عن القمّة الروسيّة الأمريكيّة


بدأت تظهر المؤشرات الإيجابيّة الدالّة على نجاح القمّة التي عُقدت يوم الأربعاء الماضي، بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره الأمريكي جو بايدن.
وهنا سنُسجل بعض الملاحظات، التي قد تبدو بسيطةً، وسنُحاول تشريحها، لعلّها توصلنا إلى معرفة بعض أجواء القمّة، وإلى توقّع بعض ما أسفرت عنه.  

الملاحظة الأولى:
يقول بوتين خلال لقاء مع خريجي الجامعات الروسية:
 "إن وسائل الإعلام الروسيّة والأمريكيّة رسمت صورةً خاطئةً لبايدن بأنّه مُشوّشٌ وغامضٌ ،أودّ أن أقول إنّ الصورة التي رسمتها صحافتنا وحتى الصحافة الأمريكيّة للرئيس بايدن ليس لها أيّ علاقة بالواقع".
هذا جزءٌ من مديح بوتين لبايدن، وهو مديحٌ عالي المنسوب، يجعلنا نستنتج أنّ اللقاء كان إيجابياً لدرجةٍ دفعت بوتين لتوجيه هذه الرسالة الإعلاميّة، وهي رسالةٌ موجّهةٌ للإعلام الروسي بأن يُغير طريقة خطابه تجاه بايدن، كما أنّها موجهةٌ للداخل الأمريكي، وخاصّةً لِخصوم بايدن الذين حاولوا التسويق بأنّ إمكانيات الرجل الذهنيّة والجسديّة لا تؤهلانه ليكون رئيس أقوى دولةٍ في العالم.

الملاحظة الثانية:
هي إعلان ​وزارة الخزانة الأمريكيّة​ عن تخفيف بعض ​العقوبات​ على ​إيران​ و​سوريا​ و​فنزويلا، وذلك​ للسماح بإيصال ​مُساعدات​ٍ خاصّةٍ بمكافحة كورونا.
قد تكون هذه الخطوة هي تعبيراً عن حُسن نيّةٍ أمريكيةٍ، وقد تكون نتيجة موقفٍ روسي مُعين، وبالحالتين فرمزيّة هذه الخطوة أكبر بكثيرٍ من مفاعيلها على الأرض، وقد تُمهّد لخطواتٍ أكبر وأكثر فاعليّة.

الملاحظة الثالثة:
هي قول وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، في حوار مع قناة BFMTV الفرنسية يوم الخميس الماضي: "أعتقد أن الظروف الملائمة لانضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو لم تتهيأ حتى الآن".
طبعاً هذا كلام أمريكي بلسانٍ أوروبي، وهو تنازلٌ أمريكي أوروبي أمام الإصرار الروسي بأنّ أوكرانيا خطٌ أحمرٌ، وأنّ الأمن الروسي يهمّ الجميع.

الملاحظة الرابعة:
رغم وجود كلٍّ من زير الخارجية ورئيس الأركان العامة للقوات الروسية ضمن الفريق الروسي بتلك القمّة، وهما المُطّلعين بِدقّةٍ على تفاصيل القضية السورية بِشقّيها السياسي والعسكري، إلًا أن وجود المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرينتيف ضمن الوفد الروسي يعني أنّ القضيّة السورية كانت موجودةً بقوةٍ وبالتفاصيل، وربّما كانت من أهمّ القضايا التي تمّ طرحها.

 الملاحظة الخامسة:
حفاوة الرئيسين ببعضهما والذي كان واضحاً بطريقة الاستقبال،  كان دليلاً على اتفاق لِجان التحضير على مُعظم النقاط، وبعد اللقاء خرج الرئيسان بيدين مُتشابكتين، وهذا أيضاً دليلٌ على الجو الإيجابي الذي ساد اللقاء.
بالتأكيد لن تظهر نتائج اللقاء بسرعةٍ وبشكّلٍ علنيٍّ، وهذا يتعلق بظروف الدولتين وبالظروف العالميّة وبطبيعة القضايا المطروحة، كما يتعلق بقدرة اللجان المُكلفة بمتابعة تنفيذ النقاط المُتفق عليها، والعمل على تذليل العراقيل أمام بقيّة النقاط الخلافية.

أخيراً هناك نقطة جديرة بالإشارة، وهي التصريحات الأمريكيّة التي سبقت وتَلَت انعقاد القمة، والتي تقول "إن اعتراض روسيا على توسيع معابر إيصال المساعدات الأمميّة إلى سوريا سيكون خطاً أحمراً" ، وهذه التصريحات لا تتعدى كونها تصريحات إعلاميّة لتوحي بأن الأمريكيين أجبروا الروس على فتح المعابر وتوسيعها، لأن المساعدات المقصودة هي مخصّصة لمناطق تسيطر عليها واشنطن وأدواتها وبالتالي فكلّ الحدود التي تُسيطر عليها الولايات المتحدة هي حدودٌ مفتوحةٌ وواسعة، سواء كانت مع الأردن، أو تركيا، أو العراق، وبالتأكيد الأمريكي لا يهتم بشرعيّة أو عدم شرعيّة هذه المعابر.