حشو مخ!!


 مصطلح (حشو البطن) هو مصطلح مصري واقعي صميم يعرفه الذين يعانون من الفقر بنوعيه النسبي والمطلق ويراه بأم عينيه كل من يمر بمخبز (الشيخة عائشة) حيث يصطف الكادحون من أجل الحصول على رصة خبز مسرطن وفي رواية مدعم من أجل حشو بطون الصغار.

الآن بالخبز وحده يحيا الإنسان خاصة بعد اختفاء أغلب مواد الحشو المساعدة مثل السريس والجعضيض أو ارتفاع أسعارها لأرقام سياحية ودخولها في بند الرفاهية والكماليات.

حشو البطن لا يحتاج إلى فلسفة ولا ثقافة ولا عبقرية وهو المناخ الأمثل لنمو التطرف والأصولية ومحو الأفكار الليبرالية وهو أيضا عملية حيوية ضرورية لا بد أن تتواصل من أجل بقاء الإنسانية وكل ما هو مطلوب هو طبلية تلتف حولها الأمة!!.

لا يحتاج الجالسون على الطبلية لريموت ولا هات الريموت يا واد ولا البرنامج فات وفي ديله سبع لفات وليس هناك شجار على القنوات إذ ليس هناك أي خيارات!!.

ولأن الرأسمالية الطفيلية تحرص على إسعاد جماهير الأمة فلا بد من حلو والحلو دائما: حشو مخ بنوعيه بارد وساخن وفسيخ الشربات.

حشو المخ يقيك من شرور التفكير والإمعان فيما يدور من حولك ويجلب لك السعادة الوهمية والإحساس بالامتلاء والشبع العقلي الزائف والأمل الأكثر زيفا في الوصول إلى القمر رغم أنك ما زلت على الطبلية فما إن تفرغ من رصة الخبز فكل ما عليك أن تمسك بالريموت وتأتي برصة الخيارات وتعثر من بينها على واحدة تعطيك هذا الأمل (من دون حاجة لأي عمل) في تغيير الحال رغم أن هذا ضرب من المحال!!.

تنصحك الشركة المنتجة وشقيقتها الراعية أن تجرب حظك مع أحد الخيارات التالية: أولا: (كيف تصبغ حياتك بمبي في ثلاثة أيام), ثانيا: (كيف تصبح مشهورا وناجحا في سبعة أيام), ثالثا: (من سيربح المليون في ساعة واحدة) وأخيرا (كيف تقتل الرافضة الأشرار لتدخل الجنة وتنجو من النار- العرض مفتوح)!.

أما إذا التبست عليك الأمور فيمكنك أن تطلب من الريموت حذف خيارين من الرصة مع ملاحظة أن الرابع إجباري!!.

حشو المخ لا علاقة له من قريب ولا من بعيد باستخدام أي مخ لأن الأمر لا يعدو كونه إملاء وإنشاء ورص كلامٍ ما قل منه خير مما كثر مهما كان انعدام الترابط العقلي بين هذه النصوص والمهم هو براعة المتكلم وقدرته على رص النصوص وحكاية قصة الشاطر حسن مع اللصوص وتسويق الوهم لجمهور الطبلية الذي لا يحلم بفرصة للخروج مما هو فيه إلا بالسير وراء الكذاب المفوه حتى باب الدار.

حشو المخ الساخن ليس وقودا يشحذ همة العقل ويدفعه للتأمل والتدبر والتفكير بل هو تسخين الدماغ لدرجة الغليان في مواجهة أعداء الدين من العلمانيين والليبراليين والرافضة الأشرار فتنتصب القرون وتصبح قادرة على النطح إذ جد الجد ودعا داعي الجهاد المقدس وما إن تنتهي المعركة يأتي حشو المخ البارد داعيا لطاعة العلماء وأولياء الأمور مهما ظلموا أو قتلوا أو سرقوا ما أقاموا فيكم الصلاة.. يا أخي!!.

كل ما هو مطلوب أن يبقى سكان الطبلية في حالة استنفار دائم ضد أعداء الدين الذين يريدون عرض النص على العقل بدلا من عرض العقل على النص وأن يبقى المؤمنون في حالة أمل تعينهم على تجرع كل أنواع الألم وتجعلهم يحلمون بتحويل الأسود إلى بمبي والفسيخ إلى شربات بمجرد قيامهم بتشغيل عداد التسبيح وما على الكذاب المفوه إلا تشغيل عداد الدولارات.

أصبح ممكنا وللمرة الأولى في تاريخ البشرية أن نخرج من حالة اليأس بكبسة زر واحدة من دون حاجة لاستثمارات داخلية ولا خارجية ولا محاربة للفساد المستشري ولا شوشرة أو مَشوَرة لأن هذا يخفف العبء عن الحكومات المشغولة بما هو أهم وأجدى من متابعة شئون العباد!!.

ألم يسهم الطب البديل والبردقوش العجيب وعيادات علاج السحر والجان على الهواء في تخفيف الضغط عن المستشفيات وتقليل عدد المطالبين بقرارات للعلاج على نفقة الدولة من لائحة الأمراض الطويلة بعد أن تم اكتشاف السر الباتع لبردقوش (عبد العال) وقدرته على شفاء كل الأمراض!!.

ألم تسهم الوصفات المجانية الاجتماعية وعيادات الضعف الجنسي في تخفيف نسبة الطلاق وتخفيف الضغط على محاكم الأسرة ولو إلى حين؟!.

ألم تسهم وصفة (كيف تجعل حياتك بمبي في ثلاثة أيام) التي رفعت شعار (ياللا نعمل نهضة بدلا من شعار ياللا نشرب بيبسي) في تخفيف المطالبة بحل مأساة البطالة خاصة وأنها ألقت الكرة في مرمى الشباب الغافل اللاهي عن قول (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله) مائة مرة ليحصل على قرض لشراء عربة فول وألف مرة ليحصل على وظيفة في الحكومة وعشرة آلاف مرة ليحصل على وظيفة في بنك استثماري و مائة ألف مرة ليحصل على وظيفة في الأمم المتحدة ويأتيه اليونسكو والبنك الدولي يطلبون منه الدعم ويلتمسون منه البركة ولو قالها مليون مرة فسيحصل على جائزة الأوسكار وتختاره مجلة التايم ليكون من أكثر مائة شخصية مؤثرة في الكون بأسره!!.

وهناك أيضا حشو مخ مؤقت (لا بارد ولا ساخن, لا ظليل ولا يغني من اللهب) يستخدمه جهابذة الفن لسد الحفر والمطبات وردم الشوارع التي خربها رجال الحشو العشوائي العام كهذا الثقب الهائل في مصداقية البخاري (أصح الكتب بعد كتاب الله؟!) الذي أحدثه ذلك الثرثار صاحب فتوى رضاع الكبير بسبب كلامه الفارغ فكان أن طلع علينا العبقري أبو محمد بحشوة مخ مؤقتة وهائلة هي مزيج من اللبان ولبابة الخبز المسرطن عندما زعم أن الرواية خاصة بالصحابي سالم مولى أبي حذيفة وأنه كان حالة شرعية استثنائية كونية ليس لها قبل ولا بعد مع أنهم يقولون (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) والمهم أن علكة أبو محمد النووية (أكبر لبانة في التاريخ) نجحت في تهدئة الغوغاء وتسكين الدهماء وإقناعهم أن ليس في الإمكان أبدع مما كان!!.

وكان أن نجحت لبانة أبو محمد في سد ثقب الأوزون وإيصاد باب المناقشة وغلق كل أبواب الاجتهاد!!.

من المفيد أيضا أن نعرف أن حشو المخ يسد كل الثقوب التي يمكن أن تنفذ منها رياح التغيير في محاولة لإنعاش هذا العقل الكسير ودفعه ولو مرة واحدة للتفكير بدلا من مواصلة السب والشتم والتكفير!!.

ولأن حشو المخ يغلق المسام ويمنع دخول الهواء النقي ويمنح الفرصة للحشرات والطحالب للنمو والتكاثر فقد تعفنت هذه العقول المحشوة بالترهات وانتفشت وأخذت تطلق الروائح الكريهة والأبخرة السامة في كل مكان ولكن لا أحد يشم بعد أن أصبح ازدراء تلك الروائح المقدسة والإعلان عن الإحساس بالغثيان والمطالبة بالتهوية والنظافة مساسا بالثوابت وازدراء للأديان!!.

الآثار الجانبية

لم يكف كل ما ذكرناه لإقناع أهل الفن بالتوقف (وأزيدك من الشعر بيتا) فقد تبين أن أغلب ما جرى إدخاله على أنه حشو مخ بارد هو حشو مخ سام أو مفخخ يمكن له أن يقتل الدنيا بأسرها ويكفي متابعة الآثار الأخلاقية والاجتماعية الكارثية لفتوى الدكتور عزت ليدرك القوم أن على نفسها جنت براقش.

والأدهى من هذا أن هذه العقول التي جرى تخريبها قد تحولت إلى طاقات معطلة وملقاة في الشوارع تسد الطرق وتمنع إنقاذ ما يمكن إنقاذه وأن وصفة حشو المخ التي كان البعض وما زال يحلم بتعميمها تحت شعار حشوة لكل مواطن هي الطريق الأكيد لخراب العقول والمجتمعات.

ولا يفوتنك أن حشو المخ كحشو الأسنان يمكن أن يسقط في أي لحظة والدليل على ذلك أن حشو المخ البخاري المليء بروايات على شاكلة رضاع الكبير قد أسقطه عبقري الفتوى ولا بد أن تسقط لبانة أبو محمد هي الأخرى بأسرع مما يتصور الحشوية الواهمون.

فهل يخجلون أو يعقلون؟؟!!.

ملحوظة هامة: مصطلح الحشوية قديم قدم التاريخ الإسلامي وليس من اختراع كاتب هذه السطور.