إدلب.. دوافع أنقرة السياسية وضرورات دمشق العسكرية.
لم يعد محوراً للنقاش، ما يقوم به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في شمال شرق سوريا، إذ بات واضحًا، أن السياسية التركية في إدلب على وجه الخصوص، تنطلق من محددات واضحة، يسعى بموجبها أردوغان، إلى إبقاءها مضماراً لأحلامه العثمانية، وخططه التوسعية، خاصة أن دوافع أردوغان، باتت واضحة المضمون والأهداف في عموم جغرافية الشمال السوري، وفي ذات السياق، فإن جُل المناورات ببعديها السياسي والعسكري، التي يُهندسها أردوغان في إدلب، لم تعد هي الأُخرى بحاجة إلى التمعن، وقراءة المعطيات والوقائع المستجدة، لتشكيل صورة يُمكن من خلالها، فهم وإدراك، بواعث وأهداف وأردوغان في المدينة السورية المُحتلة تُركياً.
يرتكز أردوغان في محدداته لتبرير سياسته التوسعية تُجاه إدلب، إلى الادعاء أن إدلب تُمثل بوابة استراتيجية لـ أنقرة، والحفاظ عليها ضمن الواقع الحالي، يُعد حمايةً للأمن القومي التركي، وبذلك لا يُمكن السماح للدولة السورية، بالعمل على استعادة المدينة المُحتلة، لضرورات أمنية واستراتيجية، يراها أردوغان ومنظروه السياسيون، جدار استناد في استراتيجية أنقرة ضد دمشق، لكن في المقابل، فإن أردوغان، لن يتمكن من الركون إلى أوهامه وخططه التوسعية تُجاه إدلب، وإن كانت التفاهمات السياسية مع قُطبي أستانا، روسيا وإيران، قد أمنت له هامشاً سياسياً للمناورة من خلاله، لكن وضمن فرضيات وسيناريوهات الأمر الواقع، فإن المسارات المستجدة على مستوى الإقليم، ستفرض صيغاً سياسيةً جديدة تُجاه حل ملف إدلب.
ربطاً بما سبق، فإن المصالح ومروحة الإصطفافات الإقليمية، وكذا التحولات ما بين الدول، خاصة تلك المُنخرطة والمؤثرة في الشأن السوري، كل ذلك يتطلب مقاربات جديدة، تفترض التعاطي بطرق مُغايرة لِما تم اعتماده في نُسخ أستانا، وتفاهمات سوتشي، لا سيما أن المُخرجات السياسية للتفاهمات الروسية التركية، لم تعد تصلح كأسس للحل السياسي، ولم تعد قادرة تلك التفاهمات، على تلبية رغبات دمشق، أو إقناعها، بأن فواعل تلك التفاهمات، قد تُحدث تغييرات في ملف إدلب، كما وتدرك دمشق، أن ما يحدث في إدلب، لا يُمكن السكوت عنه، أو التعاطي معه وفق آليات سياسية، أو نظم البيانات المُنددة، وانتظار مساعدة الحلفاء، إذ أن ما يحكم العلاقة التركية مع روسيا وإيران، لا يمكن النظر اليه عبر البوابة السورية فقط، وإنما هم شركاء استراتيجيون، وتربطهم علاقات اقتصادية عميقة، لكن في المقابل، فإن ما يحدث في إدلب، والإمعان في سياسة التتريك، إنما يضع الكرة في الملعب الروسي والإيراني، وتفاهماتهما مع تركيا، والتي يجيد أردوغان التملص من تلك الاتفاقيات، الأمر الذي يطرح تساؤلات عديدة، حيال السياسات الروسية والايرانية حيال إدلب.
إلى ذلك، فإن دوافع أردوغان في إدلب، تتسق وجهوده السياسية والعسكرية والأمنية، للحفاظ على إدلب، كرهينة لتحقيق أوهامه بإقامة إمارة إسلامية تسبح في فضائه وتترجم أحلامه، وعلى الرغم من جميع التفاهمات والاتفاقات مع الجانب الروسي، حيال إدلب المحتلة من جيش أردوغان، ومرتزقته، فإنه دائما يتملص بين الفينة والأخرى من الالتزامات والتعهدات، التي يجب أن تُترجم واقعاً، وبترجمتها الحقّة ستكون بداية النهاية الوجود العسكري التركي في إدلب، من هنا يُفهم أن سياسات أردوغان، إنما تأتي في إطار نسف كل التفاهمات مع روسيا، الأمر الذي يتيح له الاستمرار في أوهامه المتعلقة بمشروعه التوسعي.
ما يجري في إدلب، يُلخص بعبارة واضحة، وهي أن تركيا تقول صراحة، أن مصالحها الاستراتيجية في إدلب، أهم من المصالح الروسية والايرانية مع دمشق، وعليه، فإن تركيا تضع علاقاتها مع روسيا وإيران، في إطار معادلة إدلب، وأي تدهور عسكري في ملف إدلب، سيضع العلاقة بين أنقرة وطهران وموسكو، موضع المقايضة السياسية، إذ أنه وعلى الرغم من نُسخ أستانا، وتفاهمات سوتشي، إلا أن إدلب لا تزال بعيدة عن مسار التفاهمات السياسية، مع غض الطرف عن كل الممارسات التركية في إدلب، من قبل موسكو وطهران. والواضح من سياق التطورات في إدلب، أن معادلة أردوغان، ناجحة حتى الآن، بدليل أن تركيا تُبقي المواجهة بينها وبين سوريا.
صفوة ما سبق، فإن جميع المعطيات الراهنة بأبعادها السياسية والعسكرية، إنما تُحتم على الدولة السورية، الشروع بخيار المواجهة العسكرية؛ صحيح أن الدولة السورية أثقلت كاهلها سنوات الحرب، وجُملة من الأزمات السياسية والاقتصادية المُعقدة، لكن الصحيح أيضاً، أن دمشق تنطلق في توجهاتها نحو إدلب، من محورية واجبها تُجاه المدينة المُحتلة تُركياً، وضرورات عسكرية تقتضي إنهاء كافة أوجه الاحتلال التركي وعناوينه في عموم الشمال السوري، وبذلك تتمكن دمشق، من طيّ صفحة الحرب، وإنهاء أشكالها وعناوينها، وتأثيراتها ونتائجها الكارثية، وعليه فإن دمشق تدرك أن المماطلة والتردد في معالجة هذا الملف، لا يصب في مصلحتها، لا من حيث الظروف ولا من حيث الزمن، كما تدرك أيضاً أن بقاء إدلب خاصرة استنزاف، ستكون له تداعيات جمّة على مُجمل المشهد السوري.
لكن ما بين الدوافع السياسية لأردوغان، والضرورات العسكرية للدولة السورية، ثمة سُبل دبلوماسية من شأنها إنهاء الوضع القائم في إدلب لمصلحة سيادة الدولة السورية، وبصرف النظر عن توجسات أردوغان المرتبطة بـ إدلب، لجهة خسارته لركيزة أساسية في مشروعه التوسعي؛ لكن تبقى حتمية المواجهة العسكرية الواسعة، لا مفر منها، في حال فشلت السبل الدبلوماسية والسياسية مع تركيا، خاصة أن كلَّ الحسابات الشخصية لـ رجب طيب أردوغان، لا تعني الدولة السورية، عندما تحين لحظة تحرير إدلب المُحتلة تركياً.
التعليقات