يوم القدس ... بين التطبيع وموقف التشريع
ان المقصود بالتطبيع ها هنا أيّ تطبيعٍ سياسي أو اقتصادي أو أمني أو عسكري أو ثقافي أو علمي، حيث ان التطبيع مع الكيان الصهيوني عاراً وخطيئةً وخيانة للدين والوطن والتاريخ والأرض والشهداء.
ان القوانين والتشريعات العراقية هي من التشريعات الممتازة في المنطقة ولا يشوبها شيء سوى التطبيق، فمسالة التطبيع مع إسرائيل قد تناولها الدين الإسلامي في القران والسنة وكذلك المشرع العراقي في شقية الدستوري والقانوني، وبالتالي ان الموضوع لا يحتاج الى تشريع بل تطبيق تلك القوانين ومعاقبة منتهكيه ومخالفيه.
أولا: موقف الدين الإسلامي
1 – موقف القران من التطبيع
ان الآيات الدالة على التعامل مع اليهود كثيرة سأذكر بعض منها:
أ – القرآن الكريم عموم الآيات المحرّمة للتعامل مع من يعادي الله ورسوله ويحارب المسلمين ويقتلهم ويسلبهم أرضهم ومالهم، ومن ذلك قوله تعالى: (لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ)،
ب - الحشر:22، وكذلك قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ)، الممتحنة: 1.
ج - (۞ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82) سورة المائدة.
د – قال تعالى (إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون).
هـ - ( وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها )
و - (لُعِنَ الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون . كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون)
2 – موقف السنة النبوية من التطبيع
ان موقف النبي الاكرم صلوات الله وسلامه عليه واضحا جدا من التعامل مع اليهود، في البداية ولأنهم لم يظهروا العداوة عقد معهم الصلح لكن بأول خيانة منهم قام بطردهم من المدينة، وان إسرائيل الان هي في عداء دائم وبالتالي ان السنة النبوية تحتم علينا ان نمضي بما فعله الرسول بطرد اليهود من فلسطين وتحرير .
2 – موقف علماء المسلمين من التطبيع
الجزء الأول: موقف علماء السنة
أ – هذه الفتاوى فتوى علماء فلسطين الصادرة عن مؤتمر علماء فلسطين الأول المنعقد في يناير 1935، وأبرز العلماء الموقعين على هذه الفتوى: مفتي القدس الشيخ محمد أمين الحسيني، ومفتي مدينة جنين الشيخ حسن أبو السعود، ومفتي بئر السبع الشيخ محمد سليم بسيسو، وقاضي الخليل الشيخ أحمد النحوي.
ج - فقد أصدر عُلماء الأزهر فتوى في العام 1366 للهجرة أي في عام 1947 م وفتوى أخرى في العام 1367 (1948) للهجرة بوجوب الجهاد لإنقاذ فلسطين وحُرمة التطبيع.
د - كذلك فتوى الجامع الأزهر في اجتماع لجنته المنعقد في عام 1956، ومن الموقعين على هذه الفتوى كل من الشيخ عيسى منون، والشيخ محمود شلتوت، والشيخ محمد الطنيخي، والشيخ محمد عبد اللطيف السبكي.
هـ - وأيضاً هنالك فتوى لعُلماء المؤتمر الدولي الإسلامي الذي انعقد في باكستان العام 1968،
و - وأصدر أيضاً مجموعةٌ من العُلماء في العام 1989 وبلغ عددهم 63 عالِماً من 18 دولةً فتوى بتحريم التنازل عن أيّ جزءٍ من فلسطين وعدم جواز التطبيع مع الكيان الصهيوني.
الجزء الثاني: موقف علماء الشيعة
ان موقف الفكر الشيعي واضح جدا من القضية الفلسطينية وجعل فلسطين قضيته الأولى وجزء من عقيدته :
أ – الامام الخميني: وشبهها الامام الخميني بالغدة السرطانية التي يجب ان تزول، وخصص لها اخر جمعة من شهر رمضان المبارك وجعلة يوم القدس العالمي كيوم مذكر الامة الإسلامية بقضيتها الأولى وبذلك يكون منبه للخطر الكبير لإسرائيل ومذكر الامة باولى القبلتين.
ب - الإمام الخامنئي: "إنّ قضيَّة فلسطين أهمّ قضايا العالم الإسلاميّ، وما من قضيَّة دوليَّة في العالم الإسلاميّ تفوقها أهميَّة؛ لأنَّ احتلال مغتصبي التراب الفلسطينيّ ومدينة القدس هذا الجزء من جسد الأُمَّة الإسلاميَّة يمثّل مصدرًا للكثير من حالات الضعف والمشاكل في العالم الإسلاميّ".
وفيما يخص التطبيق فانه قال عن الدول المطبعة وان التطبيع هو أعظم خيانة في تاريخها وتاريخ الدول العربيَّة، بأن دعمت ودافعت عن (إسرائيل) الغاصبة، في اغتصابها وظلمها لدولة إسلاميَّة وشعب عربي، وهذا هو معنى الاعتراف بـ (إسرائيل). لقد ألغوا المقاطعة (مع إسرائيل)، فما معنى هذا العمل؟ إنّه خيانة بحقّ الشعوب المسلمة، خيانة بحقّ الشعوب العربيّة، وأعظم خيانة بحقّ الشعب الفلسطينيّ"
ج – اية الله عيسى قاسم: أن التطبيع هو خلاف الإرادة التشريعية لله تعالى وكذلك لإرادة شعوب الأمة، وأنه يمثل استجابة للإرادة الأمريكية والإسرائيلية معا، وهي على علم بإضراره البالغ بالأمة وبالعداء الإسرائيلي الأمريكي لها.
د -المرجع السيد محسن الحكيم، عام 1948، حيث أرسل رسالة في حينها إلى الأمم المتحدة يدين ويستنكر بشدة تأسيس دولة للصهاينة على أرض فلسطين.
هـ - الخوئي: ان السيد الخوئي (ره) كما وصفه العلامة فضل الله من (الذين أصدروا الفتاوى في دعم القضية [ الفلسطينية ] ماليا وسياسيا.. ان الكثيرين من المقاومين في المقاومة الإسلامية، كانوا لايبتعدون عن فتواه عندما ينطلقون في خط الجهاد).
ثانيا: الموقف الإنساني من التطبيع
الكل يعلم تاريخ فلسطين وكيف أن إسرائيل دولة مغتصِبة، تم إنشاؤها بعد احتلال أرض فلسطين وتشريد أهلها، واحتلال مدنهم وقراهم وأراضيهم،
ثالثا: موقف الدستور العراقي من التطبيع
ان الدستور العراقي أشار تلميحا وليس تصريحا الى التعامل مع كمل كيان او جهه عنصرية او تدعم الإرهاب وكذلك رفض الدستور أيضا التمجيد لها، ان سبب كون الإشارة لم تكن صريحة لعدة أسباب وهي:
أ- ان الدستور كتب باشراف الامريكان عليه
ب-وجود جماعات من العراق وهي مشاركة بكتابة الدستور لديها علاقات مع إسرائيل
اما ما تم ذكرة في الستور هو المادة (7) أولا: يحظر كل كيان او نهج يتبنى العنصرية او الإرهاب او يمجد او يروج او يبرر له، ..... تحت أي مسمى كان،...)، ذكر النهج العنصري والكل يعلم ان إسرائيل هي دولة عنصرية وهي الركيزة التي قام عليها كيانهم.
رابعا: موقف القانون العراقي من الدستور
القانون جرم التعامل مع إسرائيل بمادتين، الأولى عامي تشمل اسرائي وغيرها وهي التخابر او التعامل مع دولة هي عدو للعراق ولا تريد الخير له والمادة الثانية اشارت بصراحة لذلك.
أ – التخابر
ان اول تشريع أشار الى الخيانة بتهمة التخابر هو قانون العقوبات البغدادي، إن عنوان التشريع هو قانون العقوبات البغدادي وكان تاريخ التشريع: 21-11-1918، وهو غير ساري لأنه قد الغي هذا القانون بموجب قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969، ثم عدل عام 1919، ثم عدل عام 1963 وسمي قانون قانون العقوبات البغدادي، وعدل أيضا عام 1968 والغي عام 1969.
ب – التعامل مع إسرائيل
ان في المادة 164 من قانون العقوبات النافذ رقم 111 لسنة 1969، نصت على يعاقب بالاعدام:
1 – من سعى لدى دولة اجنبية او لدى احد ممن يعملون لمصلحتها او تخابر مع اي منهما، وكان من شان ذلك الاضرار بمركز العراق الحربي او السياسي او الاقتصادي.
2 – من اتلف عمدا او اخفى او سرق او زور اوراقا او وثائق وهو يعلم انها تصلح لاثبات حقوق العراق قبل دولة اجنبية او تتعلق بامن الدولة الخارجي او اية مصلحة وطنية اخرى.
اما في مادة 201
يعاقب بالإعدام كل من حبذ أو روج مبادئ صهيونية بما في ذلك الماسونية، أو انتسب الى أي من مؤسساتها أو ساعدها ماديا أو ادبيا أو عمل باي كيفية كانت لتحقيق أغراضها. (عدلت
المادة 201 بموجب قانون التعديل الثالث المرقم 130 لسنة 1975)
خامسا: النتيجة
1 – ان التشريع الإسلامي من قران وسنة نبوية لا تشكل ورقة ضغط كافية على السياسيين لانهم لا يهتمون للدين ولأنهم يقدمون مصلحتهم الدنيوية على الاخروية ولانهم يمتلكون السلطة ولذلك لا احد ينتقد افعالهم من عامة الناس، وبالتالي ان النهي عن التطبيع بالإسلام هو غير كافي.
2 – ان الدستور ورغم انه لم يصرح بشكل واضح على منع التطبيع فهو ليس ذو فائدة من ذكره، وذلك لسبب بسيط وهو ان السياسيين يخالفون الدستور جهارا نهارا ولا توجد أي عقوبات لاي منتهك للدستور فلذلك لا حاجة لتجريم التطبيع بالدستور ما دمام القانون لا يعاقب منتهكيه.
3 – قانون العقوبات العراقي النافذ رقم 111 لسنة 1969 وفي المادة 201 منه ذكؤر وبصراحة ان التطبيع والتمجيد تكون عقوبته الإعدام، لكن قادة من الخط الأول أي زعماء سياسيين هم مطبعين وممجدين لإسرائيل لكن من يطبق عليهم القانون
سادسا: الخلاصة
1 - ان الخلل ليس بالتشريع بل بالتنفيذ
2 – ان يوم القدس العالمي هو خير دليل على موقف الشيعة من القضية الأولى في عقيدته وهي تحرير فلسطين عاجلا ام اجلا.
التعليقات