تصفية الحسابات ما بين القوى العظمى فمن يربح؟


لم يكن الشرق الأوسط بالعموم، يتعاطى مع المتغيرات السياسية التي راحت تتشكل أبجدياتها، على ما خُطط له من قبل الاستخبارات الغربية، منذ أن وطأت يد المستعمر أرض فلسطين المحتلة.

هي أبجدية من نوع خاص، تندرج تحت مسمى أبجديات السياسية الصهيونية، التي تقوم على ما اعلنت عنه "كونداليزا رايس"، ليكون عنوانه "الشرق الأوسط الجديد". 

الحرب على سوريا، والتي انهت عامها الحادي  عشر،  لم تكن لتحدث في ليلة الخامس عشرة من آذار، لولا أن تلك الأيادي الغربية الصهيونية أسست لها، ولست بصدد ذكر الأحداث السابقة لأنها موثقة، ونهايات الإرهاب الذي مُورس على الأرض السورية، قد سُحق بيد الجيش العربي السوري وحلفاؤه في روسيا الاتحادية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهنا يتوجب السؤال. هل تصفية الحسابات للحلفاء بدأت على الأرض الأوكرانية ابتداء ً مع روسيا ومن خاصرتها الضعيفة، أو لنقل في حديقتها الخلفية؟. وماذا عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية؟

 هل أُوكلت المهمة للكيان الإسرائيلي، لتتم تصفية الحسابات عبر القصف المستمر لما يسمونه "ميليشيات إيرانية في سوريا"، أم عبر الضغط الاقتصادي من قبل اليد الأمريكية لخنق إيران داخلياً!؟. 

كيف يتم توزيع المهام لتكون العقوبات العسكرية والسياسية في ميزان الولايات المتحدة، وكيف تُقسم درجة العداء أو حمى الانتقام؟.

الحرب على سوريا كشفت الكثير من مخابئ السياسة الملونة، وحتى الحروب الملونة، التي ينتهجها الغرب منذ قرون، لكن وخلال القرن الواحد والعشرين كان المشهد مختلفاً في المنظور الميداني، ففي سوريا أُعيد مسرح القتال للعصور القديمة من قطع الرؤوس، واستخدام الفتاوى والأحكام اللا شرعية، وبرز دخول الإسلام العسكري ليحل محل السياسة العسكرية، ولتبدأ مشاهد الحرب الإرهابية التركية والأمريكية والغربية والصهيونية التي لم تنكفئ حتى الآن.

هي حرب بالخفاء حُضر لها في أوروبا الشرقية، وتحديداً في أوكرانيا،  فكثيرة هي الملفات التي تزعج واشنطن حيال روسيا، وتحديداً ما يخص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فقد استطاع ومنذ انهيار الاتحاد السوفيتي أن يكون رئيساً يستحق هذا اللقب بكل جدارة،  واستطاع نقل روسيا من التفكك، إلى النهضة الاقتصادية والعسكرية والأمنية الاجتماعية، وبدأت مرحلة الصعود المدوي للقوة العظمى لما كان يسمى  "الامبراطورية الروسية".

وتواجد روسيا في المياه الدافئة في سوريا، أثمر علاقات دبلوماسية وشراكات اقتصادية كبيرة وكثيرة مع الصين وإيران، وعموم دول المنطقة، واصبحت روسيا من خلال ذلك، منافس اقتصادي لأمريكا في أوروبا، وبالتالي  هي ملفات لابد من حرقها، ولتكن اوكرانيا هي الضربة الموجعة.

استباقية القرار الروسي للعملية العسكرية في أوكرانيا، أتت بنتائج استخباراتية غاية في الدقة لمصلحة القيادة الروسية، واهمها الملف المتعلق بمراكز الابحاث البيولوجية التي اكتشفتها روسيا.

نفاق الغرب في التعاطي السياسي مع روسيا عبر السنوات الماضية، أظهرته وبقوة قرارات الرئيس فلاديمير بوتين، فقد تم خلع الاقنعة، وما تزويد أمريكا وبريطانيا ودول حلف الناتو للرئيس زلينسكي بالأسلحة والأموال والمساعدات، إلا غيض من فيض مما يتمنى أن يُقدم عليه هذا الحلف، لتدمير روسيا وتهديد أمنها، وتحميل الرئيس فلاديمير بوتين نتائج العملية العسكرية على أوكرانيا، ليصار إلى هبوط أسهمه لدى الشعب الروسي، أو الشعب الاوكراني من أصول روسية، وهذا ما عناه الرئيس جو يايدن عندما قال: بأن الرئيس الروسي سيدفع غالياً ثمن حربه على أوكرانيا وأكد أن بوتين "ليس لديه أدنى فكرة عما ينتظره" مضيفاً أن الرئيس الروسي "أصبح معزولاً الآن عن العالم أكثر من أي وقت مضى".

تتعمد الولايات المتحدة  خلق فوضى في أُسس وأدبيات العلاقات الدولية، من خلال الضغط على الدول لإجبارها على التصويت ضد روسيا، مهددة إياها بعقوبات اقتصادية و أمنية، كانت قد أغرقت فيها العديد من دول الشرق الأوسط  كالبنان والعراق، و امتنعت سوريا عن التصويت ووقفت إلى جانب حليفتها روسيا.

الجمهورية الإسلامية الإيرانية امتنعت عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد مشروع امريكي للتنديد بروسيا، وطهران التي ما يزال ملفها النووي يشكل الملف الاول والاساس لتحديد ماهية العلاقة التي ستتشكل مع واشنطن، والتي ستؤدي عند إعادة توقيعه كما ترغب طهران إلى فوزها على الولايات المتحدة الأمريكية، فهي من جهة تحتفظ بتواجدها وعلاقاتها الجيدة مع روسيا والصين سوريا، ومن جهة أُخرى تضمن رفع العقوبات الاقتصادية، وحصولها على أموالها لدى الغرب، وبذلك تصبح الفائر سياسياً في المواجهة الامريكية الغربية، رغم تزمت اسرائيل، ومحاولتها منع هذا التقارب الامريكي الإيراني.

هي حروب غربية استعمارية منذ عقود، تتزعمها دول يختارها اللوبي الصهيوني لتحقيق اهداف جيو سياسية في منطقة الشرق الاوسط، ولا ضير أن تصل إلى اوروبا، إن كان في حدوثها راحة للطفلة المدللة "إسرائيل"، لحين تحقيق الحلم من النهر الى البحر، إن لم يكن قد غير الهدف ليشمل كل بقاع الأرض وترفع راية الديمقراطية المزيفة كما في تمثال نيويورك.