الفرز الإقليمي في قمة جوار العراق.. مخرجات محدودية النتائج


بالتزامن مع التحولات الكبرى التي تعيشها المنطقة، وعطفاً على قرار انسحاب القوات القتالية الأمريكية من العراق بنهاية العام الحالي، فضلاً عن الاستحقاقات المصيرية التي ينتظرها العراق، والتي تتمثل بالانتخابات التشريعية المبكرة، التي من المزمع إجراؤها في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، تستعد بغداد لافتتاح طاولة الحوار الإقليمي برعاية دولية، نهاية الشهر الحالي، فقد وُجهت الدعوات لملوك ورؤساء بعض دول المنطقة، لكن لن يُقتصر الحضور بمستوياته العربية والخليجية فحسب، بل سيكون الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أحد الحاضرين في هذه القمة، والذي أكد أهمية قمة جوار العراق، ‏ في تعزيز وإرساء عوامل الاستقرار إقليمياً ودولياً.

العراق ومنذ وصول مصطفى الكاظمي إلى رئاسة الوزراء في مايو/أيار 2020، شهد تحركات متسارعة لجهة عودة العراق إلى الحاضنة العربية عموماً والخليجية خاصةً، وقد أجرى الكاظمي خلال الأشهر الماضية، جولات عديدة شملت المحيط الإقليمي وكذا بعض دول الاتحاد الأوروبي، وقد أسفرت خطوات الكاظمي، عن رضا إقليمي ودولي لسياساته، الأمر الذي انعكس على مستوى العلاقات العراقية، والذي أرتبط أيضاً بدعم أمريكي وخليجي.

في ذات الإطار، يُمكن القول بأن الكاظمي اعتمد صيغاً جديدة على المستويين الداخلي والخارجي، في إعادة تعريف المؤسسات وصياغة علاقة العراق بالمحيط الدولي، ليأتي مؤتمر دول جوار العراق، مكملاً لتلك الخطوات التي سارت بها حكومة الكاظمي منذ عام، بغية تحقيق عودة عراقية آمنة وأكثر ثبات وفاعلية نحو الفضاء الدولي وتحديداً الخليجي منها.

في جانب موازٍ، فإن العراق لديه مشاكل جوهرية مع تركيا وإيران، وليس هنالك مصلحة لعودة العراق قوياً إلى المجتمع الدولي سوى الدول العربية والخليجية على وجه التحديد، وبالتالي يُفترض من ذلك المؤتمر الاستفادة بقدر الإمكان، بُغية تمتين تلك الروابط ودك أساساتها بشكل يُعزز توجهات الكاظمي.

حقيقة الأمر، فإن العراق ونتيجة لاختلال موازين القوى في المنطقة، فقد تأثر العراق بتلك الاختلالات، وبات طيلة عقدين أرض صراع بين خصوم إقليمين ودوليين، مما جعل العراق في حال تراجع وشلل شبه كامل على مختلف الجوانب الحيوية، الأمر الذي يُترجم رغبة الكاظمي، في تحييد العراق عن جُل تلك الصراعات، مع محاولة إيجاد تفاهمات مديدة وحلول مقبولة لكافة القوى المتصارعة في المنطقة وعليها.

نتيجة لذلك، من المتوقع أن أهم ملف ستتم مناقشته في قمة جوار العراق، يتعلق بالقضية السورية، وضرورة إيجاد توافقات تنعكس إيجاباً على المناخ السياسي والاقتصادي في سوريا، الأمر الذي سيؤدي حُكماً لانعكاسات إيجابية تُجاه العراق، كما أن إيجاد حل توافقي للأزمة السورية، يعني في العمق، إيجاد جُملة توافقات إيرانية أمريكية روسية تركية، تؤدي بطبيعة الحال لهندسة معادلة إقليمية جديدة، قوامها تهدئة طويلة الأمد.

العراق يلعب دوراً إقليمياً مهماً في الوقت الحاضر، وبعد زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الناجحة إلى الولايات المتحدة، واجتماعه مع الرئيس الأميركي جو بايدن، أثبت أن العراق مقبل على أن يكون محوراً لعقد مثل هذه المؤتمرات، من هنا أيضاً، فإن المؤتمر سيُخصص لمعالجة قضايا الإقليم، لا سيما المشاكل المهمة بين أميركا وإيران والخلافات بين دول المنطقة وتقريب وجهات النظر، ومن المهم التذكير، بأن العراق توجه نحو محيطه العربي، وعقد مؤتمراً ثلاثياً بين مصر والأردن في بغداد، وكان ذلك عاملاً مهماً لنجاح الدبلوماسية وفتح آفاق التعاون مع الدول الثلاث، والعودة إلى ما يُسمى مشروع الشرق العربي، الذي يضم مجموعة من الدول إضافة إلى سوريا والأردن وقد تنضم إليه دول الخليج العربي.

يرى مراقبون، أن المؤتمر سيبحث أزمات المنطقة، مع محاولة إيجاد حلول لها، فالمؤتمر يمثل أهمية استراتيجية كبيرة للعراق، من خلال تبني خيار الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط بدل الحروب، فسوريا تعيش دماراً هائلاً ولبنان يعيش أزمة كبرى، والعراق يعاني مجموعة أزمات وحروباً ودماراً وفوضى السلاح المنفلت، وهناك مشكلة في سيناء تتمثل بالتنظيمات الإرهابية، والحرب في اليمن، والأزمة العميقة في السودان وكذلك ليبيا؛ كل تلك الملفات تُشكل تهديدات خطيرة لأمن المنطقة، ما يعني ضرورة التشاور والعمل المشترك.

ضمن ما سبق، قد تلعب تركيا في هذا الإطار، دوراً بنّاءً في التعاون والتجارة والسلم والتنمية من خلال خبراتها الاقتصادية، ويمكن أن تلعب إيران دوراً إيجابياً بناءً على قوتها الإقليمية، خاصة أن هناك مؤشرات تؤكد عودة الود بين طهران والرياض والمنامة وأبو ظبي، دليل ما سبق، فإن وجود فرنسا بحكم علاقاتها الوثيقة مع طهران وتركيا، ودول المنطقة، سيكون لنه وزناً فاعلاً ومؤثراً في تقريب وجهات النظر.

بقي أن نذكر، بأنه حتى الأن لا تأكيدات حيال حضور دمشق هذا المؤتمر، لكن وبحسب بعض المعلومات، فإن دمشق وإن لم تحضر بصفة شخصية، إلا أن جُلّ ما سبق من ملفات خلافية، وأزمات إقليمية ودولية، فإن دمشق لها صاحبة التأثير في تفعيل أي حل لتلك الأزمات والتعقيدات الإقليمية، ودون دمشق والرئيس الأسد، لن يتم التوصل إلى مخرجات جوهرية عقب المؤتمر، وستبقى النتائج ضمن محدودية سياسية، فضلاً عن أن دمشق تُعد رُكناً أساسياً في محور قوامة موسكو وطهران والصين، نتيجة لذلك، فإن دمشق تُعد بيضة القبان في أي توازنات قادمة، والمؤتمر القادم في بغداد، سيُميط اللثام عن حقيقة التوجهات تُجاه دمشق، وحتى ذلك الوقت، تبقى الدولة السورية وعلى الرغم من ألامها وأزماتها، عنواناً مشرقياً لا يُمكن لأحد تجاهل قوتها وتأثيراتها الفاعلة في المشهد الشرق أوسطي.