لم يبق إلا منع الناس من الهجرة؟


لنتحدث بصراحة : لا أمل قريبا بإنقاذ لبنان من الإنهيار . 
حين يقال لا أمل  قريبا بالإنقاذ ، لأنه لا يلوح  في الأفق أي فعل للإنقاذ  ولا أي مبادرة ، ولا أي خطة .
هذا قول مؤلم ، ولكن هذه هي الحقيقة ، والحقيقة تقول ان لبنان ذاهب نحو أسوأ من الأسوأ. 
أيضا  حتى الآن ، لا يوجد لدى أي طرف سياسي لبناني ، تصور أو برنامج ، لإخراج لبنان من محنته ، أو لإيقاف الإنهيار عند مستوى معين ، وهذا يعني أن أضعف الإيمان غير موجود لدى الأطراف السياسية اللبنانية .
لذلك يتحدث القادة السياسيون عن  نهاية عصر الرفاهية والعودة إلى معيشة الأجداد ، ويدعون الناس إلى التكيف مع الفقر  ، ويطلبون منهم الصبر ، وبعضهم دعا المواطنين للعمل في البيوت ومحطات الوقود . 
لا شيء غير ذلك ، والشيء  هنا يعني السيء ، ومعنى كلام أهل السياسة أن على الناس أن تعتاد التكيف والعيش  مع السيء  بكل مراراته وشظفه وفقره وجوعه وحاجته إلى حبة دواء . 
وبالمعاني والدلالات التي سبقها ذكرها ، يقول أهل السياسة  للناس ، لاتنتظروا حلولا قريبة ولا تنتظروا إنقاذا قريبا .
آن للبنانيين أن يعرفوا ذلك  ، وكان عليهم أن يدركوا مخاطر الإنهيار منذ لاحت ملامحه في عام 2016 مع الهندسات المالية ، فالهندسات تلك قرعت نواقيس الإنهيار ، وكان هدفها  ـ على ما يقول أصحابها ـ تأجيل الإنهيار على قاعدة  " لعل وعسى " جاءت النجدة على حين غرة ، من " شقيق أو صديق "  أو إنفراجة  غير محسوبة .
جاء عام 2019 ، فوقع الفأس في الرأس ، وتبين كم هي ركيكة وسطحية مقولة أهل السياسة ، تلك المقولة القائلة بأن غطاء إقليميا ـ دوليا على لبنان ، يمنع انهياره لألف حساب وحساب ، وظهر أن أهل السياسة لايعرفون قواعد التقدير السياسي كما لا يعرفون قواعد الحكم ، كما لا يعرفون حتى قواعد اللغة التي يتحدثون بها  كما لا يعرفون قواعد اللياقة حين يتخاطبون .
لا يعرفون أية قاعدة ، فمن أين يأتون بقواعد الإنقاذ والحل ؟
في " الخطة الإصلاحية " التي اقترحها أهل السياسة قبل استقالة الرئيس سعد الحريري عام ٢٠١٩ ، لم تظهر أي بقعة ضوء للإصلاح .
وفي " خطة التعافي " عام ٢٠٢٠ التي قدمتها حكومة الرئيس حسان دياب ، لا يوجد أي " حبة ترياق "  لتعافي  " الرجل المسموم " الذي إسمه لبنان.    
لا يتفق أهل السياسة على أرقام الخسائر المالية التي أسقطت لبنان  في لجة الإنهيار والإفقار.
لا يتفق أهل السياسة على إصلاح قطاع الكهرباء وهو علة العلل وعلة المعلول .
لا يتفق أهل السياسة  على  إزالة النفايات المتراكمة منذ عام 2015 ، و لا يفكرون بحل أزمة المحروقات  ، وليس في بالهم حل لأزمة الدواء ، ولا يقلقهم جنون ارتفاع أسعار المواد الغذائية، ولا يهمهم اذا اكل الناس التراب . 
كل ما يفعله  اهل السياسة انهم يتقاذفون الاتهامات واللعنات.
وكل ما يفعلونه انهم يبحثون عن انتصارات وهمية يدفع الناس اثمانها ذلا وفقرا كل يوم ، ولذلك انهار لبنان.
حسابات  الناس أصدق من حسابات أهل السياسة : كثير من اللبنانيين سيغادرون ويرحلون .
هذا ما يقوله الناس في البيوت والشوارع .
لن يقبل الناس بالعودة إلى معيشة الأجداد .
لن يعمل الناس في تنظيف  البيوت وفي محطات الوقود  مقتنعين بخبزهم  وذلهم  وكفاف يومهم .
ولن يصبر الناس ، لأنهم لا يرون فرجا بعد صبرهم .
 أين أبواب الفرج؟
لنتخيل المشهد مرة ثانية  بعد احتواء جائحة كورونا 
من سيبقى في لبنان ؟
يبقى الزعماء ؟
زعماء بلا شعب ؟ كيف يستقيم الأمر ؟
حينذاك : لن يبقى امام الزعماء   الا قرار واحد ،  وهو :  منع الناس من الهجرة، وهكذا يبقى "شعب " يحكمونه ويجوعونه.
منع الناس من الهجرة هو القرار الموبوء الوحيد الذي لم يتخذه أهل السياسة في لبنان حتى الآن  .
من قال انهم لن يتخذونه؟ 
من قال ان "المستشارين  الحكماء " لن "يزينوا " قرارات للزعماء حتى يبقى المستشارون مستشارين ويبقى الزعماء زعماء ؟.