اصلاح الحياة الحزبية في العراق


في مقال سابق (صحيفة "المستقل" عدد ١٥ اب ٢٠٢١)، تحدثت عن "بؤس الحياة الحزبية في العراق". وشخصت ان من بين علامات البؤس التعددية المفرطة في عدد الاحزاب، وغياب الفوارق الجوهرية بينها.
ومهمة الطبيب بعد تشخيص المرض، اعطاء وصفة الدواء لمعالجة المرض. 
وهذا ما انوي فعله في هذه المقالة.
ابتداءً، لابد ان اذكر ان اصلاح الحياة الحزبية هو في حقيقة الامر جزء من مشروع اصلاحي شامل لمختلف نواحي الحياة في العراق، عنوانه العام "الدولة الحضارية الحديثة". والحياة الحزبية جزء من الحياة السياسية في الدولة الحضارية الحديثة القائمة على خمسة اسس هي: المواطنة، والديمقراطية، والقانون، والمؤسسات، والعلم الحديث. وحينما اتحدث عن اصلاح الحياة الحزبية، فهذا يفترض ان يكون الاصلاح بموجب هذه الاسس الخمسة. وهذا يعني ان الاحزاب يجب ان تكون احزاب مواطنين، ديمقراطية في حياتها الداخلية وبرامجها السياسية، تلتزم بالقانون، مؤسساتية وليست مشاريع زعامات فردية او عائلية، واخيرا توظف العلم الحديث في عملها السياسي. وبالتالي، فان اطروحة اصلاح الحياة الحزبية هي احدى خطوات اقامة الدولة الحضارية الحديثة.
ثانيا،  لايمكن اصلاح الحياة الحزبية دون قانون جديد للاحزاب يستهدف تحقيق الاصلاح بما في ذلك معالجة التعددية المفرطة والتشابه الغالب. ولتحقيق ذلك، يجب ان يضع القانون شروطا تمنع تكوين احزاب صغيرة جدا او مجهرية لا ترى بالعين المجردة او شخصية او موسمية. وهذا امر سهل. فبالامكان تصور الكثير من الشروط التي  تشجع الحزبيين على الانخراط في تشكيلات حزبية كبيرة، وعدم التسرع بتشكيل احزاب صغيرة. كما يمنع القانون تشكيل احزاب متشابهة سواء بالاسم او البرنامج السياسي. ولنقل على سبيل الاقتراح ان التشابه الممنوع هو ما كان بنسبة ٥٠٪ فما فوق. وفي حالة وجود تشابه يزيد على ٥٠٪ فان القانون لا يمنح الرخصة لهذه الاحزاب ويطلب منها الاندماج قبل اجازتها. وتقوم لجنة او لجان متخصصة ذات خبرة باعطاء الرأي في مسألة التشابه.
ثالثا، يسعى القانون الى وضع شروط تنتج احزابا وطنية، بمعنى احزاب عابرة  للاديان والطوائف والقوميات. ومن هذا المنطلق فان القانون لا يجيز تشكيل احزاب مغلقة دينيا او قوميا او طائفيا. ويجب ان يحقق طلب الرخصة الحزبية تنوعا في العضوية وفي الانتشار الجغرافي بمواصفات يحددها القانون حتى يمكن اعتبارها احزابا وطنية، بالمعنى المتقدم. تقوم العضوية في هذه الاحزاب على اساس المواطنة وليس على اساس المكون.
رابعا، يجب ان تحقق الاحزاب المرخصة اجماعا على اساسيات الدولة، ومنها: وحدة الاراضي والسيادة (عدم الانفصال)، الدولة الاتحادية، النظام الجمهوري الديمقراطي، حقوق المواطنة في اي مكان، الخ. ويجب ان يكون ذلك واضحا في النظام الداخلي للاحزاب المجازة.
خامسا، يجب ان يخضع الوصول الى البرلمان الى شروط صارمة في مقدمتها الفوز بنسبة معينة من اصوات الناخبين فعلا (ربما ٥-٨٪ كحد ادنى). الاصلاح الحزبي المطلوب لا يشجع قيام احزاب صغيرة، وانما يخلق كل الدوافع الى اندماج الاحزاب الصغيرة  وتشكيل حزب واحد قوي ومؤثر.
سادسا، يجب ان ينص الإصلاح الحزبي على الحكومة يشكلها الحزب الذي حاز على اغلبية النصف زائدا واحد من عدد المقاعد البرلمانية. واذا لم يتحقق ذلك، فامامنا خياران، اما اعادة الانتخابات، او تشكيل حكومة ائتلافية. 
سابعا، يسمح قانون الاحزاب بتشكيل احزاب محلية، على مستوى المحافظة. لكن يمنع مشاركة الاحزاب المحلية في الحكومة الاتحادية التي تقتصر المشاركة فيها على الحزب الوطني، او الاحزاب الوطنية في حال تشكيل حكومة ائتلافية.
ثامنا، عند شغور اي مقعد نيابي، يصار الى اجراء انتخابات تكميلية في الدائرة الانتخابية التي ينتسب اليها النائب المستقيل او المتوفى.