رؤية للسياسة الخارجية والأمنية الامريكية تجاه العراق خلال فترة رئاسة بايدن


       هناك عدة رؤى للنخب السياسية العراقية للسياسة الامريكية في عهد بايدن  تجاه العراق فبعض المحللين يرى انه صاحب مشروع تقسيم العراق وانه سيعمل به مجددا , والبعض يرى ان الظروف غير ملائمة للتقسيم وان الولايات المتحدة ترغب بالانسحاب من العراق والاهتمام بملفات الصين وروسيا , ولنا رؤينا الخاصة حول هذا الموضوع والتي تنص على ( ان الولايات المتحدة لن تنسحب من العراق الا بعد ان تحقق جملة من الأهداف تضمن لها الهيمنة السياسية والاقتصادية والأمنية على العراق مع إعادة سيناريو التقسيم بادوات مختلفة )

ان معظم الملفات التي تواجه الرئيس بايدن وكل الرؤساء الامريكان توضع لها سيناريوهات واهداف من قبل المؤسسات الامريكية البحثية (السياسية والأمنية ) وتوضع أوراق عمل لمتغيرات نسبية مع كل رئيس جديد ولكن الأهداف الاستراتيجية تبقى ثابتة , فموضوع تقسيم العراق الذي طرحه بايدن سابقا اثناء فترة توليه منصب نائب الرئيس أوباما , ليس مشروعه الشخصي وانما هو هدف موضوع سابقا للولايات المتحدة في رؤيتها لشرق أوسط جديد قائم على دول اثنية قومية ودينية تجعل (إسرائيل) جزء من كل ومنسجم مع محيطه الاثني العنصري وليس دولة عنصرية وسط بحر من المسلمين .

وهذا السيناريو مذكور تفصيلا في دراسة ( الاستراتيجية الصهيونية للشرق الأوسط ) كنت قد ترجمته سابقا, وهذه الاستراتيجية وضعت عام 1952 ومدونة في وثيقة قام بتسريبها الصحفي الإسرائيلي المقرب من وزارة الخارجية الاسرائيلية  ( عوديد يونين ).

الرئيس بايدن اثناء حديثه في عرض سياسته الخارجية قال (سنبني تحالفات وننسحب من العراق وأفغانستان ) وهذا وان كان لايختلف كثيرا عن راي ترامب الا ان الواقع في العراق منذ زمن ترامب يؤكد بان هذا لن يحدث مالم تحقق الولايات المتحدة عدة اهداف  :-

  1. الهيمنة السياسية والقدوم بحكومة موالية للولايات المتحدة الامريكية في العراق , تمهيدا لتحقيق الأهداف الأخرى في العراق .
  2. الهيمنة الأمنية بكل مفاصل الأجهزة الأمنية العراقية .
  3. الهيمنة المالية والاقتصادية وشراء أصول الدولة العراقية .
  4.  تقسيم العراق عبر تطبيق القتل الاقتصادي من قبل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ودفع المكونات الداخلية للاقتال على الموارد المحدودة .( وهذا ما طبق في يوغسلافيا السابقة ودفعها للاقتتال والتقسيم , ولنا عدة مقالات بذلك )

أولا : الهيمنة السياسية :-

الولايات المتحدة نجحت بالهيمنة السياسية نسبيا بعد تفجيرها تظاهرات أكتوبر 2019 والتي بينت مدى قدرتها على تحريك الشارع ومدى الترهل السياسي لدى الأحزاب السياسية العراقية وعكس بنفس الوقت الهيمنة الامريكية على الامن في العراق . واوصلت مصطفى الكاظمي للسلطة ثم دفعت دول خليجية للا تصال بشخصيات عراقية بعيدة عن الجمهورية الإسلامية , واغرتهم بمنصب رئاسة الحكومة وهذا له تداعياته الخطيرة في الانتخابات القادمة , وأصبحت تسيطر على الكتل السنية والكردية ونصف الكتل الشيعية داخل البرلمان , وستعمل على تعزيز هذه الهيمنة بشكل اكبر في الانتخابات القادمة , وتاكيد بايدن بان الولايات المتحدة تريد بناء تحالفات والانسحاب من العراق يأتي في هذا السياق الا انه لن يكون على المدى القصير.

ثانيا : الهيمنة الأمنية :-

الولايات المتحدة منذ دخولها للعراق وحلها الجيش العراقي عملت على بناء جيش قادته من الموالين للولايات المتحدة الامريكية, واستجلبت الكثير من البعثيين وسلمتهم مناصب قيادية بل ان معظم القادة هم من بقايا النظام السابق مع ولاء امريكي جديد , وقامت بتجنيد الكثير منهم عبر الدورات التدريبية داخل وخارج العراق , فهي سيطرت على جهاز المخابرات العراقي وتم إعادة شعبة ايران والأحزاب الإسلامية في بداية تشكيل الجهاز وبنفس العناصر, ثم استخدمتهم لادارة العمليات الإرهابية والتجسس على الجمهورية الإسلامية وتصفية شخصيات إسلامية. وكذلك استخدمت بعضهم لاسقاط حكومة عبد المهدي عبر قتلهم للمتظاهرين بدون أوامر من عبد المهدي مثل (نوزاد عثمان –الكردي) و( جليل الشمري- البعثي) بل ان سيطرة الولايات المتحدة على معظم الأجهزة والجيش العراقي هو ما سبب كارثة سقوط الموصل بيد داعش عبر انهيار عبر فرق 4  عسكرية امام 3000 داعشي على اعلى تقدير , واعتقد ان وصول الكاظمي في السلطة عزز مكانة هؤلاء القادة عبر تسليمهم مناصب امنية جديدة وبسط سيطرتهم على غرف العمليات والأجهزة الأمنية , مع اقصاء الشخصيات الوطنية والمحسوبة على الأحزاب الإسلامية مثل (أبو علي البصري- قائد خلية الصقور الاستخبارية ) مع حل الخلية والحاقها بالاستخبارات , واعتراض الولايات المتحدة على الحشد ومحاولات الغائه لأنه تأسس بعيدا عن الإرادة والتدريب (التجنيد ) الأمريكي , بالإضافة لمنعها العراق من التسلح بمنظومات دفاع جوي مع تزويده بطائرات لا تصلح للهجوم, وسيطرتها الكاملة على الأجواء العراقية .

ثالثا: الهيمنة المالية والاقتصادية وشراء أصول الدولة

تعتبر الورقة التي قدمتها غرفة التجارة الامريكية وتبناها مجلس الاعمال العراقي الأمريكي هي ملخص لسياسة بايدن الاقتصادية تجاه العراق في المرحلة القادمة , والتي نصت على تحقيق اربع اهداف رئيسية :-

  1. اصلاح القطاع الاقتصادي وخصخصة المؤسسات الصحية في العراق , وهذا ما يجعل المواطن العراقي لايجد أي خدمة مجانية ويجعل المستثمر الأمريكي يهيمن على هذا القطاع مرة عبر الاستثمار مباشرة ومرة عبر عراقيين تابعيين للولايات المتحدة , مع الاخذ بنظر الاعتبار ما طرحه الكاظمي في موازنة 2021 , فقرة بيع أصول الدولة والتي تم رفضها من البرلمان.
  2.  الاستثمار الأمريكي في مجال الغاز العراقي , والذي يهدر عبر الحرق وبناء بنية تحتية للاستثمار في الغاز طبعا من قبل شركات أمريكية , ومع اغراق العراق بالديون وبعضها سيادية أي بضمان النفط تحت الأرض , ومع هذه الفكرة ممكن ان تحصل الولايات المتحدة على ضمانات سيادية في مجال الغاز مقابل الاستثمار, او عبر العودة لبيع أصول الدولة وهذه النهاية الحتمية لسياسة الكاظمي ووزير ماليته حاليا, بعد ان يعجز العراق عن اصلاح الوضع الاقتصادي.
  3. اصلاح القطاع المالي العراقي , عبر بيع البنوك العراقية المملوكة للدولة وانشاء بنوك بتمويل أمريكا وشركائها , وهذا ما يجعل الولايات المتحدة تسيطر على ارتباط العملة العراقية بالدولار وتحديد سعر الصرف,  بالشكل الذي يجعل النظام المالي العراقي وكل تبعاته الاقتصادية تحت تصرف وهيمنة انبياء المال في اميركا مثل ال روتشيلد وروكفلر وغيرهم .
  4.  إقامة مناطق اقتصادية خاصة في البصرة وكركوك , ومع ان معظم ثروات العراق هي في البصرة وكركوك , وربطا بفقرة بيع أصول الدولة التي كشفت اهداف اميركا الاقتصادية فمن الممكن ان يقوم الكاظمي او أي رئيس اخر ببيع حقول واراضي ومنشات العراق في هاتين المحافظتين للمستثمر الأمريكي , وحتى موانئ البصرة وهي المنفذ البحري الوحيد للعراق , مما يمنحها تواجد دائم اخر في الخليج ومانع حقيقي امام طريق الحرير الصيني .

 

رابعا : تقسيم العراق عبر تطبيق القتل الاقتصادي من قبل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ودفع المكونات الداخلية للقتال على الموارد المحدودة:-

 منذ بداية الاحتلال الأمريكي عمل على انهاء القطاع العام عبر تحويله الى قطاع فاشل ومتأكل للوصول لاحقا لبيعه للمستثمر الأجنبي , فعملت على عرقلة قطاع الكهرباء الشرط الرئيسي لكل تنمية وتطور صناعي , مع التركيز على اضعاف الاقتصاد العراقي وإيجاد شبكات فساد قائمة على المحاصصة داخل النظام السياسي, وهنا اريد ان استتشهد بمقالي السابق حول هذا الموضوع (ولي سلسلة مقالات تخص سياسة أمريكا تجاه العراق ) فقد كتبت في مقال سابق تم نشره بأكثر من موقع بتاريخ 27/11/2010  حول تطبيق سيناريو يوغسلافيا السابقة لتقسيم العراق :- ونموذج يوغسلافيا السابقة بقتلها اقتصاديا وتفكيكها سياسيا واجتماعيا باستخدام الظروف الاقتصادية والاعلام للوصول إلى غسيل دماغ جماعي او (العلاج بالصدمة) ويدفع أبناء الوطن للقتال فيما بينهم..فقد تم اغراق يوغسلافيا بالقروض من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وفرض شروط عليها مقابل هذه القروض ومع كل قرض تم فرض شروط جديدة الى ان فرض عليها (إعادة هيكلة الاقتصاد) ومنع الحكومة من الاقتراض حتى من بنكها المركزي ,وصلت خدمة الدين الى 20% من عائدات يوغسلافيا, ونفس هذه الشروط طرحها الكاظمي في (ورقته البيضاء الإصلاحية) كما ادعى ومنها

 1- تخفيض الانفاق العام

2- خصخصة الشركات الرابحة في القطاع العام

3- إيقاف التعينات

4-رفع الدعم عن السلع الأساسية

  1. فرض ضراب على العديد من الاعمال
  2.  رفع سعر صرف الدولار
  3.  واقترح عدم الاقتراض من البنك المركزي

هذه جزء من الشروط التي فرضت على يوغسلافيا وادت لارتفاع معدلات التضخم والبطالة وارتفاع معدلات الفقر, مما دفع المقاطعات ذات الموارد الكبيرة ك(سلوفينيا) الى اعلان الاستقلال , واليوم نسمع دعوات للمطالبة بإقليم البصرة , ثم كرواتيا التي انفصلت بعد معارك مع الجيش اليوغسلافي وهذا ما قد يحدث اذا ساءت الأوضاع الاقتصادية وزحف الكرد باتجاه كركوك للسيطرة عليها , وهذا سيدعو السنة للانفصال بإقليم غرب العراق مهدت له مفاوضات السعودية, ورغبتها بالاستثمار بأربعة مليون هكتار مستاجرة لمدة 50 سنة في غرب العراق , وبالتالي يمكن ان يعمل بها 400000 الف عامل فلسطيني مع عوائلهم سنصل الى 2 مليون فلسطيني , وهذا ما نصت عليه صفقة القرن .

واعتقد ان المقدمة لكل هذا هو انهاء القطاع العام في العراق واغراقه بالديون وتكبيله بشروط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ثم بيع أصول الدولة للمستثمر الأجنبي وتحول العراقيون لفقراء اجراء عند الأمريكي الغني الذي ان تملك حقول النفط سيحتفظ بقوات لحمايتها.

التوقعات :-

  1. ستعمل الولايات المتحدة لايصال كتلة شيعية موالية لها لرئاسة الحكومة بمساعدة الكرد والسنة لتحقيق الهيمنة السياسية .
  2. ستواصل الهيمنة الأمنية عبر إيصال موالين لها لرئاسة الأجهزة الأمنية العراقية , وايصال كتلة معادية للحشد للسلطة, تمهيدا لضربه.
  3. ستواصل الهيمنة المالية والاقتصادية وفقا لما طرحته غرفة التجارة الامريكية .
  4. ستعمل على تقسيم العراق عبر القتل الاقتصادي والتناقضات السياسية والصراع من اجل الموارد وضمان على الأقل اقليمين مطبعين مع الكيان الصهيوني .

التوصيات :-

  1. العمل على إعادة توحيد البيت الشيعي ومحاولة دفع المرجعية لدعم الكتل الوطنية .
  2. اللعب على التناقضات الداخلية الكردية والسنية واستقطاب اكبر عدد ممكن منهم لصالح المصلحة الوطنية .
  3. العمل بقوة لانخراط العراق بطريق الحرير وبناء ميناء الفاو ثم محاولة تقريبه للمحور الإيراني الروسي الصيني .
  4. عرقلة كل الاتفاقيات الاقتصادية او الأمنية التي تتم مع الامريكان والضغط من اجل اخراجهم من العراق .