أفغانستان الجديدة.. طالبان والرعاية الأمريكية


تحت أنظار الإدارة الأمريكية وبرعايتها، تمكنت حركة طالبان، من السيطرة الكاملة على أفغانستان، في مشهد هوليودي أبدع في إخراجه السيد الأمريكي، وضمن هذا المشهد، يبدو أن طالبان ستُكمل الفيلم الأفغاني، وتقوم بتنفيذ اتفاق الدوحة الذي وُقع في 29 شباط / فبراير 2020، بين طالبان والولايات المتحدة، والذي وصفه "أخوند زادة" أمير حركة طالبان، بأنه "انتصار كبير" للحركة.

قبل عشرون عاماً، أزاحت الولايات المتحدة حركة طالبان عن المشهد الأفغاني، بينما اليوم، ومع القرار الأمريكي بالانسحاب من افغانستان، تمكنت حركة طالبان من استعادة "إرثها السابق"، وأحكمت سيطرتها على أفغانستان بشكل كامل، ففي نهاية تسعينيات القرن الماضي، اقتضى صعود حركة طالبان، صراعات وحروب واغتيالات، أما اليوم، لم تُكلف الحركة نفسها عناء الدخول في صراعات وحروب، فقد أنطلق مقاتلو الحركة، بحرية تامة، لتتساقط في طريقهم الولايات الأفغانية الواحدة تلو الأُخرى، بينما فر المسؤولين الحكوميين إلى البلدان المجاورة، بمن فيهم أحد رموز الحرب الأفغانية منذ أيام الاتحاد السوفياتي، رشيد دوستم، الذي ترقى أخيراً إلى رتبة مارشال قبل أن يهرب إلى أوزبكستان تاركاً معقله في مزار الشريف.

في عمق المشهد الأفغاني، وتصدر حركة طالبان هذا المشهد، يبدو أنه هناك عملية تسليم أمريكي وتسلم طالباني، مع جُزئية أن حركة طالبان، والتي نشأت برعاية المخابرات الباكستانية، لا تزال تحتفظ معها بعلاقات وثيقة، الأمر الذي يطرح جُملة من التساؤلات، عن طبيعة ومضمون اتفاق الدوحة برعاية الأميركيين، بين حكومة الرئيس أشرف غني المنهارة والحركة المنتصرة مجدداً.

تفاصيل كثيرة تعرفها الولايات المتحدة حيال طالبان، الأمر الذي يؤكد بأن المسرحية الأمريكية، تمت وفق أجندة أمريكية خاصة، تستهدف بموجبها تغير الوقائع الإقليمية والدولية، من ضمن ذلك، ما ورد في تقارير عديدة، تؤكد بأن مقاتلو حركة طالبان، كانوا على أبواب كابول فيما يواظب ممثلوها من الدوحة وغيرها على الدعوة إلى الحوار، وهو ما فعله أيضاً الناطقون بلسان الخارجية الأميركية، وحده الرئيس الأفغاني أشرف غني بقي متمسكاً بوهم استعادة السيطرة، وإعادة تنظيم قواته التي تفككت كبناء كرتوني، وعندما دخلت "طالبان" ضواحي العاصمة لم يبقَ أمامه إلا التصديق بأن كل شيء قد انتهى، والمنفذ الوحيد هو ركوب أول طائرة متاحة.

واشنطن تعرف جيداً زعيم حركة طالبان "أخوند زادة"، الذي خلف الملا أختر منصور، والذي قتل في غارة أميركية نهاية أيار / مايو  2015، وفي أول تصريح له توجه إلى الحكومة الأفغانية قائلاً، "إن دعمكم وانحيازهم للغزاة يشبه عمل تلك الوجوه البغيضة التي دعمت في الماضي البريطانيين والسوفيات، وأكد زادة في سياق تصريحه، أن طالبان لديها برنامج لتوحيد البلاد في ظل الشريعة الإسلامية وأبواب العفو والغفران مفتوحة".

في ذات السياق، أُتهم زادة لدى تنصيبه أميراً لجماعته بأنه تولى المنصب بأمر من المخابرات الباكستانية، وكان عليه مواجهة انشقاق "مولوي نقيب الله هونر"، الذي أعلن "الجهاد" ضده، إلا أنه تمكن من تثبيت موقعه في مواجهة المنشقين وضد الحكومة في كابول وتنظيم "داعش"، الذي وصفه في مارس (آذار) 2017 بـ"طاغية طالبان".

وتعلم واشنطن أيضاً، أن "أخوند زادة" حظي بدعم تنظيم "القاعدة"، وقد أصدر فرع التنظيم في "شبه القارة الهندية" في حزيران / يونيو 2017، "مدونة سلوك" أوضح فيها أنه ملزم ببيعة زعيمه أيمن الظواهري لـ أخوند زادة، وأن القاعدة في بلاد الرافدين تقاتل أعداء طالبان خارج أفغانستان، بينما تقاتل في الوقت نفسه إلى جانبها داخل البلاد.

وفي أذار / مارس 2020، هنأ تنظيم القاعدة  حركة طالبان على اتفاق السلام الموقع مع الولايات المتحدة ووصفه بـ"النصر التاريخي" الذي أجبر الولايات المتحدة على سحب قواتها المحتلة من أفغانستان، والامتثال للشروط التي يمليها مجاهدو طالبان.

كل ما سبق من معطيات تعلمها واشنطن جيداً، لكنها أثرت الاستمرار في الاتفاق مع طالبان، وتوسيع مروحة التفاهمات مع الحركة، الأمر الذي يؤكد بأن أفغانستان سُلمت لحركة طالبان، وفق استراتيجية أمريكية تستهدف دول الجوار الأفغاني، لا سيما روسيا وإيران والصين، وبالتالي ستخشى روسيا على نفوذها في آسيا الوسطى "طاجكستان وأوزبكستان"، وستنتظر الصين انعكاس التحول الأفغاني على أوضاع الإويغور المسلمين على مقربة من حدودها مع البلاد الجبلية، فيما ستترقب الهند سياسة النظام العائد تجاه مشكلتها القديمة في كشمير، وستكون إيران الدولة الأكثر حساسية تجاه التحول الجديد.

المشهد الأفغاني ونتائجه وتأثيرات وصول طالبان إلى السلطة، يشي بتطورات ساخنة، لها ارتدادات إقليمية ودولية، فالغاية الأمريكية باتت واضحة في هذا الإطار، وهي إرباك خصومها في المحيط الأفغاني.