العراق بين اللاتوافق واللا أغلبيّة


حالة اللاتوافق و اللا اغلبية التي يواجهها العراق هي ابعد و اعمق مِنْ وصف “حالة الانسداد السياسي”، هي حالة ” عُقمْ سياسي”.

 لنكتشف عُمقْ اللا توافق، ولنبدأ عن شكل الدولة ( دولة بسيطة أو دولة فدرالية او دولة لا مركزية)؟

 العراق و فقاً للدستور هو دولة فدرالية او اتحادية، ولكن هل الاخوة الكُرد راضون عن الشكل الفدرالي للدولة ام يطالبون بالانفصال او بكونفدرالية؟

 وهل المكوّن الشيعي والمكّون السني يشعران بالعدالة والرضا ازاء التطبيقات الفدرالية للدولة ،و خاصة فيما يتعلق بتوزيع الثروات الوطنية والموازنة والمنافذ الحدودية وممارسة السيادة و …؟

 وحين ننتقل الى الدستور، سنكتشف بأنَّ حالة اللا توافق تنال الدستور الاتحادي ايضا ، جميع المكوّنات تتعايش بالاكراه مع الدستور . جميع المكّونات تتبادل الاتهامات بعدم احترام و بعدم تطبيق الدستور . و الجميع مضطر على تجاوز المدد الزمنية التي حدّدها الدستور لانتخاب رئيس الجمهورية ولتشكيل الحكومة ، وحتى القضاء مضطر أن يجتهد ليجد تفسيراً مقبولاً للتجاوزات على الدستور ،بسبب ما يسمى “الانسداد السياسي”.

 إمّا عن النظام السياسي فهو وفقاً للدستور نظام برلماني، ولكن في الواقع هو نظام “مجلسي” لانه يرتكزُ على مجلس النواب فقط ،دون هيئة أخرى كمجلس الاعيان او مجلس الشيوخ او مجلس الاتحاد ،كما انهُ (اي النظام السياسي) يفتقرُ الى أهم ميزة او آلية يعتمدها النظام البرلماني وهو ميزة او آليّة التوازن بين السلطة التنفيذية وسلطة مجلس النواب ،حيث سلطة الاخير (مجلس النواب) تكاد تكون مطلقة ،وليس للسلطة التنفيذية ايّة وسيلة ضغط على مجلس النواب وعلى ما يتخذه من قرارات و ما يشّرعه من قوانين . كما ان نسبة كبيرة من الشعب و من الاحزاب السياسية ، و بعد ما يقارب من تجربة عقدّين من الزمن ، يطالبون الآن بتبني نظام رئاسي .

 و حتى سيادة الدولة تهرأتْ بسبب تداعيات اللا توافق ، وقصور الدستور والنظام السياسي .

عملياً نتعايش مع سيادة للعراق وسيادة لاقليم كردستان ،

وعملياً نتعايش ايضاً مع انتهاكات لكليهما ،مما ادى هذا الامر الى التفريط بمكانة وهيبة الدولة . وحين تفقد الدولة قوتها وهيبتها يتلاشى الشعور بالمواطنة و تمرض الهوية الوطنية ،وهذا ما نلمسه و نأسفه .

 تتفاقم التداعيات السلبية لقصور الدستور والنظام السياسي و السيادة بحالة اللاتوافق و اللا اغلبية ، والتي هي صنيعة الاحزاب السياسية او حصيلة توجهاتهما نحو الاستحواذ على السلطة . عندما يكون هّمْ الاحزاب و ديدنها هو التنازع والتنافس على السلطة و مغانمها ، تصبح الدولة ويصبح الشعب قرابين الاحزاب والسلطة ،و باسم الديمقراطية وباسم الحرية .