قديسا وليا


في ذكرى عروج روحه الى ربها ( راضية مرضية) نستحضر شيئا من شمائل تلك الروح النقية التي يحملها الجسد الطاهر للقائد الرباني والميداني الشهيد قاسم سليماني .
من يقرا خطبة امير المؤمنين عليه السلام في وصف المتقين تحضر صورة الشهيد سليماني جلية كمصداق لذلك الوصف الرباني لعلي عليه السلام وهو يصف المتقين .
فحينما يقول عليه السلام ( مقبلا خيره مدبرا شره) هذه الصورة تنطبق تمام الانطباق على شخصية القائد سليماني ، فحينما تعصف بالمنطقة عواصف سياسية او امنية يشعر الجميع بالحيرة والقلق ، وما ان نسمع بقدومه حتى نستشعر الامل في حل تلك المشكلات .

في العراق على سبيل المثال ونحن نعيش اجواء تشكيل الحكومة وما افرزته الانتخابات الحالية من انغلاق سياسي، في هكذا مناسبات وعندما يحصل شد وجذب ، وتشدد بين الفرقاء السياسين ، وحينما نسمع بقدومه الكريم الى العراق يتنفس غالبية العراقيين الصعداء ويعتقدون جازمين ان الامور ستنفرج بوجوده ، وقدرته على تقريب وجهات النظر بين الجميع .

على الصعيد العسكري ايضا حينما يريد القادة شن هجوما على الارهاب نرى ان حضور القائد سليماني قبل ايام من موعد الهجوم يعطي جرعات من التفائل والامل بتحقيق النصر .
فخيره مقبل معه في كل محطة من محطات ترحاله في جغرافية محور المقاومة، هو في لبنان كما هو في سوريا وكما هو في العراق، خيره نازل روحه الشفافة تنتقل باريحية وهدوء وسكينة ، بين هذه المناطق .

نذر نفسه للاسلام منذ نعومة اظفاره ، فكان صِدّيقا وقديسا ووليا، كيف لا يكون كذلك وقد تربى بين اعظم مرجعين قائدين فريدين في عصريهما والعصور التي تلتهما والعصور التي ستاتي ، فقد اتبع اثر الامام الخميني، واستنشق من عبق روحه المثالية كل قيم السماء واخلاق الانبياء ، ثم افنى حياته في كنف الامام القائد الخامنئي يستمع له ويطيع، يصغي اليه بروحه ونفسه ويتبعه اتباع الفصيل لامه، فكان سليماني يحمل شيئا من قداسة الامام وبصيرة القائد.
هذه الروح المفعمة باثار القائدين تشمها في روحه، وتستشعرها في سلوكه .
هو مصداق لقول امير المؤمنين عليه السلام ( نفسه منه في عناء والناس منه في راحة )، فنفسه تعاني من كثرة همومه بالامة ومصيرها، لا تكاد تقله ارض او دولة حتى يعيش هموم دولة اخرى في محور المقاومة.
يسكن في جنوب لبنان لمواجهة الاحتلال الصهيوني وروحه في العراق يفكر بمصير المعارك ضد الارهاب والاحتلال.
يخطط للمعارك في نينوى وصلاح الدين وديالى وقلبه معلق في غزة والضفة الغربية من فلسطين المحتلة .
تحط رحاله ارض غزة، وانفاسه تعانق انفاس الشعب اليمني حيث يواجه العدوان الوهابي السعودي .

ايمانه المطلق بالقدر نابع من ثقته برحمة الله وجلاله ، ومقولته ايام الفيضانات في ايران ( كله خير) تدل على ذلك الايمان برحمة الله ظاهرها وباطنها، لذلك تراه مبتسما في الشدة والرخاء ولسان حاله يقول ( هون ما نزل بي انه بعين الله).
اشتياقه الى لقاء الله تعالى والشهداء  الذين سبقوه للقاء الله تعالى تستشعرها وانت تراه يهرول الى الساتر الامامي من المعركة وهو حاسر الراس، مسرعا نحو تل صغير وكانه يستشعر ان خلف  ذلك التل ثمة شيء ينتظره اما روح شهيد او لقاء حبيب.

كان مصداقا لقول امير المومنين في وصف المتقين ( فَهُمْ والْجَنَّةُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِيهَا مُنَعَّمُونَ ) 
فهو يعيش ببدنه مع الناس، لكن روحه معلقة بارواح الشهداء ، لهذا ترى لسانه لهجا في ذكرهم في كل مناسبة ، وزيارته لهم متواصله وهم في جنتهم .
في اخريات عمره الشريف لم تطق روحه البقاء في جسدها، فهي اكبر من ان يضمها جسد، كانت روحه تواقة الى لقاء الحبيب، فلم تطق ان تبقى حبيسة جسد اعياه جهاد السنين ، فكان زاهدا في ملبسه وماكله ومنامه لانه يعيش في عالم اخر ، لكنه ينتظر تلك اللحظة التي ياذن الله تعالى له بالرحيل .
يتوسل بالحبيب شوقا للقائه، ويقول له يارب ( ما عاد هذا الجسد البالي يتحمل روحا تواقة للقائك) .
وبالفعل تحول ذلك الجسد الطاهر الى اشلاء ممزقة ليس بشظايا العدو فحسب ، بل بشظايا الروح الى خرجت منه بعنفوان وانفجرت في داخله لتحلق في سماء الخلود 
سلام على سليمان في العالمين .