إيران و“طالبان“.. “ربيع مؤقت” أم صيف حار؟
منذ نشوء حركة “طالبان“ عام 1994، وتحولها إلى قوة ضاربة بعد عامين من نشوئها، وقدرتها على استقطاب عشائر “الباشتون" برعاية الجارة الباكستانية، كان ثمة سؤال كبير يرافق تمددها العسكري في انحاء أفغانستان: هل تشكل “طالبان“ الضد الإسلامي النوعي لإيران، مثلما كانت حالة الضدين الشيوعيين في روسيا والصين، أم أن البراغماتية يمكن أن تتغلب على الإيديولوجيا؟ هذا السؤال، لم ينتظر وقتا طويلا للإجابة عنه، ففي كانون الثاني/ يناير 1997، أصدرت حركة “طالبان“ قرارا قضى بإغلاق السفارة الإيرانية في العاصمة الأفغانية كابل، وفي آب/أغسطس 1998، اقتحمت “طالبان“ مدينة مزار شريف التي كانت تحولت إلى مركز لـ“التحالف الشمالي الأفغاني“ المدعوم من طهران والمعارض للإمارة الإسلامية الطالبانية بقيادة الملا محمد عمر، ونتج عن عملية الإقتحام مقتل عشرة دبلوماسيين إيرانيين، بالإضافة إلى صحافيين آخرين اتهمتهم “طالبان“ بالتجسس لصالح الإستخبارات الإيرانية. “طالبان” جديدة؟ وحيال ذلك، حشدت إيران ما يقارب 200 ألف جندي على الحدود الأفغانية، وكادت تقع الواقعة الكبرى مع “طالبان” لولا قرار اللحظة الأخيرة الذي اتخذه مجلس الأمن القومي الإيراني بعدم الإنجرار إلى “حروب صغرى”، وبالتالي عدم الإنخراط في الحروب المباشرة بين إيران ودول الجوار، تطبيقاً لمعادلة “الصبر الإستراتيجي“ التي راحت طهران تمارسها منذ لحظة توقف الحرب مع العراق، وهذه المعادلة أثمرت لاحقا، الإطاحة بأشد خصومها، حركة “طالبان“ في أفغانستان عام 2001، ونظام الرئيس صدام حسين في العراق عام 2003، وفيما لا يبدو في الأفق أي معطى أو ملمح لعودة الخصوم البعثيين إلى الحُكم في العراق، فإن عودة الطالبانيين إلى أفغانستان، وبالقوة والإندفاعة اللتين تشهدهما الميادين الأفغانية منذ سريان قرار الإنسحاب الأميركي، تطرح على إيران أسئلة كبرى محورها يدور في الفلك التالي: هل خرجت العلاقة بين “طالبان“ وإيران من دائرة القلق والعداء، أم أن رواسب الماضي ستتحكم بمستقبل العلاقة بين الطرفين؟ مثل هذا السؤال الإستشرافي، تسبق الإجابة عنه، ملاحظة المتغيرات الطارئة على خطابي إيران و“طالبان“ تجاه بعضهما بعضا، والتي أملاها عاملان اثنان في السنوات القليلة المنصرمة: مواجهة الوجود الأميركي في افغانستان ومحاربة الفرع الأفغاني لتنظيم “داعش”، وبناء على هذين العاملين يمكن الوقوف عند المتغيرات التالية: يقول رئيس المكتب السياسي لـ”طالبان“ الملا عبد عبد الغني برادر، في مقالة له منشورة على الموقع الرسمي للحركة alemaraharabi.org في العشرين من حزيران/ يونيو الماضي “نحن نريد أن نقيم علاقات إيجابية ومفيدة مع العالم الأجنبي، وأن الأفغان من أجل إعمار أفغانستان المستقبلية بحاجة إلى دعم العالم، ويرحبون به، وشعب أفغانستان يريد أن يعيش حياة سلمية، عالي الهامة، في ضوء قيمه الإسلامية والوطنية“.
رفقة طريق! هذا الخطاب التصالحي مع المحيط والعالم، لم يكن معهودا ولا معروفا لدى “طالبان“ في مرحلتها الأولى قبل عام 2001، بل إلى وقت ليس بعيدا، ولكن على غرار مقالة الملا برادر، تحفل البيانات الصادرة عن “طالبان“ في السنوات الأخيرة الماضية بأدبيات السلام والإلتزام بالمواثيق الدولية، وبحسب بيان صادر بتاريخ 23 يونيو/حزيران المنصرم، ومنشور على موقع “الإمارة الإسلامية“ ومجلة “الصمود” الناطقة بلسان الحركة “نطمئن جميع الدول المجاورة لأفغانستان بأنه لن يلحقهم أي أذى بوصول المجاهدين إلى المناطق الحدودية، بل ستستمر العلاقات الحسنة كما كانت في السابق، ولن توجد أي عقبات في ما يتعلق بالمنافذ والتنقل، كما أن أراضي الدول المجاورة ستكون في أمان من جهتنا“. وبالرجوع إلى أواخر عام 2020، وفي رد على موقف لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قال فيه إن بلاده لم تُسقط “طالبان“ من قائمة الإرهاب، جاء في بيان (22 ـ12 ـ2020) أصدره الناطق بإسم الحركة ذبيح الله مجاهد “لقد سعينا دائما ونسعى أن تكون لنا علاقات إيجابية مع ايران وجميع الدول المجاورة لنا، ونأمل مثل ذلك من الجميع“، وفي التاسع والعشرين من شباط/فبراير2020، وإثر التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة على إخراج قواتها من أفغانستان، أصدر أمير الحركة هبة الله أخوند زاده، بيانا أكد فيه “أن الإمارة الإسلامية تؤمن بالعلاقات الإيجابية المتبادلة مع جميع دول العالم وخصوصا دول المنطقة”. من الجانب الإيراني: في السابع من الشهر الجاري، رعت طهران مؤتمرا للحوار بين الحكومة الأفغانية وحركة “طالبان“، بهدف التوصل إلى مساحات وسطى تؤهل الأفغان إلى حكم مستقر يعقب الإنسحاب الأميركي من البلاد، وكان الملا عبد الغني برادر قد زار العاصمة الإيرانية في مطلع السنة الحالية بدعوة رسمية من وزارة الخارجية الإيرانية، وعلى ما قال محمد جواد ظريف بعد اجتماعه مع برادر “إن ايران تدعم إقامة دولة إسلامية في افغانستان تشارك فيها القوميات والطوائف والأطراف الأفغانية كافة، كما أن وفدا آخر من الحركة، كان زار طهران في السابع عشر من أيلول/سبتمبر 2019، بغرض “التشاور حول التطورات“ مثلما قالت وكالة “تسنيم“ الإيرانية، وأكثر من ذلك، فإن الإستخبارات الأميركية تقول إنها قتلت أمير حركة “طالبان” الملا أختر منصور عام 2016، بعدما تعقبته آتيا من إيران عقب زيارة عائلية.
هل هذا التقارب يؤدي إلى التآلف؟ أم أن تقاطعات المرحلة ومتطلبات المواجهة مع الولايات المتحدة و“داعش“ أنتجت “رفقة الطريق“، وأما ما بعدها فإن كل طرف يذهب إلى سبيله؟
الضدان.. إيران وطالبان ثمة عناوين إشكالية عدة، ما فتئت عالقة في فضاء العلاقة بين إيران و”طالبان”، والواضح أن الجانبين يبتعدان حتى الآن عن حمأتها وسخونتها، ومن بين هذه العناوين: -مصير العاصمة كابل وكيفية تعاطي “ طالبان “ معها. -العلاقة مع الأقليات القومية والمذهبية في حال أمسكت “طالبان” بمقاليد الحكم والسلطة. -طبيعة النظام الإسلامي الذي تًنشده “طالبان”. -مستقبل العلاقة بين “طالبان” والولايات المتحدة بعد سحب قواتها من أفغانستان، إذ ثمة خشية من ان تطوي “طالبان” صفحة الصراع الدامي مع واشنطن وتذهب إلى استعادة صفحة التعاون مع الإدارة الأميركية وبالطريقة التي كانت عليها في المرحلة الأولى التي شهدت انطلاقة “طالبان“ في عام 1994. وإلى تلك العناوين الكبرى، ثمة أسئلة إيرانية، يتموضع في صدارتها مصير أكثر من مليون لاجىء أفغاني في إيران، والمخاوف من موجة لجوء أفغانية واسعة في حال دخلت “طالبان“ في صراعات مع اطراف محلية ليست على وفاق معها، كما أن مصير لواء “فاطميون” يشكل نقطة تباين أخرى بين إيران و“طالبان“، وفي حين كان محمد جواد ظريف قد شدّد في حوار مع وكالة “طلوع نيوز“ الأفغانية على ضرورة استفادة القادة الأفغان من هذا اللواء، فإن ذبيح الله مجاهد كان سبقه بالقول في حوار مع صحيفة “الشرق الأوسط “ بتاريخ 9 آذار/مارس 2019 إن “الإمارة الإسلامية لا تقبل بوجود تنظيمات داخلية مسلحة تكون خارج المنظومة الشرعية للدفاع”. أي مستقبل ينتظر أفغانستان؟ كيف ينظر الآخرون إلى العلاقات المستقبلية بين إيران و“طالبان“؟ في بحث أكاديمي (23 ـ 6 ـ2021) نشره مركز “الدراسات الإستراتجية والإقليمية“ في كابل جاء “إن مواقف حركة طالبان حتى الفترة الراهنة تمحورت حول الخروج الكامل للقوات الأجنبية من أفغانستان، كما أن موقف الحركة تجاه المفاوضات الأفغانية الداخلية لم يتضح بشكل مفصل، ولذا قال الرئيس الأفغاني اشرف غني في مقالة كتبها لمجلة Foreign Affairs الأميركية إنهم يريدون نظام حكم إسلامي وهذا النظام الإسلامي موجود في أفغانستان، وعلى الحركة أن تبين مرادها بوضوح وبكامل التفاصيل حتى يحصل اتفاق سياسي ناجح بين الحكومة الأفغانية وطالبان”.
هذه الإشكاليات التي يطرحها الرئيس الأفغاني، هي نفسها التي تدور في العقل الإيراني الحذر، وهي نفسها تفتح الباب أمام التوقعات الغربية بإحتمال انتقال “موسم الربيع“ المؤقت بين طهران و“طالبان“ إلى صيف حار أو أصياف حارة، وعلى ذلك يمكن التمعن بالتالي: ـ بتاريخ الحادي عشر من تموز/يوليو 2021، نشرت صحيفة “واشنطن بوست“ الأميركية مقالة ورد فيها “أن طهران تخشى من عودة حكم طالبان ومن عودة أفغانستان إلى الحرب الأهلية، وهو احتمال يهدد الإستقرار ويعرض الجماعات القومية والدينية للخطر، ويدفع موجات اللاجئين الأفغان نحو الحدود الإيرانية”. ـ كتب موقع “بلومبيرغ“ الأميركي في 12 تموز/يوليو 2021، أن الإنسحاب الأميركي من أفغانستان، سينتج عدوا شرسا لإيران أكثر من الولايات المتحدة، وهذا العدو هو “طالبان“. ـ توقعت صحيفة “لوموند“ الفرنسية في الثاني عشر من تموز/يوليو 2021 أن يكون مستقبل أفغانستان قاتما في المرحلة المقبلة، “إذ تبدو البلاد مقبلة نحو حرب أهلية، وبما ان طالبان لن تستطيع السيطرة على الأراضي الأفغانية كافة، فهذا يعني أن المواجهات العسكرية مع أمراء الحرب المناوئين لها ستشكل احد أبرز المشاهد الأفغانية المقبلة”. أي “طالبان” آتية؟ وفيما ينقسم المراقبون الإيرانيون حول تقييم “طالبان“ وعما إذا كانت تبدلت وتغيرت، فيقول بعضهم إن “طالبان” الحالية ليست “طالبان الذبح وقطع الرؤوس“ كما كان أمرها قبل عام 2001، فإن مقالة في صحيفة “كيهان“ في العاشر من الشهر الجاري، ربما توجز ما يخشاه الفريق الثاني من المراقبين الإيرانيين، فقد كتبت “كيهان“ قائلة “إن عدم موافقة طالبان على إجراء انتخابات برلمانية أو رئاسية، ورفضها للدستور من الأساس، يعني أنه خلال السنوات المقبلة لن يكون للشعب الأفغاني رأي أو دور في مؤسسات الدولة، وهذا يهدّد بنشوب حرب عرقية مرة أخرى، ويظهر ذلك من خلال هجوم “طالبان” على المناطق الشمالية معقل الطاجيك والهزارة والأوزبك، كما أن اللجوء إلى العنف والقوة للسيطرة على أفغانستان يشي بأن الحكومة التي تتطلع إليها “طالبان” ليست حكومة عادية، وإنما ساحة من الإضطرابات الدائمة بين القوميات“. أي وجهة نظر لها قصب السبق: “طالبان“ التي تغيرت وتغير معها جلدها ونوعها وعقلها، أم “طالبان“ لا تتغير ولا تتبدل تبديلا؟ الإجابة ربما يلخصها سؤال واحد: ما مصير العاصمة كابل؟
180Post :المصدر
التعليقات