المشروع الأمريكي والمشروع القومي العربي الذي لم يعد!!


في خطابه الأخير في الذكرى الثالثة لاستشهاد القائدين الكبيرين الحاج قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس تحدث السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله عن مسار ا

واجه الحاج قاسم خلال عقدين من الزمن نسختين من المشروع الأميركي، سأتحدث عنهم حتى نعرف ماذا مضى ونأخذ منه العبرة ونُرتّب لمواجهة النسخة الثالثة، وهنا نعرف لماذا قَتل ترامب الحاج قاسم وأبو مهدي؟

كُلنا يَعلم بأن هناك مشروع أميركي أهدافه ثابتة في منطقتنا: الهيمنة، التسلّط، الإمساك بالنفط، بالغاز، بالموارد الطبيعية، بالأسوق وبالقرار السياسي، وضرب مثلا بشاه إيران الذي كان يتظاهر بالعظمة والذي كان لا يجرؤ بالقيام بأي خطوة حتى في قضايا داخلية معينة في إيران قبل مراجعة السفير الأميركي والسفير البريطاني.

المشروع الأميركي في المنطقة هو مشروع الهيمنة والسيطرة والتسلط والإمساك بكل شيء. وفي قلب هذا المشروع “إسرائيل”، الثكنة العسكرية الأميركية المتقدمة والتي يجب أن تبقى متفوقة وقوية في استراتيجيات كل الإدارات الأميركية وكل المحيط يجب أن يكون ضعيفًا، هزيلًا، مترهلًا.

النسخة الأولى التي واجهها الحاج قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس والشهيد الحاج عماد مغنية ومعه قادة شهداء في فلسطين وفي المنطقة، لأن ساحة القتال عملياً في المرحلة الأولى كانت فلسطين ولبنان، ما بين عام 2001 إلى عام 2011، هذه النسخة الأولى، مشروع الشرق الأوسط الجديد، لبنان، فلسطين، العراق، هذه ساحة القتال الأميركي.

ما هي أسباب الخطة! ودوافعها: انتصار المقاومة في لبنان، 2000 – 2001 الانتفاضة في فلسطين التي هزّت الكيان الاسرائيلي، هزاً عنيفاً، قيادة جديدة في سوريا ترفض الخضوع للشروط الأميركية والإسرائيلية والدخول في التسوية المذلّة، هناك مشكلة ما مع العراق، إيران قوّة صاعدة في المنطقة، هناك دول خارج السيطرة الأميركية، المحافظون الجدد أخذوا القرار و وهو ما تؤكده كل الوثائق والاعترافات وكبار الجنرالات ومذكراتهم.

عندما نَقرأ سنجد هناك اعتراف أميركي واضح بأنّ كان هناك خطّة لاجتياح واحتلال عدد من الدول، على أن يتم هذا الأمر خلال 5 إلى 7 سنوات، حيث من المفترض أن يتم احتلال واجتياح هذه الدول التي ذُكرت في الوثائق وفي الاعترافات بأنّها ما يلي:

العراق – لا يوجد أفغانستان، هذا يؤكد أنّ أفغانستان جاءت كردّة فعل من خارج الحساب – العراق، سوريا، لبنان، إيران، ليبيا، السودان، الصومال، هذه الدول كان يُفترض اجتياحها واحتلالها في النسخة الأولى من المشروع  الأميركي الذي نَتحدث عنه الآن. طبعًا ما السبب؟ أنّ هذه الدول خارج السيطرة.

بعض هذه الدول يُشكّل تهديداً للمشروع الأميركي – الإسرائيلي، مثل إيران، سوريا، تيار المقاومة، وبدأ غزو للعراق، وانهار النظام بسرعة وصارت الدبابات والجيوش الأميركية بالنسبة لإيران على حدودها الشرقية في أفغانستان وعلى حدودها الغربية في العراق، وبالنسبة لسوريا على حدودها الغربية في العراق، وجاء “كولن باول” بمطالبه إلى الشام ويريدون أن يُكملوا الجماعة. تمّ العمل على ضرب المقاومة في فلسطين، على ضرب المقاومة في لبنان، حرب 2006 وهذا اسمه احتلال واجتياح قوات متعددة الجنسيات. على كلٍ، سكوت دولي، صمت دولي، روسيا، فرنسا، الصين، العالم، لا أحد يجرؤ على فتح فمه. فتمّ احتلال العراق، تم تهديد سوريا، حصلت الحرب على لبنان، لو نجحت لأكملت على سوريا ولِقضت على المقاومة الفلسطينية هذا المشروع الأول، النسخة الأولى.

بدأت النسخة الثانية مع أوباما، بعد تقييم اكتشفوا بأن الحروب العسكرية الواسعة إذا قامت ‏بها أمريكا فهي مكلفة جداً وفاشلة، لذلك هو اتبع استراتيجية الخروج من أفغانستان والخروج من ‏العراق وتخفيف وجوده العسكري في المنطقة، وهذا جاء بعده ترامب ليكمل بهذا الاتجاه ولاحقا نفذه ‏بايدن.‏

وأيضا اكتشفوا بأن التعويل على”إسرائيل” في الحروب، كل حروب “إسرائيل” بالحد الأدنى بعد ‏‏2000 لم تحقق أياً من أهدافها.

النسخة الثانية أخذت، طابعاً أهلياً، المنطقة شعوبها دولها ‏حكوماتها تتقاتل فيما بينها، والأسوأ هو استخدام العناوين الطائفية والمذهبية، والأسوأ أيضاً هو ‏المجيء بكل من أمكن المجيء به من تكفيريين في العالم لِخوض هذه المعركة خصوصاً في ‏العراق وفي سوريا وفي لبنان.‏

ولذلك كُنا نَتحدث ان هذه النسخة هي نسخة تدمير، تدمير دول، تدمير شعوب، تدمير جيوش، ‏تدمير مجتمعات، وتحطيم كل ما في المنطقة لِتعود أمريكا على هذه الأجسام المحطمة بعنوان ‏المنقذ والمخلص، كما حاولت أن تُقدم نفسها في العراق وفي سوريا وتُعيد تحقيق أهداف المشروع ‏الذي فشلت فيه في النسخة الأولى.‏

هنا أيضاً يحضر قاسم سليماني العلن، في العلن لأنه كان مُجبراً أن ينزل إلى ‏الميدان ليقاتل بيده، لأنه كان مُجبراً أن يذهب إلى الجبهات ‏وأن يقاوم بالتعبئة وأن يُدرب وأن يَقود العمليات، وكان هذا العلن أيضاً مطلوباً لأسباب معنوية وروحية ‏وثقافية وإرادية.‏

الذي نستخلصه من هذا العرض المنطقي المتسلسل سقوط تلك الفرضيات البلهاء التي يقوم عليها إعلامنا القومي الذي يزعم أن الأمريكي يستهدف العرب والعروبة الذين هم من الناحية الواقعية مجرد جزء من حلبة الصراع الأوسع وهو قلب العالم الإسلامي.

قلب العالم الإسلامي!! هذا صحيح لكنه قلب معطل ويعاني من الفشل والإخفاق بل أن بعض دوله تشكل ركيزة من ركائز العدوان الاستكباري لا يقل دوره سوءا عن دور الكيان الصهيوني.

حتى الاستحواذ على النفط وخطوط المواصلات بين الشرق والغرب على أهميتها القصوى تشكل أهدافا تالية فمن يسيطر على القرار السياسي يسيطر على كل ما تبقى.

أن تكون قلب العالم العربي فمعنى هذا أنك قلب العالم الإسلامي لكن من الناحية الواقعية هي نعمة كبرى لم يحافظ عليها أصحابها ولم يقدروها حق قدرها.

الذي نؤمن به ونعتقده أن خطاب السيد حسن نصر الله يشكل ركيزة أساسية من ركائز قراءة الواقع المعاصر والمستقبل القريب الآتي لأمة الإسلام الذي ولد ليبقى وينتصر.

(وَلَقَدْ كَتَبْنَا في الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) الأنبياء 105.