متغيرات حاكمة في مؤتمر بغداد 2021
عُقد في بغداد 28/8/2021 مؤتمراً دولياً في العراق اخذ عنواناً واسعاً لاقامته ، الا وهو ( التعاون والشراكة ) بعد ان كانت فكرته مؤتمر جوار العراق ، وتدحرج العنوان الى دول الجوار ودول الاقليم المؤثرة ثم انتهى الى المسمى العام المطاط الفضفاض الذي يتيح فرصة اشتراك أي طرف فيه ، وهو مازاده غموضاً وضبابية في تحديد برنامجه او اهدافه لدولة العراق .
الدول التي حضرت تمثل ثقلاً سياسياً اقتصادياً ستراتيجياً في المنطقة والعالم ، وفيه تمثيل لدول تأريخية واخرى مؤثرة بعنوان الدور والعلاقات الدولية والمركز الاقتصادي . وان هذه الدول جميعها لديها رؤى بافاق استراتيجية لادارة مصالحها في العمل المشتبك اقليمياً ودولياً ، وهذه الافاق تبدأ من بقاء واستمرار واستقرار الانظمة فيها ولاتنتهي بطموح الدولة العظمى ، وان هذه العنوانات ليس في وارد او خاطر صانع القرار العراقي او على اقل تقدير انه لايستطيع تحديد اهدافه فيها بالرغم من توافر الامكان ( الذاتي ) للدولة العراقية في مواردها الطبيعية والبشرية والجيوسياسية ومكامن ( القدرة ) المستقبلية لهذه الدولة .
هذا المؤتمر كانت تقوده جملة متغيرات ؛ وهي محسوبة في برامج عمل الدول المشاركة فيه انعكست في حضورهم وحتى في خطبهم المحدودة ، وهي تتمثل بالاتي؛
اولاً : المتغير الجيوسياسي ، والذي يتعلق بخطط الولايات المتحدة الاميريكية في عموم غرب اسيا والمنطقة ، وترتبط بحجم تواجدها وموقعية هذه المنطقة في سلم اولوياتها ، والذي تجاوز القراءة وتبدى عبر سلوكها في افغانستان ، ضمن ستراتيجية خفض تواجدها العسكري وتركيزها بالغرب والتوجه شرقاً بحسب تصريحات الرئيس بايدن وقياداته العسكرية و وزارة الخارجية الاميريكية مع سكوت الاستخبارات المركزية التي ربما يكون لها رأي اخر. ان هذا الانسحاب يمثل نصراً ونجاحاً للدول الكبيرة المعتدة والمعتقدة بارادتها السياسية دون التوقف امام الخيارات الامريكية وقراراتها في اضعاف او استهداف هذه الدول ، وفي مقدمتها ( الجمهورية الاسلامية وتركيا ) ، هاتان الدولتان اكدتا حتى في مؤتمر بغداد ان دول المنطقة قادرة على انتاج الحلول بينها دون التدخل الخارجي لاسيما الاميركي وبرز ذلك واضحاً في كلمة وزير خارجية الجمهورية الاسلامية الايرانية الذي نعت اميركا بالارهابين ، فضلاً عن الموقف الايراني المعروف تجاه تواجد الولايات المتحدة ، بذات القدر فان ايران تعتبر نفسها بمعركة او حرب مع امريكا وان فكرة الانسحاب تُعد هزيمة لها ، وانتصاراً للدول المناهضة للهيمنة الاميركية ، وقد اتسقت رؤية التركي في موضوع اهلية المنطقة دون الحاجة لدول خارجها .
من جانب اخر ترى دول اخرى انها تكشفت استراتيجياً في المنطقة ، لانها تعتمد على الجهد الاميركي التفصيلي في الامن والادارة السياسية وحتى في ادارة الدولة . اميركا من جانبها ترغب بادارة المنطقة امنياً عبر الاصدقاء المخلصين لها او صنيعتها كدولة ( الكيان الاسرائيلي ) الا انها تجد صعوبة في تسويق هذه المهمة الكبيرة والتي قد تُدخل المنطقة في مواجهة طويلة غير محسوبة النهايات . وبالتالي ان هذا المتغير الكبير الناتج عن فراغ اميركي محتمل يعيد الحسابات بين هذه الدول ؛ بين التخوف والذعر من الاخر ؛ او خشية التراجع في الدور والقيمة الدولية او الافول مع الافول الاميريكي ، بينما تجد دولاً اخرى انها حققت منجزاً وعليها ادامته وادارته باستيعاب الدول المتخوفة من المتغير الجديد وتعزيز الثقة المتبادلة بين هذه الدول والثقة بالنفس ، وكانت رسالة عبد اللهيان بالعربي .
ثانياً : الانتصار العراقي الكبير ودحر داعش واخراجه من المحافظات العراقية انتج عنصرين مهمين لهذه الدول المؤتمرة ، اولاها تثبيت الامكان الامني العراقي في مواجهة العنف المرسل او المخطط والثاني سقوط فاعلية سياسية لدول اخرى تريد فرض نفسها واجندتها في العراق ، وان الاعم الاغلب السياسي والشعبي العراقي يريد المحافظة على عناصر ومقدمات الانتصار العراقي وبذلك تركز حالة من الاطمئنان الامني في مواجهة الارهاب المعولم .
ثالثاً : الفرصة الاقتصادية المضافة ، فالعراق مازال بكراً استثمارياً يجذب الاخرين ومازالت طروحات المشاريع الكبرى التي تحتك بالمحيط الاقليمي وفي جيبولتيك المنطقة ، وان هذه المتغيرات تنعكس على جميع الدول المتواجدة في هذا المؤتمر وكل يحسب مصالحه وفرصه بدقة ولايُريد التفريط بها ، لاسيما جمهورية مصر العربية والمملكة الاردنية لانهما ينتظران الفرصة الرابحة بلا خسائر او رأسمال .
رابعاً : الانتخابات العراقية : وهذه النقطة هي حجر العثرة امام المصالح العراقية المتوخاة من هذا المؤتمر ، لانها دخلت عاملا في المؤتمر بعنوانها العريض ومعها مطامح سياسية كبيرة لافراد وجماعات . مما جعل الجهد العراقي من التخطيط الى التنفيذ ينحسر في اقامة المؤتمر والاهتمام بشكله دون تفعيل الحوارات المنتجة او مخرجات او حتى لجان متابعة تعهدات الدول المشاركة .
لانريد التفصيل بجدوائية هذا المؤتمر بجانبه العملي ، لانها مفقودة في حسابات صانع القرار ، وكانت العين العراقية شابحة نحو الخارج وبريق الدعاية الصاخبة اكثر من الانعكاس المرجوا للشعب العراقي ، والا فأن ماينقص العراق هو البناء والاعمار والتنمية و .... الخ ، وهذه في جلها لاترتبط بالخلاف الدولي بين دول الاقليم ، انما يرتبط بالكوابح الامريكية ، مايفرغ هذا المؤتمر من محتواه وخطابه التسويقي .
التعليقات