هل تهزم ايران وينتهي دور حلفائها بالمنطقة
النظام العميق او ما اسميه السيستم في لعبة الأمم، وضع نظاما معقدا للغاية، حيث رسم سياسة العالم من أمريكا حتى فلسطين،
خلق للصين تهديدا اسمه الهند وخلق للهند عدوا اسمه باكستان، وصنع عند حدود باكستان محرقة كبرى اسمها أفغانستان، وعند حدود أفغانستان السنية المتطرفة توجد إيران الشيعية، إيران تتقدم وتتطور وأفغانستان تغرق بالتاريخ، فلا يلتقيان، وان كانت باكستان السنية نووية فحتما سيكون هناك ايران الشيعية النووية، رغما عن العالم برمته، وفي المقلب الاخر روسيا التي كانت قيصرية وانهارت 1917، ثم أصبحت الاتحاد السوفياتي وأيضا تفككت 1991، واليوم روسيا الاتحادية وغدا تتغير.
وفي العالم العربي، فصلت مصر عن السودان فلا مصر اكتمل تكوينها الإنتاجي لاكتفاء ذاتي، ولا السودان تطور واستفاد رغم ان خيراته تطعم وتسقي وتكفي المشرق العربي، والاثنين يحتاجان المعونات، وشعوبهما يجوبان العالم بحثا عن فرص العمل، وفي ليبيا نفط كالبحر، فلا دخل العالم العربي ولا خرج من القرن الافريقي، وفي الختام ذهب الى فرنسا.
وفي شبه الجزيرة العربية، أمم أصبحت مستعربة فالتجنيس تجاوز ال 65 بالمائة من بلدان اسيوية، فلا الاسيوي اصبح عربي ولا العربي عرف ان يخلق نظاما سياسيا سياديا يدمج فيه المجنسين كمواطنين، (كما يحصل في أوروبا وكندا وامريكا، الذي ممكن فيه ان يصبح الافريقي رئيس والعربي عضوا بالكونغرس)، حيث سيطرت الطبقية العائلية على النظام السياسي، والطبقية الاجتماعية على المجتمع، مما حول المجنس الى مستفيد دون ولاء، وافقد شبه الجزيرة العربية المواطنة، وبالرغم من خيرات شبه الجزيرة العربية، الا انها مقسمة الى امارات وممالك لا يكتمل توحيدها او يتكامل امنها واستقرارها، مما حولها الى دول تدفع تسعون بالمائة من انتاجها للغرب من اجل حمايتها، لذلك الغرب مستفيد ان تبقى الدول في شبه الجزيرة العربية بصراع مع ايران، ولكن بحال توقفت هذه الدول عن الدفع تعمها الفوضى وتتفكك وتضمحل، وهذا ما قاله ترامب صراحة، قلت للعاهل السعودي إنه لن يبقى في السلطة "لأسبوعين" دون دعم أمريكي، لذلك الفرق كبير بين قوة ايران النابعة من داخلها، وبين قوة مجلس التعاون الخليجي الذي يعتمد على الغرب.
وفي العراق نفط وماء وتاريخ، فأشعلت فيه الحروب، منذ تكوينه حتى اليوم، ثم قسم، وبعد تقسيمه، سرق النفط ونهب التاريخ وهدرت المياه والثروات.
اما سوريا التاريخية، فقسمها سايكس بيكو، دول وجغرافيا، وضمن الجغرافيا الواحدة عدة طوائف، وكل طائفة تحسب نفسها امة.
ولان نسبة الوعي اكبر في هذه الجغرافيا، زرع بينهم كيان سرطاني اسمه إسرائيل كي لا تستقر المنطقة.
بالمقابل أبقى النظام العميق أوروبا كما هي وامريكا كما هي وبريطانيا كما هي.
وكي يستمر هذا العالم كما مرسوم له، بحاجة الى ميزان او ما يعرف بشرطي العالم، فكانت بريطانيا الشرطي الأول وبعد انتهاء دورها عينت مكانها الولايات المتحدة الامريكية، وهي أيضا عندما ينتهي دورها يأتي النظام العالمي بشرطي جديد.
وأيضا في الولايات المتحدة قسمت الأدوار، بين حزبين أولهما الجمهوري، والثاني الديمقراطي، وكل بقعة بالعالم لها فريق متكامل تابع لحزب ينفذ سياسة يتبعها أحد الأحزاب.
وهنا أتكلم عن الشرق الأوسط فان:
دور الحزب الجمهوري هو دعم الاكثريات، بالمنطقة العربية والإسلامية، والعمل على تقويتهم، وتعزيز نفوذهم، وأحيانا يحارب عنهم الأقليات، حتى تضعف الأقليات الى حد الزوال، فجاءة يخسر الحزب الجمهوري الرئاسة دون سابق انذار ويحل محله الحزب الديمقراطي.
يأتي دور الحزب الديمقراطي وهو ان يدعم الأقليات ويعزز نفوذهم ويقوي شوكتهم، ويحمي مصالحهم، وبذلك تستعيد الأقليات قوتها ودورها.
وهكذا يبقى التوازن قائم، فلا الاكثريات تنتصر ولا الأقليات تنهزم.
ملاحظة هذه السياسة متبعة مع بقية دول العالم، فلا يغرنكم ضجيج اصواتها، وكثرة انتاجها وتطورها، فالنظام العميق متحكم بمفاصلها، واسس بنيانها، مثلا الصين محكومة بان تستثمر بالخزينة الامريكية بتريليونات الدولارات دون ان تعترض، وهي تعلم ان هذه الأموال لن تستوفى، واليابان كذلك، وبين الجميع يوجد كوريا الشمالية التي تشبه أفغانستان، فأنها محرقة كبيرة ودورها ان تذكر الصين واليابان وكوريا الجنوبية، انه بحال تغيرت الموازين فالصواريخ النووية جاهزة.
لذلك كل ما يجري بالعالم هو مرسوم بدقة، وما تشاهدونه من مظاهر الديمقراطية الانتخابية في أمريكا انما هو انعكاس لما يجري بالعالم.
وهذه الأعوام الأربعة هي أعوام الأقليات، فأمريكا مستعدة ان تعلن الحرب السياسية، والعسكرية ان اضطر الامر لمنع انكسار الأقليات.
وإيران التي انتصرت في كافة حروبها حيث خرجت اقوى تسلحا وأكثر تطورا وأعظم وحدة واشد نفوذا، وأكثر حنكة وتخضرما بالسياسة، تدرك انها ضرورة عالمية، وأنها ليست بحاجة لأمريكا، بقدر حاجة أمريكا لها، من اجل التوازن العالمي.
وإيران لن تتحالف او تتقارب مع الأمريكي او ترضخ لشروطه بل الأمريكي سيخضع لشروطها، لأنها مدركة ان الأمريكي غير قادر على الغاء دورها انما يحاول تغيير سلوكها.
وإيران التي أضحت ضرورة اقليمية بعكس غالبية دول العربية والاسلامية، وتحديدا بالشرق الأوسط، تعرف ان أمريكا الديمقراطية هي بحاجة لإيران القوية كما أمريكا الجمهورية هي بحاجة لإيران الضعيفة، وإيران التي لم تستلم بزمن أمريكا الجمهورية، لن تهادن بزمن أمريكا الديمقراطية كما لن تتراجع، وهي تتقدم وتتمدد، كما في العهد الجمهوري تدافع عن نفسها وعن حلفائها.
والحزب الديمقراطي بحال حاول ان يلغي دور إيران فان دوره تحديدا سيلغى، ولن يعود هناك حاجة للتجاذب السياسي الدولي، والذي ينعكس على العالم.
وأمريكا تخضع لمقولة، عندما تصبح لاعبا لا تقهر ينتهي دورك على حلبات المصارعة، فعليك ان توازن بين انتصارك وخسارتك.
اذا لا يمكن هزيمة ايران وحلفائها، بل الخاسر والمهزوم هو الذي لا يقرا الواقع العالمي.
فالعالم بحاجة الى دول ومجتمعات تتفهم سير الية النظام العالمي، وما تقوم به بعض الدول العربية هو فقط ينهي دورها، ويحولها الى دول فاشلة موجودة بحكم النظام الاجتماعي، أي انها دول دورها فقط إدارة مؤسسات اجتماعية بتامين مستلزمات الشعوب من طبابة ومواد غذائية وتنظيم التنقل والعمالة، وحماية الحدود من الهجرة كي لا يتعكر صفو الغرب.
بالختام، ان العالم عندما يشاهد أي شعب أصبح خارج معادلة فهم النظام العالمي، لن يهتم بالشعب بل سيتركه لمصيره الأسود، هذا ان لم يعجل بفنائه لان الشعوب غير المدركة للنظام السياسي العالمي، لن يكون العالم السياسي أصلا مدركا لوجودها.
من هنا، اخاطب الامة اللبنانية التي كانت رائدة في فهم النظام العالمي، ان تستعيد دورها ومجدها، وتستفيد من تنوعها وقوة بعض مواطنيها، وفي مقدمتهم قوة الحزب، وان تعود من جديد لتقود الشعوب العربية الى الريادة، كما كان دور لبنان قبل ان يمتطيه السياسيين الجدد، لا ان تقودنا الدول العربية، فالقوة بالمعرفة، ليست بالعدد ولا بالمال.
نظر شما