الأزمة الرئاسية مارونية بامتياز، ويجب التعلم من الانتخابات النيابية في جبيل وكسروان.


منذ أسبوعين كنت بضيافة رجل دولة من الطائفة المارونية، الذي نجح على مدى خمس عشرة سنة بالإمساك بأوراق اللعبة الخارجية بأدق مفاصلها، كما نجح بإدارتها حتى أضحى الرجل الأقوى في تلك الحقبة داخليا وإقليميا.

على مدار الساعات الخمس ونيف، من النقاش والحديث المتبادل بأعمق وأدق النقاط في أصعب مفاصلها التي مرت على لبنان، وتأثيرها على الحاضر وما تقدمه من تجارب تصلح للمستقبل، كانت النتيجة واحدة لا تقبل المساومة أو النقاش، وهي: “الأوطان تبنى برجالها”

وأن يكون ذكر لبنان في العهد القديم أو الجديد، وحتى في مختلف الكتب السماوية، هذا يلزمنا أن نكون على صورة لبنان، وعلى قدر هذه المسؤولية وتحمل الأمانة، الزمانية والمكانية الدينية في وجدان الرب والأكوان.

وأن يكون ذكر لبنان في العهد القديم لا يعني أن يكون يهوديا وان ذكرا في العهد الجديد والقران، أيضا لا يعني، أن يكون مسيحي أو إسلامي، هذا الوطن كما كل بقاع الدنيا مهما كان اسمها وحجمها هي ملك من يدافع عنها ويعمرها ويحدثها ويحافظ على مكنونات بقائها.

وأكرر على مسامعكم جزءا من خطاب كميل بيك شمعون في مؤتمر لندن حول فلسطين 12-9-1946 حيث قال حرفيا “ثم إن فلسطين كانت مهد الدين اليهودي وهذا لا يعطي اليهودية العالمية أي حقوق سياسية وكذلك لا يمكن القول بأنها تجعل للمسيحيين والمسلمين حقوقا سياسية خاصة رغم أن الروابط الدينية التي تربطها بهذا البلد لا تقل دعامة وقوة عن هذه التي لليهود”.

والمجتمع الدولي اليوم يتعامل مع لبنان بنص خطاب الرئيس شمعون تماما، وأنه لا يعقل أن تكون هناك حقوق سياسية حصريا لأي طائفة أو دين على طائفة ثانية، الحكم لمن يعمل ويجتهد ويبني، هكذا تبنى الدول، بالتضحية والجدية والتفاني، فالاستقلال والسيادة لا يحافظ عليهما بالمسايرة والشخصانية.

كما علينا التوقف عن الحديث أمام المجتمع الدولي أن هذا الرئيس ينتمي لإيران وذاك الرئيس ينتمي للبعد العربي، كي لا يسخر منا المجتمع الدولي، أصلا لا الإيرانيين ولا العرب، توقفوا عند خاطرنا أو رأينا قبل توقيع الاتفاقيات بينهما، صدقوني لم نعد موجودين بأي أجندة إقليمية أو دولية.

وأصبح ينطبق علينا شعر حنون، ما زاد حنون في الإسلام خردلة… ولا النصارى لهم شغل بحنون… ونحن لم نعد نؤثر في المجتمع الدولي أو الإقليمي خردلة، أصلا لولا وجود المقاومة، لكان حالنا اليوم يشبه حالنا بالأمس عندما كانت الدول تفاوض الدولة السورية حول ادارة الدولة اللبنانية، حيث كانت الدولة السورية تطالب الوفود الدولية “بالوقوف عند خاطر اللبنانيين واطلاعهم على المباحثات الدولية حول لبنان،

” أصلا كنا نعرف شو عم بصير دوليا عن لبنان من راديو مونتي كارلو وإذاعة بي بي سي “.

صدقا دعونا نتفق قبل أن يكون الرئيس مارونيا أن نعرف ماذا سيقدم للوطن، وأن نقدم الوطن على الطائفة لا أن نقدم الطائفة على الوطن، فالشعب لا يهمه أن تكون المناصب طائفية فلا الرئيس المسيحي سيدخلهم ملكوت السماء، ولا رئيسي الحكومة والنواب سيدخلونهما الجنة.

“الشعب يهتم بمن يدخل أولاده المدارس والجامعات، وبحال مرض أن يدخله المستشفيات”.

الشعب لا يهتم من في منصبه مسيحي أو مسلم، فالقصة ليست تعليم القداس أو كيفية الصلاة، القصة أننا بحاجة أن نبني وطنا، فما نفع أن أكون سنيا أو شيعيا أو حتى مسيحي وأنا لا أجد حقوقي أو أنتمي إلى مواطنتي.

علينا أن ننتبه فالمجتمع الدولي يهتم فقط بتكسير وتقسيم لبنان حتى يصبح كالزجاج لا يمكن إعادة ترميمه مرة ثانية.

اليوم الوزير سليمان فرنجية مرشح بحظوظ داخلية، وشبه قبول دولي، وهو زعيم “أبا عن جد”، اتفقوا معه أنه سيكون بعده فلانا رئيس للجمهورية، وادعموه جميعكم وأعيدوا مجد المارونية السياسية كما كانت قبل نصف قرن، والذي تتفقون عليه سيتم اختياره.

اتفقوا فيما بينكم على أي حل تريدونه، ولا ترمون خلافاتكم على بقية الطوائف، كما حصل بالماضي عند توقيع اتفاق معراب بين الجنرال عون والدكتور جعجع، فقد تبين أن الخلاف ماروني ماروني، ولا علاقة لحزب الله ولا الرئيس سعد الحريري، بفشل الاتفاق، والدليل أن الوزير باسيل اختلف مع حزب الله من أجل أن يسمي هو رئيس الجمهورية.

كما لا يجوز عند كل مفترق دستوري أن ندخل البلاد بعدم الاستقرار، ونستحضر الغزوات التاريخية والنعرات الطائفية فيما بيننا، كما حصل في انتخابات جبيل وكسروان…

كما يجب التوقف عن مقولة لبناننا ولبنانكم، فالذي يتحدث طائفيا وخاصة في جبيل وكسروان هو الذي يخسر شعبيا وسياسيا.

فأنا أذكر عام 2009 كان الدكتور فارس سعيد لوحده يمتلك نصف الأصوات الانتخابية في بلاد جبيل (فارس أنطون سعيد: 20698 صوتا) وهذا الأمر يعود إلى تاريخ عائلته الوطنية الكريمة، التي حاربت الطائفية، وبعد الحديث عن الشيعة والفرس والإيرانيين، فقد ثلثي الأصوات عام 2018 (فارس أنطون سعيد: 5617 صوتا)، ومع استمراره بنفس الخطاب، فقد خسر ما يقارب ال 600 صوت انتخابي عام 2022 (فارس أنطون سعيد: 4957 صوتا)،.

بالختام الذي يتطرف ويتعصب لرأيه لا يتقبله المجتمع، لا الداخلي ولا الدولي، الفطرة الإنسانية بطبيعتها، تأنس لمن يتواضع لها ويحاورها ويناقشها.

كما أن الانغلاق والتقوقع، أصبح خارج نطاق الزمن الطبيعي فنحن اليوم بعصر وسائل التواصل الاجتماعي.

ولا يجوز أن تفتح الدول الإقليمية صفحات جديدة بين بعضها، بينما نحن شعب واحد نبحث عن الانغلاق والمتاريس لنقاتل بعضنا من خلفها، فالسعودية في سوريا واليمن وإيران، وإيران في السعودية وسوريا في السعودية واليمن في السعودية.

كما لا يجوز أن يبقى لبنان خارج الزمن والتاريخ والمستقبل والجغرافيا، بسبب عدم القراءة الصحيحة والواقعية لما يجري في العالم.