الأمنية حول البعثات العراقية العاملة في افريقيا واوربا تحديدا بعد هذا الهروب الجماعي فهروب سجناء ابو غريب اوجد داعش وهروب سجناء السودان سيستغل لتقوية داعش او ظهور حركة متطوفة أخرى ستهدد العراق خصوصا والوطن العربي عموما. وعليه لابد من تبادل المعلومات الاستخبارية وتوجيه ضربات استباقية قبل ان يتم تجميع هؤلاء واستخدامهم لعمليات انتحارية او تخريبية ولابد من تفعيل الجهد الاستخباري في جميع المنافذ الحدودية الرسمية وعةغير الرسمية والتدقيق في هويات العرب والاجانب خاصة القادمين عن طريق الأقليم لوجود منافذ حدودية غير رسمية يتم استغلالها في اختراق الحدود وتشديد الرقابة في الحدود العراقية السورية والسعودية. 
 منذ فترة بعيدة سيطر العسكر على المشهد السوداني وجعله اداة طيعة بيد الاحزاب المتناحرة على السلطة  فمنذ عقود  والحكومات السودانية هي حكومات يرأسها عسكر وصلوا للسلطة عن طريق انقلابات عسكرية. 
فشل العسكر في حكم السودان وخلق الاعداء فاجبار جنوب السودان على دخول الاسلام والتحدث باللغة العربية والفقر ونقص الخدمات والتهميش كان سببا في ثورة الجنوب الذي كلف السودان والثوار خسائر بشرية ومادية جسيمة انتهت بانفصال جنوب السودان عن السودان حيث يوجد فيه٧٥٪  من النفط عرض الاقتصاد السوداني لأزمة اقتصادية حقيقية وفي زمن سابق تم دعم الافارقة المتواجدين في دارفور غرب السودان وتسليحهم وتشكيل حركات متمردة ترفع شعار العدل والمساواة مع العرب في نفس المنطقة ولكن حقيقة الأمر أن دارفور هي منطقة غنية بالذهب  وهناك دول كامريكا وفرنسا تحاول جاهدة السيطرة على تلك المنطقة من اجل نهب تلك الثروات وجعل تلك المنطقة منطقة صراع دائم ولا ننسى ان عمر البشير انشأ حركة الجنجويد من عشائر عربية التي اصبح قائدها فيما بعد حميدتي الذي كان تاجر أبل ومن ثم اصبح تاجرا للذهب وسيطر على المناجم الموجودة في منطقة جبل عامر   للوقوف بوجه الحركات المتمردة كالعدل والمساواة وحركة تحرير السودان وعندما نجح في القضاء على التمرد قرر البشير ضم تلك المليشيات الى الجيش السوداني تحت مسمى الدعم السريع.
عدد مقاتلي  الدعم السريع وصل إلى ١٠٠ ألف مقاتل وهذه القوات منفصلة بشكل كامل عن الجيش السوداني وأصبحت جيش موازي للجيش الرسمي.
لنبحث عن سبب الصراع ما بين الجيش والدعم السريع مابعد ثورة التي اطاحت بعمر البشير ٢٠١٩ فعندما استلم وزير الدفاع البرهان قيادة المجلس العسكري أصبح نائبه حميدتي وتم تشكيل المجلس العسكري والذين وعدوا انهم سيديرون الوضع لمدة سنتين  ولكن الثوار طالبوا بتسليم السلطة للمددنيين وفي عام ٢٠١٩ كانت هناك مجزرة  القيادة العامة التي راح ضحيتها ٦٦ من السودانيين وبعد ذلك تم الاتفاق على تشكيل  مجلس سيادي يضم ١١ شخص ٦ من المدنيين وه من العسكر كان البرهان رئيسا للمجلس وحميدتي نائب له. وفي عام ٢٠٢٢ تم الاتفاق مابين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير على الاتفاق سمي الاتفاق الاطاري وبموجبه يتم تسليم السلطة للمدنيين بعد عامين وتم الاتفاق على دمج الدعم السريع مع الجيش السوداني ليصبح جزءا من الجيش السوداني تحت قيادة واحدة ثم ظهرت الخلافات مابين القائدين نتيجة قرار  دمج الدعم ومحاولة حميدتي دمج الدعم بعد ١٠ سنوات حتى لايخسر سلطته والامتيازات التي يتمتع بها حيث كان حميدتي يعتبر نفسه قائدا لايقل أهمبة عن البرهان له علاقات برؤساء دول  واتهم البرهان بمحاولة السيطرة على الحكم وبعد فترة اصبح تبادل الاتهامات ما بين الطرفين واضحا جدا وراح حميدتي ينقل جنوده ومعداته العسكرية  إلى دارفور والخرطوم في مناطق مهمة وحساسة وحيوية فيما صرح البرهان انه  سيتصدى لأي محاولة لشق صف الجيش السوداني ومن الغريب أن يكون العشاء الأخير الذي جمع البرهان وحميدتي في منزل قائد كبير في الجيش السوداني عشاء يتناول فيه العدوين اللدودين العشاءفيما تتحرك قواتهم لانقضاض احدهم على الآخر وبعد ذلك كانت هناك مواجهات ما بين القوتين أعلن فيها البرهان بحل قوات الدعم السريع لكنها رفضت القرار وسيطرت على القصر الجمهوري ومبنى الاذاعة والتلفزيون ومطار مروي و٩٠٪ من الخرطوم  وأعلن انه لن يتوقف حتى يقبض على البرهان ومحاكمته نتبجة تفرده بالسلطة فيما أعلن الجيش السوداني سيطرته على مطار مروي وقوات الدعم لدى سيطرتها على مطار مروي احتجزت  قوات مصرية وطائرات عسكرية مصرية كانت تدرب القوات السودانية ونتيجة ذلك دخلت مصر الحرب وراحت تقصف قوات الدعم السريع نصرة للجيش السوداني ومن أجل تحرير القوات المصرية المحتجزة لدى قوات الدعم وفي هذه الاثناء أعلن الجيش السوداني أنه يسيطر على اغلب المؤسسات في الخرطوم ولا ننسى ان هناك  اطراف خارجية تدعم الطرفين حفاظا على مصالحهم فالاقتتال السوداني يجعلها في مأمن وهي تنهب الذهب واليورانيوم دونما رقيب. 
معظم المعارك الدائرة هي في الخرطوم التي  تتكون من ثلاث اقسام هي الخرطوم بحري وام درمان والخرطوم وهناك منطقة تدور فيها معارك طاحنة وهي منطقة ملتقى النيل الابيض والازرق حيث المطار والقصر الرئاسي والوزارات وقوات الدعم  تتواجد  حول مطار الخرطوم  وتتمركز قوات الجيش ايضا قرب مقر القيادة العامة وقرب المطار وبعد مناشدات كثيرة تم الاتفاق على هدنة لايقاف اطلاق النار تخترق من هذا الجانب او ذاك.
لابد من الاستفادة من التجربة السودانية ولابد للقوى السياسية أن تتوحد وتعزز اواصر الوحدة وتلجأ إلى طاولة الحوار ورص الصفوف وعدم السماح لأي جهة خارجية التدخل في الشأن الداخلي فالصارع من أجل خدمة المواطن أسمى واجل من الصراع من أجل الكرسي ونبذ العنف والابتعاد عن الأنانية وتقديم خدمة المجتمع على المصالح الشخصية والحزبية هو الحل الأمثل لكسب ود الشارع والفوز بتأييده.