معركة المضائق الموجهة ضد إيران.. تصعيد في غير موضعه.


كثيرة هي المعطيات التي تؤكد بمجملها، أن ما يشهده المسرح البحري الإقليمي، يُعد نقلة نوعية في سياق معركة المضائق البحرية، والتي توجه ضد إيران، وفق حسابات جيو-استراتيجية، وبنظرة خاطفة لتلك المعطيات والمشاهد، يبدو واضحاً أنه ثمة مؤشرات تؤكد بأن القاسم المشترك ما بين جُملة الحوادث التي شهدها الخليج العربي، تصب في بوتقة إتهام إيران، ولعل الهجوم على سفينة "MT Mercer Street" الإسرائيلية في 29 يوليو / حزيران الفائت، وكذا تعرض سفينة سعودية لمحاولة استهداف في مياه الخليج، ليأتي بعد ذلك، وفي 3 أغسطس / تموز الجاري، تعرض سفينة "Princess Asphalt" لمحاولة اختطاف "غامضة"، يصب مباشرة في هندسة معادلة ضغط جديدة تمس طهران مباشرة.

لكن في ذات السياق، فإن التمعن في طبيعة هذه السفن، يتضح لنا بأنها سفن تجارية، ولا تُعد ذات أهمية بالنسبة لـ طهران، ولا تشكل فرقاً جوهرياً في سياق الحرب الناعمة بين إيران وإسرائيل، لكن التركيز على جُزئية وقوف إيران وراء تلك الحوادث، إنما يُعد بمثابة تشكيل حلف قوامة واشنطن والرياض وتل أبيب، لوضع حدٍّ للسياسات الإيرانية في المنطقة، بحسب التوصيفات الأمريكية والإسرائيلية.

الدوائر الرسمية الدبلوماسية والعسكرية في إيران، بدأت بنفي المسؤولية عن تلك الهجمات، واعتبارها مفتعلة وتشكل "مؤامرة ضد إيران"، الأمر الذي ترجمته جُملة تصريحات بدأها المتحدث باسم الخارجية الايرانية، سعيد خطيب زاده، وكررها قادة في الجيش والحرس الثوري الإيراني، وفي مقدمتهم حسين سلامي، الذي نفى أي دور لإيران في تلك الهجمات.

النفي الإيراني لم يُشكل لدى محور واشنطن أي مناخ إيجابي، ولم يحل بالتالي الذهاب وبشكل مبطن، إلى تشكيل تكتل من دول إقليمية، لمواجهة ما يُسمى تقويض السلوك الإيراني في تهديد الملاحة في الخليج، ليأتي تصريح رئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينت، ترجمة حقيقية للنوايا تُجاه إيران، فقد صرح الأخير، بأن إسرائيل بصدد حشد العالم لمحاسبة إيران، وواكب هذه التصريحات تسريبات لوسائل الإعلام الإسرائيلية عن استعدادات مشتركة "إسرائيلية – بريطانية"، بُغية شن هجوم مضاد على هدف إيراني انتقاماً لـ القتيل البريطاني على متن سفينة "Princess Asphalt".
 
رومانيا بدورها دخلت على خط المواجهة، نتيجة فقدان أحد مواطنيها في الهجمات الأخيرة في الخليج، لتبدأ بالتنسيق مع بريطانيا وإسرائيل، إلى جانب الولايات المتحدة، وفق وزير الخارجية البريطانية، دومينيك راب، الذي أكد على أن "إيران ستدفع ثمناً لما قامت به".

في عمق التوجهات السابقة، يبدو واضحاً أن إسرائيل، تسعى إلى خوض مواجهة مع إيران، لكنها لن تذهب منفردة إلى تلك المواجهة، فهي تدرك أن لا قدرة عسكرية لـ تل أبيب، في الدخول بمواجهة مباشرة مع طهران، الأمر الذي يُحتم على إسرائيل، السعي في مسار واضح لحشد أكبر قدر ممكن من الدول، وجمعهم في حلف سياسي وعسكري، لمواجهة إيران، عطفاً على توجس إسرائيلي، جراء اقتراب التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع طهران.

المواجهة الجديدة مع إيران، اتخذت أبعاداً ومسارات مختلفة، أبرزها المتغيرات المتعلقة بقواعد الاشتباك، مع بروز مُعطى جديد، يتمثل بـ تحميل إيران مسؤولية الحوادث في مياه الخليج، في هذا السياق، فقد أصبحت معادلة الاشتباك متعددة الأطراف، إذ لم تعد مقتصرة على كل من إيران وإسرائيل، وإنما شملت أيضاً انخراط أطراف خليجية في المعادلة، بالإضافة إلى الأطراف الدولية، الأمر الذي يشي بمحاولة تعقيد الملفات في المنطقة، لا سيما مع وصول إبراهيم رئيسي إلى الرئاسة الإيرانية، واستئناف محادثات فيينا، المتعلقة بالاتفاق النووي.

حقيقة الأمر، وعلى الرغم من تعدد الحوادث البحرية في الخليج، والتي كان يُنظر لها، على أنها مجرد لكمات تتبادلها كلاً من إيران والولايات المتحدة وإسرائيل، لتمرير بعد الرسائل هنا أو هناك، إلا أن الحوادث الأخيرة، جزءاً من مدخلات المعادلة الإقليمية والدولية الجديدة، فالجميع في محور واشنطن، يرغبون بوضع حدٍّ للتفوق الإيراني في المنطقة، مع وضع تصورات عميقة حيال اقتراب إيران من إعلان نجاحٍ جديد، في ما يتعلق بالاتفاق النووي ومباحثات فيينا، الأمر الذي يراه البعض في محور واشنطن، ضرورة لتوسيع الجبهات ضد إيران، مع ضرورة أُخرى، تتعلق بتشكل تحالف إقليمي دولي يقوض توجهات طهران في عموم المنطقة.

أعداء طهران يحاولون قرع طبول الحرب ضدها، لكن على المستوى العملياتي، فإنه لا مصلحة لأي طرف إقليمي أو دولي، الدخول في مواجهة مع طهران، وحتى لو قررت غالبية الأطراف الدولية خوض مواجهة مع إيران، فإن ذلك ينطوي على مخاطر جمّة، لا تقوى تلك الأطراف على تحمل تداعياتها، لكن ووفق مقياس الحرب الجديدة، والتي يتمناها البعض ضد إيران، فإنه ثمة عاملين لا يغيبان عن تصورات واشنطن وتل أبيب، أولهما، أن الصين وروسيا سيتجهان حُكماً لمساندة إيران في أي مواجهة عسكرية، وثانيهما، أن هناك حدوداً للمواجهة، بمعنى، أن الدول التي ترغب بمعاقبة إيران، وإظهار القوة الخشنة ضدها، لا تسعى إلى تفجير حرب إقليمية وربما عالمية جديدة، وسيتعين على هذه القوى أن تضع في اعتبارها أيضاً عدم الاندفاع وراء الموقف الإسرائيلي كلية، خاصة مع إدراج إسرائيل للملف النووي والوجود العسكري الإيراني في سوريا ضمن حساباتها في المواجهة المحتملة. نتيجة لذلك، فإن أي حشد عسكري ضد إيران، وأيَّ سعيٍّ لتشكل تحالف إقليمي ودولي ضدها، سيكون في غير موضعه، فـ إيران ماضية في تفوقها الإقليمي، وهي حقيقة لا تُعير اهتماماً لمثل هذه الترهات، لكن رغم ذلك، فإن إيران مستعدة دائما، لتدمير أي تحرك أو تهديد ضدها.