مقابلة مع الاستاذ حازم أحمد فضالة؛ مستقبل الوضع السياسي العراقي وعلاقاته الإقليمية



1.  الي أين تذهب الخلافات بين الأحزاب السياسية في الفترة الحالية برأيك وما هو وضع البرلمان العراقي؟  استقرار أم استمرار الأزمة؟
بَدايةً نرحب بالإخوان والأخوات في معهد ابرار معاصر، ونشكرهم مع جمهورهم ومتابعيهم لهذا اللقاء الثمين معنا، الذي نستعين به فرصةً لإظهار قراءتنا للأحداث المحلية في العراق، ومدى تأثُّرها في المتغيرات العالمية والإقليمية الجديدة التي لا تنفكُّ عنها، ونبدأ إجابتنا عن الإسئلة القيمة.
تغيرت خارطة تحالفات الأحزاب السياسية بعد استقالة الكتلة الصدرية (73) نائبًا في الثاني عشر من حزيران الحالي، فلم يعد ثمة تحالف ثلاثي يمثل جبهة في قبالها الإطار التنسيقي، بعد عقد جلسة مجلس النواب يوم الخميس في الثالث والعشرين من حزيران الحالي، التي أدى بها النواب البدلاء عن الكتلة الصدرية؛ اليمينَ الدستورية، وهم من الشيعة، كانت هذه دلالة على بداية الاتفاق على حل سياسي بين الكتل والأحزاب، من أجل ذلك بدأ التقارب الكردي - الكردي بين الحزبين الكرديين الرئيسين: (حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الحزب الديمقراطي الكردستاني)، وسوف يصلان إلى اتفاق بشأن ملفاتهم الخلافية؛ في تقسيم الإدارة والأدوار بين منصب رئاسة الجمهورية، ومحافظ كركوك، وإدارة حكومة الإقليم.
الحزبان السنيان (حزب تقدم بقيادة الحلبوسي، حزب عزم بقيادة مثنى السامرائي)، اللذان انضما في حلف شبه رسمي اسمه (تحالف السيادة)، بزعامة خميس الخنجر (قيادي سني لم يرشح لمجلس النواب)، هذان الحزبان لا يعيشان الاستقرار والانسجام الداخلي؛ لأنَّ نواب حزب عزم سبق أن أعلنوا تحالفهم مع الإطار التنسيقي، أما اليوم بعد استقالة الكتلة الصدرية؛ فقد انشق (7) نواب يقودهم النائب أحمد الجبوري (أبو مازن) من حزب تقدم، وانضموا إلى حزب عزم، وهذا يعني التحاقهم بالإطار التنسيقي… أما سبب هذا الانشقاق فيعود إلى عدم رغبتهم أن يتولى الحلبوسي قيادة السنة في العراق، وليسوا متحمسين أن يبقى رئيسًا لمجلس النواب، وربما يرغبون بعودة أحد صقور السنة لشغل هذا المنصب، مثل الدكتور المشهداني أو الدكتور خالد العبيدي.
الشرط الأساس لنجاح الأحزاب والكُتل، هو أن تُسنِد ظهرها إلى الأمة، وتخدمها، وتسمع منها، ولا تهملها وتُغيِّبها،  ولا تخسر استشارتها، فالأمة واعية وبصيرة، والحكومة بدأت تخسر ثقة الأمة بغد انتخابات (2018) بسبب ضياع مفهوم (الكتلة النيابية الأكثر عددًا) الذي نصت عليه المادة (76-أولًا) من الدستور، وأوغلت الأحزاب في تضييع الأمة بعد ترشيحها السيد مصطفى الكاظمي!
فالخلافات السياسية تكون متجه نحو انحسارها إلى الاتفاق إذا صانت عنوان الأمة، ومجلس النواب يستطيع اليوم الاقتراب من حسم الخلافات، وربما بعد عطلة عيد الأضحى المبارك يكون الكرد قد اتفقوا على ترشيح رئيس جمهورية، وينال أصوات أغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب (220) نائبًا، ويحصل مجلس النواب والحكومة على دعم الأمة وإسنادها على وفق تلك الأسس.

 2.  في ظل أي ظروف تعتقد أن الحكومة المقبلة ستتشكل في العراق؟
    العراق ليس استثناءً من المتغيرات الإقليمية والعالمية التي تتدحرج متسارعة اليوم، في العالم وغرب آسيا، فهذه التحولات لها ارتدادات على العراق حتمًا، نحن قرأنا متغيرًا حدث بتاريخ: 17-كانون الثاني-2022، كان قد رسم قاعدة اشتباك جديدة، وهو متغير (قصف الإمارات)؛ إذ قصفها أنصار الله بسبب تورطها في الحرب الظالمة على شعب اليمن، وهو متغيِّر عسكري، لكنه بالضرور جرَّ معه متغير سياسي في العراق، الإمارات فهمت الضربة جيدًا، لكن بعد أن كُرِّرَ القصف عليها أربع مرات، كانت المرة الرابعة باسم فصيل عراقي مقاوِم، لا يُعرَف انتماؤه اسمه (ألوية الوعد الحق - أبناء الجزيرة العربية)؛ هذا المتغير أخرج الإمارات من المسرح السياسي العراقي ربما بنسبة (80-90%)، وكذلك فرض على بلاسخارت أن تكبح جماح عجلاتها في المضي بالمشروع الغربي لخطف الدولة العراقية، فالقصف كان يتكلم بلغة الباليستي والمُسَيَّرات على أبوظبي ودبي، وهي لغة مرعبة فرضت كابوسها على هذا المحور.
من أجل ذلك، نجد ظروف قدرة الإطار التنسيقي على تشكيل الحكومة العراقية اليوم، ظروفًا ناضجة، مع تعقيدات هامشية يمكن معالجتها.

 3.  لطالما لعبت بغداد دوراً في العلاقات الإقليمية. هل تعتقد أن هذا الدور سيستمر أم سينتهي في الحكومة القادمة؟
 توجد في المِنطقة اليوم ملفات على نوعين: (ملفات إستراتيجية تقدمية، ملفات مناورة لتقليل الخسائر) ونوصي بضرورة الفرز الدقيق بين النوعين، ومؤكد أنَّ العراق يقع ضمن قوس هذه الملفات، فالإستراتيجية منها نحو: الاتفاق النووي الإيراني، المشروع الصيني العالمي الحزام والطريق، عودة العلاقات الخليجية مع سورية والجمهورية الإسلامية، إضعاف الكيان الصهيوني تمهيدًا لطرده، تعاظم قوة محور المقاومة في الميادين… فهذه كلها ملفات إستراتيجية تقدمية، أما ملفات المناورة فهي نحو: جعجعة إسرائيل بالتهديدات، حركة التطبيع، النيتو العربي… هذه ملفات من أجل تقليل الخسائر التي تسبق الانسحاب الأميركي من غرب آسيا، وهي تراجعية ليست تقدمية، وهذه خارطة تفاهمات جديدة لدول غرب آسيا، وهي تعني بالضرورة رفع سقف التعاملات التجارية والاقتصادية والأمنية، والعراق في قلب هذه التحولات؛ لما يتمتع به من علاقات تاريخية وعقائدية واجتماعية متينة مع الجمهورية الإسلامية، التي يشاركها بحدود برية تبلغ مسافتها (1400) كم، وهو الرابط بينها وبين سورية، وبين سورية والسعودية والكويت، وهذا يعني بين (سورية ودول الخليج الفارسي)، وهو اليوم يمثل دورًا مهمًا في عقد جولات الحوارات؛ لتقريب وجهات النظر والتفاهمات بين الجمهورية الإسلامية والسعودية، وما دامت حكومته المقبلة ستُشكَّل في ظروف سياسية واقتصادية ناضجة؛ إذن سيمثل دورًا مضاعفًا في ملف العلاقات الإقليمية.

 4.  أصبحت الهجمات التركية في العراق مصدر قلق وتحدي رئيسي؛ هل تعتقد أن الحكومة القادمة ستكون قادرة على الرد على تصرفات أنقرة؟
    إنَّ الاعتداءات التركية بدأت في ظروف سياسية معقدة مرّ بها العراق، لكن تركيا أخطأت في ظنها أنَّ العراق ضعيف، أو غير قادر على الرد العسكري! دعونا نثبِّت هذه الحقيقة أولًا، وهي أنَّ في العراق مقاومة إسلامية هزمت الجيش الأميركي: 2003-2011، وهزمت الإرهاب الأميركي - الوهابي: 2014-2017، مع حليفتها الصادقة الجمهورية الإسلامية كتفًا لكتف، بعد توجيهات الإمام القائد الخامنئي (دام ظله) الثابتة بدعم العراق، وبحضور القادة الكبار من الحرس الثوري، يتقدمهم الفريق الشهيد قاسم سليماني (رضوان الله عليه)؛ ليرافق ميادين الجهاد مع الشهيد الحاج أبو مهدي المهندس (رضوان الله عليه)، مُعزَّزين في ظل فتوى الجهاد الكفائي لسماحة آية الله العظمى السيد السيستاني (دام ظله)، فزمجر الحشد الشعبي وفصائل المقاومة لخوض الحرب الكبرى ضد معسكر الغرب المستكبر.
    الذي نؤكده أنَّ في العراق مقاومة إسلامية تمثل قوة فائضة وازنة، مثلًا: نتذكر آخر اعتداء أميركي على مواقع (كتائب حزب الله) على الحدود العراقية - السورية، في أثناء بداية حكومة بايدن؛ كان رد كتائب حزب الله على القواعد الأميركية في العراق (50) صاروخًا في يومين! وهو صدمة بالنسبة لبايدن وإهانة. المقاومة الإسلامية تتمتع بالتفويض الشعبي، ولها حاضنة جماهيرية مليونية، والعراقيون يعرفون حقهم في الكفاح المسلح ضد الاستعمار، هذا الحق الذي أقرَّته الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ ونذكر منها الآتي:
أولًا: الجمعية العامة للأمم المتحدة: القرار رقم 3034 (الدورة 27) بتاريخ 18 كانون الأول (ديسمبر) 1972.

ثانيًا: الجمعية العامة للأمم المتحدة: القرار رقم 3246 (الدورة 29) بتاريخ 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 1974.
انتهى
    مِن هنا نقول، يعتمد تقويمنا لقرار الحكومة العراقية المقبلة في معالجة الاحتلال التركي لمدن في محافظة (دهوك)؛ على شخصية رئيس الوزراء العراقي، فإنَّ كان مستقلًا؛ سيخشى دخول صراع يتضمن ملفات إقليمية، ولا يستطيع الضغط على حكومة إقليم كردستان بقيادة بارزاني؛ التي خذلت العراقيين في موقفها من الاحتلال التركي الذي آذى الشعب الكردي، لكن! المقاومة الإسلامية وحاضنتها الشعبية ستكون ضاغطة على الحكومة المقبلة لإخراج الاحتلال التركي وكل القوات الأجنبية من العراق، احترامًا لسيادة العراق، وتنفيذًا لقرار مجلس النواب العراقي بتاريخ: 5-كانون الثاني-2020.

 5. كيف تقيّم نوع ونطاق علاقات الحكومة العراقية المستقبلية مع إيران؟
يشترك العراق وإيران في ملفات عدة نحو: الأمن القومي، الأمن المائي والغذائي، الروابط الثقافية، الروابط العقائدية الإسلامية والمذهبية، العلاقات الاجتماعية، العلاقات التجارية والاقتصادية، الهموم السياسية… فهذه الأنواع كلها عابرة للجغرافية، فهي شبكة تواصل تضم ميادين محور المقاومة، ودول الاستقلال والتحرر مثل فنزويلا وكوبا وربما كولومبيا اليوم بعد فوز اليساري غوستافو بيترو، ويلتقي هذا النطاق مع معسكر مكافحة الإرهاب والتفرّد الأميركي الغربي مثل: روسيا، الصين، أي: كل ما تعنيه منظمة شانغهاي ومجموعة بريكس… لأننا في العراق نرى إيران تطوِّر علاقاتها الإقليمية والدولية تطويرًا متواصلًا في الأبعاد: السياسية، العسكرية، الاقتصادية، التجارية، التقنية، ودلالة على ذلك الاتفاق الإيراني الصيني بعنوان: (اتفاقية 25 عامًا: إيران - الصين) الذي أُعلِنَ في آذار 2021، وكذلك اتفاقاتها مع روسيا… وما دامت المشتركات كثيرة بين الشعبين العراقي والإيراني وهي في تنامٍ؛ نجد أنَّ العلاقة بين الدولتين تتطور كمًّا ونوعًا مستقبلًا.
    ولا نغفل أنَّ عملية تطوير هذه العلاقات، بحاجة إلى نشر الوعي الاقتصادي في المجتمع العراقي، لأنَّ حزب البعث الطاغوتي، عمل على شيطنة إيران، لذلك أخذت هذه الشيطنة مكانها في الاقتصاد والتكنولوجيا والتجارة بين البلدين، فالثقافة تؤثر في الاقتصاد سلبًا أو إيجابًا، وهذا يحتاج إلى معالجة يضعها المتخصصون، لاقتلاع جذور حزب البعث وأفكاره وثقافته التي ترسَّبت في مساحات من المجتمع العراقي.

 6. في ظل وجود تيارات سياسية مختلفة في العراق ، ما رأيك في موقف الشيعة في الحكومة المقبلة؟
    تباينت مواقف الشيعة ما بعد الانتخابات المبْكِرة (2021) في العراق؛ إذ وصلنا الآن إلى استقالة الكتلة الصدرية التي كانت تمثل (73) نائبًا في مجلس النواب، وهجَرت جمهورها، وظهرت طبقة نواب مستقلين شيعة لم يتَّفق أغلبهم على رأي يجمعهم حتى الآن، لكن البوصلة تشير إلى رغبة القوى السياسية المختلفة (الكرد والسنة) بضرورة تشكيل الحكومة، وهذا العامل يساعد في تحقيق مناخ سياسي مستقر نسبيًا، والشيعة (أعضاء الإطار التنسيقي)؛ يتمتعون فيما بينهم بالقدرة على إدارة التفاهمات الناجحة؛ وصولًا إلى اتفاق يجمعهم. أما موقف جمهور الشيعة الذي يمثل الأمة؛ فهو مع الحفاظ على العملية السياسية، ويعارض أي مشروع لانهيارها أو المجازفة بها، لأنها مكتسب مهم، وهو يمتلك من الوعي والبصيرة ما يؤهله لنقد ساسة الشيعة ونوابهم إذا استشعر أنهم بصدد اتخاذ خيارات غير مكافئة لوزنه الاجتماعي أو تؤثر في أمنه القومي أو الاقتصادي… من أجل ذلك نقرأ أن ساسة الشيعة يكملون تشكيل الحكومة، ومِن ثَمَّ يبدأون عملية تقويم المرحلة، وفي ضوء ذلك التقويم يُولَد القرار.

 7.  كيف ترى المستقبل السياسي للعراق؟ هل سيستمر النظام السياسي والانتخابات على هذا النحو أم سنشهد تغييرات قانونية؟
    المستقبل السياسي (المحلي) للعراق، يحكمه نوع الإدارة السياسية في العراق، والذي نتوقعه هو تغييرات سياسية قانونية دستورية مقبلة سواءٌ أبقيت الحكومة المقبلة أربع سنين أم لم تبقَ بانتخابات مبْكِرَة أخرى، ومنها:
أولًا: تغيير قانون انتخابات مجلس النواب العراقي رقم (9) سنة (2020)، للعودة إلى نظام الدائرة الواحدة في المحافظة.
ثانيًا: تعديل بعض المواد الدستورية.
ثالثًا: التعديل على بعض تخصصات أعضاء المحكمة الاتحادية العليا لتنسجم مع الدستور، وكذلك تعديل نظامها الداخلي.
ثالثًا: تشريع حزمة قوانين مهمة، من بينها قانون النفط والغاز.
رابعًا: تعديل قانون الحشد الشعبي لينسجم مع المؤسسة العسكرية والأمنية، ومساواة منتسبي هيئة الحشد الشعبي مع أقرانهم في المؤسسات العسكرية والأمنية، ورفع الظلم عنهم.
خامسًا: ربما يُطرح تغيير النظام في العراق؛ إلى الرئاسي أو شبه الرئاسي.
سادسًا: تشريع قانون يمنع وجود القوات الأجنبية في العراق بأشكالها كلها: العسكرية والسياسية والاستشارية… إلخ وخصوصًا القوات الأميركية وأوروبا (حلف النيتو)، وغيرها.
سابعًا: تعديل قانون تجريم التطبيع مع إسرائيل؛ إذ سمحت المادة (٤-ثانيًا) منه باستثناء ما أسمته (الزيارات الدينية) من التجريم.
والحمد لله ربِّ العالمين