روسيا لن تجتاح أوكرانيا إلَّا إذا إجتاحت أوكرانيا لوغانسك ودانيتسك


أمريكا تَتَطَفَّل على روسيا، والأخيرة تلعب على أرضها بحِرَفِيَة وجدارة،
وما تفعله أمريكا، مع دوَل أخرى في العالم، لَن تستطيع فعله مع روسيا،
وإنَّ إتِّباع واشنطن لسياسة الأخذ منك ومساومتك،على أكثر من نصف ما تبقىَ لديك، أمر لا تنطبق مفاعيله على الدب الروسي، ولا يُؤكَل معهُ ولا يؤتَي أُكُلَهُ.

فعندما اقتربَت واشنطن من الخطوط  الحُمر في أوكرانيا، عبر حلف شمال الأطلسي،اختلفت الأمور كثيراً، وأصبحَت اللُعبَة أخطر بكثير من الأخذ والمساومة، لطالما أن الأوضاع تخطَت المعقول لدى موسكو، وأصبحت بعُرفها تُشَكِلُ تُهديداً للأمن القومي  والإستراتيجي للدولة الشرقية العُظمَى.

في الماضي حاولت جورجيا اللعب بالنار مع روسيا، فأدخلت الأمريكيين، وحاولت بناء قواعد عسكرية مشتركة بينها وبينهم على أراضيها؛ وعندما تغاضوا عن التحذير الروسي كان الرد فورياً وسريعا وحاسماً، بإقلاع خمسين طائرة روسية نحو القواعد التي حُفِرَت أساساتها من أجل بناء القواعد،وحوّلتها الصواريخ إلى رُكام، قبل أن تصل إلى وجه الأرض.
وانفصلت بعد ذلك أوسيتيا وأبخازيا عن الدولة الجورجية،واعترفت موسكو بِاستقلالهما، ووضعتهما تحت الحماية الروسية.

اليوم، تشهد أوكرانيا صراعاً كبيراً مع روسيا، بسبب احتلال الروس لشبه جزيرة القُرم وضمها إليها، وخيَّرَت السكان الأوكرانيين بين البقاءوالرحيل، فرحَلَ مَن رحَل وبقيَ مَن بقي، من دون أن يستطيع العالم أن يُحَرِّكَ ساكناً، لا بل وقف عاجزاً أمام إصرار الدب الروسي العنيد على خطوتهِ.

أصَرَّت أوكرانيا على السير بِاتِّباع سياسة العداء لموسكو، بتوجيهات من واشنطن فانسلخت مقاطعتان أوكرانيتان جديدتان عنها، همآ : لوغانسك ودانيتسك، وعندما حاولت الحكومة الأوكرانية اجتياحهما، تدخلت روسيا بجيشها وصَدَّت الهجوم الأوكراني بقوة، ثم هدأت الأمور، بعد توقيع اتفاق مينيسك.

اليوم بعد شتداد الأزمة بين كْيِيڤ وموسكو، قامت الأخيرة بحشد قُرابَة المئَة ألف جندي مع الآف الدبابات وقطع المدفعية على الحدود الأوكرانية الروسية، كتهديد بِاجتياحها،
الأمر الذي حَرَّك واشنطن وبريطانيا ومعهما أوروبا، فقضى مخططهم بضَم أوكرانيا إلى حلف الناتو، لحمايتها من الِاجتياح الروسي،واقتربت قوات أمريكية وبريطانية إلى أراضي بولونيا وبعض دوَل أوروبا الشرقية سابقاً،
هذا الأمر، أثار غضب موسكو وزاد من إصرارها،وأُعطيَت الأوامر بِاستنفار القوة النووية الروسية المقاتلة،وبنشر أسلحة إستراتيجية غير تقليدية،على مقربة من حدود البلدين،الأمر الذي بدأ ينذر بحربٍ نووية.

واشنطن أصبحت في حيرة من أمرها، بعدما لمست جِدِّيَّةً روسية بِاجتياح أوكرانيا،وجهوزية قتالية حتى مع أمريكا نفسها،واعتبرت أن هذا الأمر،إن حصل، بعد ضم اوكرانيا لحلف شمال الأطلسي، فإنّه يعني أنَّ أمريكا ستصبحُ مضطرة لحمايتها، وسيقع الصدام الروسي الأميركي المباشر؟ مِمّا يعني نشوب حرب عالمية ثالثة، قد تُنهي العالم وتُفني البشريَة.

لذلك،قررت واشنطن عدم ضَم اوكرانيا للحلف، وأبلغت الأمر لدوَل الإتحاد الاوروبي، بشكلٍ حاسم ونهائي، وعلى أثر ذلك، جَرَت اتصالات أميركية روسية رفيعة المستوَىَ، انتهت بلقاء وزيرَي خارجية البلدين،وتمَ الإتفاق حول ترتيب وتنظيم الخلافات،وتخفيف حدة التوتر، وأُبلِغَت موسكو أن الناتو لن يقبل عضوية أوكرانيا، وأن الجيوش التي تمركزت في بولندا سيتم سحبها، في أسرع وقت ممكن.

لكنَّ موسكو أبقَت على حشودها وإستنفار أسلحتها الإستراتيجية، لحين إطمئنانها بأن كييڤ لن ترتكب أي حماقة، ضد إقليمَي لوغانسك ودانيتسك المنفصلَين عنها،
وأنه، في حال حاولت الحكومة الأوكرانية أن تُقدِم على هكذا فعل،فإن الدب الروسي سيتدخل بنفسه، من أجل حماية الإقليمين، وسيعترف بِاستقلالهما، كورقة أخيرة، ويضعهما تحت الحماية الروسية، كما فعل في أوسيتيا وأبخازيا.

إذاً، حظوظ الِاجتياح الروسي لأوكرانيا تراجعت،والمسيطر الوحيد على الأجواء اليوم، هوَ الحَذَر الروسي من الغدر الأميركي، الذي اعتادت عليه موسكو، في الكثير من بلدان العالم.
القيادة الروسية تعرف أن واشنطن سترُد على موسكو، في مكانٍ آخر من العالم بعيداً عن حدودها، لكي لا تثير غضبها، وتتسبب بحرب نووية بين البلدين، ربما سيكون الرد في سوريا أو ليبيا، التي تتدخل روسيا فيهما بشكلٍ مباشر.

لكن، وفي كل الأحوال، فإنّ الطرفين اتفقا على أن ينظِّما خلافاتها، وأن يكون الخط الأحمر الساخن مفتوحاً بين القيادتين العسكريتين الروسية والأميركية،بعد إقفاله إبّان حَقَبة ترامب،
كما اتفقا على ستكمال الدور الروسي، فيما يخص ملف مفاوضات ڤيينا النووية مع إيران، لإحراز تقدم أكبر، وكسب الوقت وتبريد المنطقة.