ثقافة محور المقاومة من فلسفة التأسيس إلى رسم ملامح العالم التعدُّدي


«إنَّ صناعة حضارة إسلامية متجددة يمثل أحد أهداف الشعب الإيراني، وأهداف الثورة الإسلامية» إلى أن يقول: 
«الحلقة الأولى: الثورة الإسلامية
الحلقة الثانية: تشكيل النظام الإسلامي
الحلقة الثالثة: تشكيل الدولة الإسلامية
الحلقة الرابعة: تشكيل المجتمع الإسلامي
الحلقة الخامسة: تشكيل الأمة الإسلامية»
هذا ما قاله الإمام القائد الخامنئي -أعزَّه الله- في الجزء الأول من الفيلم الوثائقي عن الجمهورية الإسلامية بعنوان: (القائد والمشروع الحضاري)؛ في حديثه عن بناء الأمة والحضارة الإسلامية
إذ لم تكن المقاومة منذ شهقتها وزفرتها الأولى مقيدة بمفهوم السلاح بعيدًا عن المفهومات العلمية والثقافية والتكنولوجية الأخرى
المقاومة التي قادتها الجمهورية الإسلامية كانت نهضةً للشعوب المظلومة كلها، وخصوصًا في غرب آسيا، وهي للوقوف بوجه التفرُّد الغربي وكسره، وإقامة التعددية في العالم المبنية على أساس المصالح المشتركة، ولنا أن نُسلسل هذه الأحداث باختصار، التي تدحرجت في منطقتنا بفضل قيام الثورة الإسلامية ومدها يد العون بالمال والسلاح والرجال والخطط للشعوب المظلومة لنصرتها، وهي:
1- انتصار الثورة الإسلامية عام 1979، وهزيمة المعسكرين الأميركي والبريطاني من أرض الجمهورية الإسلامية
2- النصر اللبناني بتاريخ: 25/أيار/2000 بقيادة حزب الله على الصهاينة المحتلين أرض لبنان، وطردهم من جنوبي لبنان طردً مُدمِّرًا ومذلًا
3- هزيمة إسرائيل (الجيش الذي لا يُقهَر) على يد حزب الله في الحرب التي بدأت بتاريخ: 12/تموز/2006 (حرب تموز)، إذ لم تتمكن إسرائيل المواصلة بها أكثر من أربعةٍ وثلاثين يومًا، هذه الهزيمة الكبرى كسرت الميزان العسكري الإستراتيجي الإسرائيلي، أي: أخرجتها من دائرة المقتدرين على اتخاذ قرار الحرب، والذهاب إلى الحرب وحصد النصر
4- الاحتلال الأميركي للعراق في عام (2003)، والفشل الأميركي في التوسع نحو إيران وسورية أو الثبات في العراق، حتى هزيمة مُذِلَّة للأميركيين من العراق عام (2011) حاملين أكثر من خمسة آلاف نعش لجنودهم، مع أكثر من ثلاثين ألف أميركي معا١ق، بخسائر مادية بلغت أربعة تريليون دولار أميركي!
5- الحرب الأميركية الإسرائيلية الخليجية (بالوكالة) على الدولة والشعب السوري عام (2011)، ووقوف محور المقا١ومة وروسيا؛ إسنادًا ونصرًا ودعمًا للدولة السورية، وفشلٌ أميركي في تحقيق أهداف الحرب، وها هي اليوم سورية تنتخب رئيسًا مِلء إرادتها بعيدًا عن الإملاءات الغربية
6- العام 2014 إدخال (داعش – الإرهاب السلفي) إلى العراق تحت غطاء أميركي، وهُزِمَ هذا المشروع الدا١مي المؤلم؛ وسجل محورُ المقا١ومة نصرًا، ساحقًا على عظام أميركا في عام (2017)
7- بتاريخ: 25/آذار/2015، بدأ التحالف السعودي حرب (عاصفة الحزم) الظا١لمة لتدمير دولة وشعب اليمن العزيز، لكن اليوم المقاومة اليمانية تضرب عمق السعودية ومنشآتها الرئيسة، والسعودية لا تستطيع إيقاف هذه الحرب إلا بشروط أهل اليمن، لأنّ آل سلمان الغُزاة ذاقوا ويل الصواريخ والمُسيَّرات اليمانية
8- الاتفاق النووي بين الجمهورية الإسلامية ومجموعة دول (5+1)، يُوَقَّع بتاريخ: 14/تموز/2015، وتنسحب منه أميركا، وتعود ذليلة متوسلة الآن في عام (2021)، لكن الجمهورية الإسلامية لا تقبل عودة أميركا إلا بعد رفع العقوبات الظالمة المفروضة على إيران كلها
9- بتاريخ: 8/كانون الثاني/2020، الجمهورية الإسلامية توجِّه قصفًا صاروخيًا باليستيًا دقيقًا تأديبيًا لقاعدتَي عين الأسد وحرير الأميركيتين في العراق، بأكثر من عشرة صواريخ، ضربة لم تذُقْ مثلها أميركا منذ الحرب العالمية الثانية
10- الأساطيل الإيرانية بتاريخ: حزيران/2020، تُبحر محملة بالمشتقات النفطية والمواد الاحتياطية والغذائية، كاسرةً الحصار الأميركي وصولًا إلى دولة فنزويلا المحاصرة، الأسطول الإيراني هزم ثلاثة أساطيل أميركية عسكرية إستراتيجية وهي:
أولًا: الأسطول الأميركي الخامس، مقره: البحرين – المنامة
ثانيًا: الأسطول الأميركي السادس، مقره: إيطاليا – نابولي
ثالثًا: الأسطول الأميركي الرابع، مقره: أميركا – فلوريدا
11- أميركا تُهزَم في مجلس الأمن الدولي أمام إيران بتاريخ: 14/آب/2020، ولم تتمكن من تجديد فرض الحظر العسكري على الجمهورية الإسلامية، ولم يصوِّت بالإيجاب مع أميركا سوى (جمهورية الدومينيكان!) من أصل خمسة عشَرَ عضوًا: خمسةٌ دائميون، وعشرةٌ غير دائميين
12- الاتفاق الإيراني الصيني بتاريخ: 27/آذار/2021، اتفاقية 25 عامًا بعنوان: (برنامج الاتفاق الشامل بين جمهورية الصين الشعبية والجمهورية الإسلامية الإيرانية)، قيمته (400) مليار دولار على وفق المُعلَن
محطة سيف القدس
معركة (سيف القدس) في أيار/ 2021، معركة الأحدَ عَشَرَ يومًا، فلسطين: القدس، الضفة الغربية، أرض 1948، في مواجهة الاحتلال الصهيوني
المقا١ومة الفلسطينية تضرب الأرض ١لمحتلة (4300) صا١روخٍ موزعة على أحَدَ عَشَرَ يومًا، الصو١ريخ وصلت إلى الأرض ١لمحتلة كلها، متجاوزةً القبة الحديدية!
بتاريخ: 23/أيار/2021، نشر: معهد دراسات الأمن القومي الإسر١ئيلي:
The Institute for National Security Studies 
دراسةً للكاتب: (إيتاي برون) بعنوان:
(عملية حا١رس الأسوار : بُعدان متوازيان، وثلاث مفاجآت قاسية)
نعتقد أنَّ هذه الدراسة هي أفضل دراسة حتى الآن، عرضت التغيير السيكولوجي، والأيديولوجي الذي طرأ في نسبة عالية على المستوطنين المدنيين غا١صبي أرض فلسطين؛ إذ فوجِئ المستوطنون بثلاث مفاجآت تذكرها الدراسة، هي:
1- القي١ادة السياسية الإسرائيلية اختارت (ردعَ) حماس، وليس (قهرها) [ونحن لا نرى أنها قادرة على قهرها]
2- عدم فعالية العمليات الهجومية للجيش الإسرائيلي؛ لإيقاف إطلاق الصواريخ
3- صعوبة شرح وإثبات إنجازات الجيش الإسرائيلي للجمهور 
أما ما تعنيه الدراسة بالبعدين المتوازيين فهو:
1- حماس هاجمت الجبهة الداخلية بعدد غير مسبوق بالصواريخ
2- إسرائيل هاجمت حما١س بقوة ودقة أكثر
الجانب السيكولوجي للمستوطنين الغاصبين:
تقول الدراسة فيما يتعلق بهذا الجانب: « أصيب الجمهور الإسرائيلي بالإحباط؛ إذ عُرِّضَ لإطلاق صواريخ متواصل، ولم يكن قادرًا على فهم حجم الدمار في غزة»، ولأجل ذلك فإنَّ تشريحنا لسيكولوجية المستوطنين المحتلين في أثناء وبعد هذه المعركة هي:
1- « الجمهور الإسرائيلي» مصاب بعامل (الإحباط)، هذه الكلمة (الإحباط) ذُكرت أربع مرات في هذه الدراسة، وكلها تُربَط مع «الجمهور الإسرائيلي»
2- «الجمهور الإسرائيلي لم يكن قادرًا على فهم حجم الدما١ر في غزة»، أي: يعيش رعب الجهل بالواقع والمتغيرات على ساحة المعركة!
3- «الجمهور الإسرائيلي رأى مرة أخرى أنّ النصر الحاسم على التنظيمات الإرهابية [يقصد المقاومة الفلسطينية] لم يكن على أجندة صانعي القرار»، وهنا يدخل حالة الضياع، ويُعدَم عنده الشعور بالأمن لكون (الردع) غير (القهر)، وهو ينتظر من قيادته قهر حما١س، لكنه يجدها عاجزة عمّا دون ذلك وهو (الردع)!
4- «الجمهور الإسرائيلي أُصيب بدهشة وخيبة أمل»
الجانب الأيديولوجي للمستوطنين الغاصبين:
الأيديولوجيا التي بدأت تتبلور في عقلية المستوطن المدني المحتل عن جيشه، هي:
1- الجيش الإسرائيلي لم يقدر على منع إطلاق الصواريخ 
2- الجيش الإسرائيلي لم يمنع عددًا محدودًا من الإصابات التي أدت إلى وفَيَات 
3- الجيش الإسرائيلي لا يستطيع تغيير هذا الوضع تغييرًا كبيرًا في المستقبل القريب
4- الجيش الإسرائيلي لم ينجح في مَهَمَّته
5- الجيش الإسرائيلي فشل في وصف ما يجري على الأرض في أثناء المعركة
6- الجيش الإسرائيلي فشل في تطوير طريقة فعّالة لإيصال إنجازاته لجمهوره
7- الجيش الإسرائيلي ليس لديه طريقة أخرى أفضل للتعامل مع حماس!
موقف الصه١ينة:
الصهاينة يعيشون حالة رعب فظيعة بمجرد التفكير في مواجهة حزب الله، وهذا لا نقوله نتيجة التفاؤل المبسوط كل البسط، ولا نتيجة التبذير في الحماسة، لكن نقوله بعد مراجعتنا عشرات المقالات والدراسات الصادرة عن إسرائيل وأميركا وأوروبا قبل وبعد هذه حرب الأحَدَ عَشَرَ يوما!
تصادم الشبكات الإستراتيجية
(شبكات أميركا)
الآلة الأميركية وحلفا١ء هذه الآلة، كانت تنسج شبكاتها الإستراتيجية للسيطرة على غرب آسيا والعالم، وعلى وفق الآتي:
1- القواعد العسكرية، إذ بلغت أكثر من ألف قاعدة في دول العالم، وأخطرها في غرب آسيا، وكوريا الجنوبية واليابان
2- أنابيب الطاقة (النفط والغاز) التي تمثل معركة اقتصادية معقدة، تتكون من: قطر إلى سورية والمتوسط وأوروبا، فلسطين المحتلة ومصر، اليونان وقبرص، تركيا وكازاخستان
3- الإخوان المسلمين، وإسقاط أنظمة الدول في شمال إفريقيا، وجنوب غرب آسيا، ومِنْ ثَمَّ مستنقعا١ت (الإرهاب السلفي) في غرب آسيا
4- النظام المصرفي والعقوبات الاقتصادية
(شبكات إيران، روسيا، الصين)
1- منظومات الدفاع الجوي الإيرانية ومنها: باور 373، التي حرَّمَت السماء الإيرانية على الطيران الأميركي والإسرائيلي، والآن وصلت إلى سورية لاستهدااف الطيران الصهيوني
منظومات الدفاع الجوي الروسي: S-300, S-400 التي نُشِرَت درعًا استراتيجيًا لحماية روسيا كلها، ونُشِرَت في سورية، وكذلك التسلح الصيني المتفوق
2- أنابيب النفط والغاز الروسي والإيراني إلى الهند والصين وسورية وفنزويلا وغيرها
3- السكك الحديد الصينية، وخطوط الاقتصاد، وتدفّق السلع وارتفاع الموازين التجارية بين دول آسيا، وكذلك المشروع الأهم وهو مشروع (الحزام والطريق)
4- شبكة محور المقاومة بقيادة الجمهورية الإسلامية، الممتدة من: إيران، اليمن، العراق، سورية، لبنان، فلسطين، وسجَّلت انتصارا١تها ولم تسمح للأميركي أن ينتزع نصرًا واحدًا منها
الخاتمة
هكذا كانت تعمل المقاومة على مدى هذه العقود، فهي تشارك مشاركةً رئيسةً في رسم النظام العالمي الجديد، وهي تنطلق من الذات إلى الموضوع الخارجي، المقاومة حركة ثقافية واقتصادية وسياسية وتكنولوجية، ثقافة الأقمار الصناعية والنانوتكنولوجي، ثقافة الطاقة النووية السلمية، ثقافة براءات الاختراع والطب والهندسة
المقاومة بناء الفرد والأسرة والدولة والمجتمع والأمة والحضارة؛ بعِزٍّ وكرامة وشموخ واستقلال وسيادة وعلم، كما وردت في كلام القائد الخامنئي -أعزَّه الله- في بداية مقالنا، وهذه هي فلسفة التأسيس ورسم ملامح العالم التعدُّدي.

المصدر: ألواح طينية