المهدي المنتظر: من هو؟

الجزء الرّابع


هل نحن أمة تؤمن بالقرآن؟!

لسنا فقط أمة تجهل أو تتجاهل ما ورد في كتاب الله عز وجل من أحكام تفصيلية، بل نحن أمة تتجاهل العقل ولا ترى له حاجة ولا مكانا في فهم حقائق الكون وحركة النبوات.

أمة ترى أن الغائب يرى ما لا يراه الشاهد وتقدم شهادته الكاذبة على شهادة أهل البيت الأعلم بما فيه!!.

عندما يطل علينا كائن تافه زاعما أن الإمام الحسن العسكري كان عقيما لا ينجب فمن واجبنا أن نسأله: هل اطلع فخامته على الفحوصات الطبية للإمام الحسن العسكري حتى يمكنه التنطح بهذا الإعلان الفاجر والوقح والمنحط؟!.

يقول الشيخ المفيد في الإرشاد: ومَرِضَ الإمام الحسن العسكري أبو محمد عليه السلامُ أول شهر ربيع الأول سنةَ ستين ومائتين، وماتَ في يوم الجمعة لثمانِ ليالٍ خَلَوْنَ من هذا الشهر في نفس السنةِ، وله يَوْمَ وفاته ثمانٌ وعشروَنَ سنة، ودُفِنَ في دُفِنَ فيه أبوه من دارِهما بسُرَّ مَنْ رأى.

فمتى وكيف علم هذا الأنوك أن الحسن العسكري الذي توفي في ريعان شبابه عقيم لا ينجب؟، اللهم إلا من مصادره المزينة والمذيلة بقيل وقال والتي لا يهش ويبش لها إلا عقول ذيلية تافهة أو نفوس مريضة دينها بغض أولياء الله الصالحين؟!.

استشهد الإمام الحسن العسكري كما يبدو لنا واضحا من عمره القصير ومرضه الأقصر الذي لم يدم سوى أسبوع واحد (وخَلَّفَ ابْنَه المنتَظَرَ لدولةِ الحقِّ وكانَ قد أخْفى مَوْلدَه وسَتَرَ أمْرَه لصُعوبة الوَقْتِ، وشِدَّةِ طَلَب سُلْطانِ الزمانِ له، واجْتهادِه في البَحْثِ عن أمْرِه، ولمِا شاعَ مِنْ مَذْهَب الشيعةِ الإمامية فيه، وعُرِفَ من انتظارِهم له، فلم يُظْهِرْ وَلَدَه عليه السَلامُ في حياتِه، ولا عَرَفَه الجُمْهورُ بعد وَفاتِه.

وتولىّ جعفرُ بن عليّ أخو أبي محمد عليه السلامُ أخْذَ تَركَتِه، وسَعى في حَبْسِ جواري أبي محمد عليه السلام واعْتقالِ حلائِلهِ، وشنٌعَ على أصحابه بانْتِظارِهم وَلَدَه وقَطْعِهِمْ بوجودِه والقولِ بإِمامتِه، وأغْرى بالقوم حتى أخافَهم وشرّدَهم وجَرى على مخلَّفي أبي محمد عليه السلامُ بسببَ ذلك كُلّ عظيمةٍ، من اعتقالٍ وحَبْسٍ وتَهْديدٍ وتَصْغيرٍ واسْتِخْفافٍ وذُلٍّ ولم يَظْفَرِ السلطانُ منهم بطائلٍ .

وحازَ جعفرُ ظاهِرَ تَركةِ أبي محمد عليه السلامُ وَاجْتَهَدَ في القيام عند الشيعةِ مَقامَه فلم يَقْبَلْ أحدٌ منهم ذلك ولا اعْتَقَدَه فيه فصارَ إِلى سُلطانِ الوقْتِ يَلْتَمِسُ مَرْتَبَةَ أخيه، وبَذَلَ مالاً جليلاً، وتقّرب بكل ما ظَنَ أنّه يتقرب به فلم يَنْتَفِعْ بشيءٍ من ذلك. انتهى النقل عن الشيخ المفيد في الإرشاد.

هل كان بوسع آل الرسول صلى الله عليه وآله آنئذ إقامة العزاء وتلقي البيعة لإمام الزمان –ولو حتى في المقابر كما كان يفعل الإخوان- والإعلان عن بدء عصر جديد يظهر فيه المعد لقطع دابر الظلمة جهارا نهارا؟!.

ما قيمة ما قام به جعفر الكذاب من استيلاء على ظاهر تركة أبي محمد عليه السلام وهل ينفي هذا وجود الوريث الشرعي؟!.

التنازع في المواريث أمر شائع ومتكرر في حياة البشر وهناك ظروف استثنائية جزئية تصدى لها الشارع المقدس بالعلاج مثل حالات الموت في السفر ولذا جاء في القرآن الكريم:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آَخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآَثِمِينَ * فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآَخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ * ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)[9].

وللآيةِ الحكمُ سببٌ للنزول ذكره المفسرون والمحدثون ومن ضمنهم البخاري[10]، إلا أن ما يهمنا هنا هو قاعدة تحليف شهود الوفاة وإن لم يكونوا من الأقربين (فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا …) أي كذبا وجحدا الحق وخانا الأمانة (فَآَخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ) فالشهادة الأوثق والأثبت هي شهادة الأولى والأقرب للمتوفى.

أهل أي بيت أعلم بما فيه، فما بالك بأهل بيت النبوة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وقد انتشر الخبر الموثوق منهم إلى شيعتهم المخلَصين بولادة الثاني عشر من أئمة أهل البيت أبو القاسم محمد بن الحسن الحجة القائم المنتظر.

من البديهي ومن الواقع المعاش أن الجحود في مسائل الإرث لا يقتصر على الممتلكات والمنقولات ويمكن أن يمتد ليشمل جحود الورثة وإنكار نسبتهم للمورث وهو ما فعله جعفر شقيق الإمام الحسن العسكري الذي سولت له نفسه أمرا كما سولت لأخوة يوسف، خاصة في تلك الظروف والأوضاع حيث لم يكن النزاع قاصرا على الممتلكات بل على ملك الدنيا بأسرها!!.

ومن البديهي والمسلم به أن إعلان الإمام العسكري عن ولادة ابنه ووصيه القائم المنتظر وشهادة خواص الشيعة المحيطين به فضلا عن شيوع هذه الأخبار ووصولها لأناس على شاكلة ابن حجر الهيثمييمنعان أي تشكيك في هذا الشأن لأن الظن لا يغني من الحق شيئا!!.