التّطبيع السّوريّ الإسرائيليّ القادم "اتّفاق السّلام" بداياته، أبعاده واستراتيجيّاته

(الجزء الثّاني)


تطرّقت في الجزء الأوّل من سلسلة البحث للقرار ( 338 ) الصّادر من مجلس الأمن بتاريخ 22/10/1973، والذي يقضي بوقف إطلاق النّار على مختلف جبهات حرب تشرين التّحريريّة التي خاضها جيشنا العربيّ السّوريّ ضدّ إسرائيل والدّعوة منذ ذلك التّاريخ لإقامة سلام عادل ودائم في الشّرق الأوسط ، وبناء عليه تمّ توقيع اتّفاق فكّ الاشتباك في أيّار عام 1974م ، ثمّ طُرِحَت مبادرات عدّة للسّلام بين الدّول العربيّة وإسرائيل من مختلف الدّول والشّخصيّات ، ومنها المبادرة العربيّة للسّلام التي طُرِحَت في مؤتمر القمّة العربيّة في فاس بالمغرب عام 1982م والتي تضمّنت انسحاباً إسرائيليّاً من الأراضي العربيّة المحتلّة بعد حرب حزيران عام 1967م بما في ذلك القطاع العربيّ من القدس وإقامة الدّولة الفلسطينيّة وعاصمتها القدس وإزالة المستعمرات التي أقامتها إسرائيل بعد عام 1967م ، وضمان حرّيّة العبادة لمختلف الأديان في الأماكن المقدّسة بمدينة القدس ، والتّأكيد على أنّ من حقّ الشّعب الفلسطينيّ أن يكون مسؤولاً في تقرير مصيره ، وأن يمارس كامل حقوقه الوطنيّة الثّابتة تحت قيادة منظّمة التّحرير الفلسطينيّة التي كانت قد حصلت على اعتراف بها ممثّلاً شرعيّاً ووحيداً لهذا الشّعب ، والتّأكيد على حقّ العودة والتّعويض لمن لا يرغب في العودة ، ونصّت أن تُوضَع الضّفّة الغربيّة وقطاع غزّة تحت وصاية الأمم المتّحدة لفترة انتقاليّة لا تتجاوز بضعة أشهر ، وعلى أن يقدّم مجلس الأمن ضمانات للسّلام لدول المنطقة جميعها بما في ذلك الدّولة الفلسطينيّة ، ووافقت الدّول العربيّة ومنظّمة التّحرير على تلك المبادرة ، وجاءت الدّعوات لاحقاً لعقد مؤتمر مدريد للسّلام متعدّد الأطراف ، والذي انعقد لثلاثة أيّام عام 1991م  برعاية روسيّة أمريكيّة في مسعى لإقامة سلام دائم بين الدّول العربيّة وإسرائيل ، وقد قام على أساس مبدأ الأرض مقابل السّلام وتنفيذ قرارات مجلس الأمن ( 242 و 338 و 425 ) ، وشاركت فيه وفود من سورية ولبنان ومصر وشكّلت الأردن وفلسطين وفداً واحداً ، ولم تشارك منظّمة التّحرير الفلسطينيّة في ذلك الوفد نتيجة دعم ياسر عرفات لصدّام حسين أثناء قصفه إسرائيل ، وكان لكلّ دولة عربيّة شروطها وكذا الحال لإسرائيل ، وتمّت الدّعوة في المؤتمر لإبرام اتّفاقيّات اقتصاديّة وأمنيّة ودبلوماسيّة بين العرب وإسرائيل ، كما دعا المؤتمر لعقد لقاءات ثنائيّة مباشرة أو غير مباشرة ومفاوضات متعدّدة الأطراف بين العرب وإسرائيل ، ووافقت الدّول العربيّة وإسرائيل على مقرّراته ، ونتيجة ذلك تمّت مجموعة من الاتّفاقيّات منها أوسلو ( 1 و2 ) في عامي ( 1993 و 1995 م ) ، واتّفاقية حول غزّة وأريحا التي مهّدت لقيام السّلطة الفلسطينيّة بالضّفة الغربيّة وقطاع غزّة عام 1994م ، واتّفاقية وادي عربة بين الأردن وإسرائيل عام 1994م ، وجرت محادثات أو مفاوضات بين سورية وإسرائيل برعاية روسيّة وأمريكيّة ، استناداً لمقرّرات مؤتمر مدريد سواء أكانت مباشرة أم غير مباشرة ، وجاءت وديعة رابين في عام 1994م التي تضمّنت موافقة إسرائيل على الانسحاب من الأراضي السّوريّة التي احتلّتها عام 1967م مقابل علاقات ثنائيّة ودبلوماسيّة كاملة وضمانات أمنيّة لإسرائيل ، وهذا ما تعهّد به الرّئيس الأمريكيّ السّابق بيل كلينتون أثناء لقائه بالقائد المؤسّس حافظ الأسد ، وكان من تلك المفاوضات أيضاً ما تمّ في عام 1999م و2000 ، وبعضها في تركيا عام 2004 التي أعلن فيها أرئيل شارون رئيس الوزراء الإسرائيليّ السّابق استعداده لإجراء مباحثات سلام مع سورية بشرط توقّف سورية عن دعم من وصفهم " بالإرهابيين " في إشارة إلى المنظّمات الفلسطينيّة المقيمة في سورية وإلى حزب الله ، وعام 2006 وفي حزيران 2007 م أعلنت إسرائيل استعدادها استبدال الأرض مقابل السّلام شريطة قطع سورية علاقتها بطهران وأن تطرد من ترابها مَن تطلق عليهم إسرائيل : " الجماعات الإرهابيّة " في إشارة للمنظّمات الفلسطينيّة ، وفي آب من العام نفسه أعلن السّيّد فاروق الشّرع نائب السّيّد الرّئيس آنذاك عن عدم نيّة شنّ حرب ضدّ إسرائيل لاستعادة مرتفعات الجولان _ وربّما كان هذا الموقف سبباً في احتفاظ سورية بحقها في الرّدّ في الزمان والمكان المناسبين عند كل اعتداء عليها _ ، وتلا إعلان السّيّد الشّرع بثمانية أشهر إعلان آخر من إسرائيل في نيسان عام 2008 عن استعدادها الانسحاب من هضبة الجولان مقابل السّلام مع سورية ، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى ما كانت تطالب  به سوريةُ إسرائيلَ من أجل السّلام بينهما لتكون خطوات في اتّجاه السّلام العادل والشّامل الذي تنادي به سورية :
إلغاء قرار الكنيست الإسرائيليّ الصّادر في عام 1981 القاضي بضمّ الجولان ، وإقرار مبدأ السّيادة السّوريّة المطلقة على أرض الجولان والاستعداد للانسحاب الإسرائيليّ الكامل منه ، وأن تقبل إسرائيل بأن يكون الحلّ السّلميّ في إطار تسوية شاملة على مختلف الجبهات ، وأن تتمّ إجراءات أمنيّة على جانبي الحدود وضمان أمن كلّ دولة ، وأن تبدي سورية بالمقابل استعدادها للبحث في المسائل الأخرى المتعلّقة بالعلاقات الخاصة لفتح الحدود وفتح السّفارة والتّبادل التّجاريّ . 
وكان مؤتمر القمّة العربيّة الذي انعقد في لبنان عام 2002 قد حمل مبادرة سلام عربيّة حملت اسم مبادرة الملك عبد الله للسّلام ، وجاءت متوافقة مع المبادرة العربيّة السّابقة ، ووافقت أيضاً الدّول العربيّة عليها ، ولكن بقيت أسئلة تتكرّر دوماً ، إذا كان ضمن تلك المبادرة وغيرها الاعتراف بمنظّمة التّحرير الفلسطينيّة على أنّها ممثّل شرعيّ ووحيد لهذا الشّعب _ إن كان من الفلسطينيين أو غيرهم _ فلماذا كانت بعض الدّول العربيّة تقحم نفسها بديلاً لها في التّمثيل العالميّ وتتدخّل في شؤونها ؟ وبما أنّ مؤتمر مدريد أشار إلى عقد مفاوضات أو لقاءات ثنائيّة مباشرة أو غير مباشرة ومفاوضات متعدّدة الأطراف بين العرب وإسرائيل ، فلماذا كانت أيضاً بعض الدّول العربيّة تجعل من نفسها وصيّة على غيرها في الوقت الذي تمنع أحداً من التّدخّل في شؤونها الدّاخليّة وتتّخذ مواقف من الاتّفاقيّات الثّنائيّة بين بعض الدّول العربيّة وإسرائيل التي جرت استناداً لمقرّرات مؤتمر مدريد ، وهي نفسها تجري مفاوضات بالطّريقة ذاتها فما موقفها من ذاتها ومن بقيّة الدّول ؟!.. 
وسعت سورية بعد عام 2008 لتغيير خطابها الإعلاميّ عبر اعتراف عدد من الوزارات السّوريّة بإسرائيل وغير ذلك وتمّ تغيير مناهجها لتتوافق مع المرحلة القادمة ، وهو ما سيكون مجال البحث في الجزء الثّالث إضافة لوضع سورية في ظلّ الأزمة والمؤامرة عليها ودور بعض المنظّمات الفلسطينيّة في تخريب سورية  ودعمها الإرهابيين رغم أنّها كانت في الحضن السّوريّ .  


المصدر: الوكالة العربية للأخبار