ضجيج أميركي سقط على أعتاب الثوابت الإيرانية…


وسط كلام عن أحلاف أمنية وعسكرية ضدّ محور المقاومة، سبقته اتهامات مجلس الأمن القومي الأميركي لطهران، بأنها تخطط لمساعدة روسيا، بمُسيّرات حديثة، أتى ذلك في حركة استباقية غير اعتيادية قبيل زيارة بايدن للمنطقة، فيما طهران تؤكد جهود التعاون التقني مع موسكو، هذه الاتهامات السياسية والعسكرية الأميركية، حوّلت مسار الاتهام لكلّ من إيران والصين وروسيا إلى شراكات استراتيجية، تخشاه واشنطن و»إسرائيل»، ناهيك عن قمة بايدن المرتقبة في السعودية، وما بعدها، لتحتضن طهران الأسبوع المقبل قمة ثلاثية روسية إيرانية تركية، ليكون العنوان الأبرز لها سورية في صدارة مباحثاتها، فهل طهران توجه رسالة إلى واشنطن وحلفائها؟ وما خلفية الاتهامات الأميركية لإيران، ولماذا تخشى واشنطن من هذا التعاون العسكري والتقني بين الطرفين الروسي والإيراني؟

هي أسئلة كثيرة تثيرها اتهامات واشنطن لطهران لا سيما أنها هي وتركيا وكلّ الأطلسي يزوّدون أوكرانيا بالسلاح، إذ الولايات المتحدة تفرض شروطها على العالم بوقاحة، غير مدركة الحسابات السياسية التي أدخلتها مرحلة الإرباك بالمواجهة في أوكرانيا، متحسّبة أنها إذا دخلت منطقة الحظر الإيراني تستطيع إيقاف البرنامج العالمي برمّته، أتى ذلك تزامناً مع إعلان مستشار الأمن القومي الأميركي بمعلومات استخبارية تتحدث عن سعي إيران إلى إرسال مُسيّرات عسكرية إلى روسيا، فكان الردّ الإيراني مشدّداً على التعاون التقني مع روسيا، كما حمل المتحدث بإسم الخارجية الإيرانية ذلك ما هو أبعد من المُسيّرات بتأكيده على هذا التعاون في كافة المجالات التقنية الحديثة.

طبعاً يعود ذلك إلى ما قبل المواجهة الروسية الأوكرانية ولكن فشل واشنطن يعود لسياسة التنكيش ليس إلا، ولم يطرأ عليه أيّ تغيير واصفاً المزاعم الأميركية في سياق تحويل أوروبا وأميركا للدول المعتدية، بما فيها غرب آسيا إلى مستودع لأسلحتها، إذ هنا كانت رسائل إيرانية تستند إلى وقائع صلبة خلافاً للأرضية الأميركية الغارقة في ممارسة الازدواجية، ونتحدث هنا عن أنقرة تحديداً التي زوّدت كييف بمُسيّرات بيرقدار، إضافة للدعم الغربي اللامتناهي بشتى انواع الأسلحة والمنظومات الدفاعية، وواشنطن تغضّ النظر عن هذا كله بالإجماع على هذه الاتهامات، والذي يترجم إلى ضجيج أميركي سقط على أعتاب الثوابت الإيرانية المحسومة مع روسيا، والأمر متجه نحو الحسم…

وعن التعاطي الأميركي المتسلط لملف المنطقة الذي يروّج لإعادة هيمنتها، تطلق الصين تحذيراتها في مواجهة السعي الغربي لإقامة حلف في شرق آسيا، لتكمن هنا قوة يصوغها الإيراني ويقرّها الروسي ويرسمها الصين ربما، في مواجهة حرب شاملة تكتيكية تقودها أميركا بوقود غربية أوروبية. وإزاء زيارة بايدن للمنطقة إذ قام بمقابلة حليفه «الإسرائيلي» بخصوص المُسيّرات الإيرانية التي يخشاها كلّ منهم، ويتساءل عما إذا كان بمقدور إيران إرسال تلك المُسيّرات لتهيئة القبة الحديدية وتحضير قدراتها، فعلياً، تزامناً مع زيارته للمملكة السعودية ولقاءه بمحمد بن سلمان؟ معتبراً ذلك تصحيحاً لمسار العلاقة، بإقامة أحلاف جديدة، لمواجهة محور المقاومة، بدءاً بالاتهام الأميركي لإيران والتخطيط لإرسال مُسيّرات إلى روسيا، وهذا يعني أنّ الردّ الحاسم قريب يرسم وقائع جديدة وفق منظور الشراكة بين الطرفين الإيراني والروسي والصين معهما، ونذكر أنّ هناك تحالفات أو تعاوناً مشتركاً سابقاً بين كلّ منهم ولا يقتصر على المستوى الاقتصادي وإنما العسكري أيضاً، ولو فرضنا جدلا أنّ المعلومة الاستخبارية صحيحة، ربما هذا لا يقلق موسكو بقدر ما يقلقها الوضع العسكري بشكل عام الذي خلفته الأزمة الأوكرانية الغربية .

وبالتالي يحق لإيران أن تزوّد حلفاءها في المنطقة، وأن لا تكترث للرواية الأميركية، التي تدعم بآلاف الأطنان من الأسلحة إلى أوكرانيا، ويحقّ لأيّ دولة ذات سيادة وقرار مستقلّ أن تعزز سبل الشراكات على جميع الأصعدة والمستويات، للحفاظ على أمنها القومي المتبادل، في ظلّ إحياء الهيمنة الأميركية «الإسرائيلية» التي يسعى لها مشروع بايدن الجديد في المنطقة، ويجب الإتيان بقضايا جديدة تدعم الأطروحة الإقليمية من الخطر الذي يحدق بالمنطقة، وهذا الضجيج هو عبارة عن كمية الضغط الأميركي الكبير على إيران الغير مسبوقة، لتحقيق مكاسب سياسية أميركية جديدة علها تسعف بحلول ناجعة تغطي فشل السياسة الأميركية، وفي هذا الإجماع الدولي بالمقابل هناك تكثيف جهود الأحلاف الاستراتيجية للردّ على هذه الاتهامات التي تنطلق وفق المعلومة الاستخبارية، ببناء علاقات استراتيجية مع روسيا، وكلنا نعلم بكمية العقوبات التي تزداد على إيران وحلفائها، ولكن طهران واجهتها بصلابة، ومع ذلك ما زالت مستمرة لليوم، لذلك السبب ربما قامت طهران ببناء تحالفات استراتيجية مع أطراف واضحة بالأسماء كبيرة عنونت بها المرحلة الانتقالية الجديدة، وعلى رأسها الصين وروسيا، وما زالت تبني علاقات قوية وتتحضر لاتفاقيات استراتيجية على المستويات كافة.

أما من وجهة النظر الروسي، جاء توقيت الاتهام في وقت متأخر إذ كان للقاء بوتين ورئيسي نقطة تحوّل هامة، وبالرغم من أنّ روسيا لم تؤكد المعلومة الاستخبارية، ولكن لا أعتقد بأنّ الأمر مزعج بالنسبة لها وهي تدرك أنّ القوى الأوكرانية هاجمت باستخدام المُسيّرات الأميركية مفاعل نووية في زاباروجا في أوكرانيا وهذا بحدّ ذاته له قراءة سياسية ذات طابع جيوسياسي عسكري وميداني، وكنتيجة أساسية لكلّ المعايير المتوازنة والمتوازية التي حققتها إيران وحلفائها يحقّ لها قانونياً وشرعياً ودولياً أن تدعم حلفاءها، نظراً لأهداف بايدن في منطقة الشرق الأوسط، فكانت رسائل إيران متوجه إلى واشنطن وحلفائها من خلال القمة الثلاثية مفادها، أنّ الترويج للعودة القوية لأميركا إلى ملفات المنطقة لن يغيّر المعادلات، حتى ولو تسارعت خطوات الإسراع في المخططات الأحلاف العسكرية شرقاً وغرباً…