تحالفات غير تقليدية في رقعة شطرنج ثلاثية الأبعاد.


لكي نفهم التغيرات الجيوسياسية في بنية الشرق الأوسط، علينا التعمق في الاستراتيجية الامريكية الثابتة حيناً، والمُتغيرة أحيان كثيرة. فالاستراتيجية الأمريكية وإن اختلف نهجها التكتيكي المُعتمد حلاً لأزمات الشرق الأوسط، إلا أن الوقائع والتطورات المتسارعة تفرض مشهداً، تتمحور جُلّ جُزئياته حول إصطفافات جديدة شكلاً ومضموناً.

واشنطن تُدرك أن لا عودة لمجدها التاريخي في ظل طبيعة التحالفات القائمة في المنطقة، والتي أفرزت قوى إقليمية ذات تأثيرات ناظمة للخارطة الجيو سياسية في الشرق الأوسط. وبناء على الفشل الاستراتيجي لـ أمريكا في المنطقة، بات من الضروري البحث عن إصطفافات جديدة، تكون سبباً في بناء تحالفات تكتيكية، تُشكل في ماهيتها الوجه الأخر للاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط.

وبالتالي فإن المنطقة باتت مهيأة لاستقطابات إقليمية انطلاقاً من المصالح والأهداف المُشتركة في كل محور، الأمر الذي يشي بأن خارطة التحالفات الإقليمية ستحكمها طبيعة المصالح. مثال ذلك، قد تتقاطع المصالح الاسرائيلية والسعودية في قضية الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة، كما أن واشنطن وضمن هذه الجُزئية، ستقوم بالإشراف مباشرة على هذا التحالف التكتيكي بين الرياض وتل أبيب، بُغية تشكيل عوامل دافعة، تُحقق استمرار الهيمنة الامريكية في المنطقة، عبر تلك التحالفات.

علاوة على ذلك، أصبحت منطقة الشرق الأوسط غارقة في الحروب، التي أدت بدورها إلى عدم تركيز الجهود من أجل دعم القضية الفلسطينية وإعادة الأراضي المحتلة. أما التطورات التي استجدت خلال السنوات الأخيرة، أكدت على غياب مبادرة حقيقية لدعم القضية الفلسطينية، وغياب التجديد في نهج وتوجهات الأطراف المنغمسة في الصراع؛ بما في ذلك الجهات الفاعلة الخارجية التي تبنت القضية الفلسطينية خلال النصف الثاني من القرن العشرين، واعتبرتها في الوقت الراهن من المسائل الثانوية. عطفاً على الثمن الباهض الذي دفعته القضية الفلسطينية، جراء التحولات الدبلوماسية في مصر والأردن تُجاه اسرائيل، الأمر الذي أدى إلى تغير دراماتيكي في طبيعة الصراع مع الكيان الاسرائيلي.

في هذا الإطار، فإن طبيعة الصراع العربي الإسرائيلي، والفلسطيني الإسرائيلي، قد اتخذ مساراً مُختلفاً عن جوهر الصراعات التي تدور في رقعة شطرنج الشرق الأوسط، وبعد أن تم إزاحة الصراع العربي الإسرائيلي من جدول أعمال بعض الحكومات العربية، الأمر الذي أفقد الشعوب العربية سبباً يوحدها، وفي ذات التوقيت أوجدت سبباً يُعلل العديد من التحالفات والامتيازات.

من هنا فإن الشلل الذي شهده الصراع العربي الاسرائيلي، يُمكن أن يجد التقارب بين إسرائيل والعديد من الدول العربية ظروفاً ملائمة لتعزيزه، في سيناريو قد تمت هندسته بما يتوافق مع التهديدات المشتركة بين البلدين.

حقيقة الأمر، إن العامل الأكثر حسماً للدخول في العلاقات الرسيمة بين الرياض وتل أبيب، هو امتلاك عدو مشترك بينهما. وقد أثبت التاريخ أن هذه الحقيقة قادرة على توحيد الأفكار الأكثر عدائية والمواقف الأكثر انغلاقاً. وتجدر الإشارة هنا إلى أن السعودية قوة إقليمية فاعلة مؤثرة في العديد من الملفات الشرق أوسطية، الأمر الذي جعلها تقود صراعاً جيوسياسياً ضد إيران، خاصة أن الأخيرة تنظر إلى إسرائيل في المنطقة على أنها الجهة التي غزت الشرق الأوسط، وضمن منعطف تاريخي سيطرت على أماكن إسلامية مقدسة، إلى جانب أنها الجهة التي تعمل على ممارسة القمع ضد الفلسطينيين. وبالتالي بات واضحاً أن شكل الصراع بمشهده السياسي قد يتجلى في هيئة تحالفات محاور غير تقليدية.